* يظن ذلك الغارق في مشاكل الحياة أنه سيتخلص منها جميعا من خلال استشارة نفسية يتيمة مع الطبيب النفساني، وتعتقد تلك التي تقف على حافة الطلاق أنها ستعيد بناء عش الزوجية ليصبح بأبهى حلة عن طريق حضورها وحدها إلى العلاج النفسي عدة مرات، وتأتينا عائلة بابنها المتمرس بالجريمة والانحراف تأمل تغيير طبائعه مرة واحدة وللأبد، ويحسب شاب يشعر بالتعاسة من كل اتجاه أننا سنقوم بوصف "حبوب السعادة" لتخلصه من تعاسته وآخر لا يجتهد في دراسته أننا سنصف "حبوب التركيز" له ليكون ناجحا بلا عناء.
* للأسف أننا، لا نحن ولا غيرنا نمتلك مصباح علاء الدين ولا عصا سحرية تغير الحال إلى نقيضه وتمحو المشاكل النفسية وتضفي السعادة والهناء بحركة واحدة. لكننا نعتقد أن الحلول ممكنة والتغيير للأفضل ليس مستحيلا، وأن المثابرة على العلاج النفسي قد تؤدي إلى نتائج "كالسحر" في بعض الأحيان. نحن لا نغري بالوعود الزائفة كتلك التي تقدمها بعض الإعلانات التجارية لتخفيف الوزن ومساحيق التجميل، لكننا نعلم أن تفسير منشأ الأعراض النفسية وتفهمها وإجراء التدخلات المعرفية والسلوكية والعلاجية الأخرى والعمل مع العائلة إن لزم الأمر بشكل حثيث ومتكرر، سيصنع تغييرا معتبرا وثابتا في حياة الأفراد .
* إن التعرف على الذات وتفهمها، وتطوير وعي واستجابات أكثر صحة ومرونة للظروف الضاغطة المحيطة بالفرد، والتعامل الآمن والسليم في العلاقات سواء بإصلاحها أوبالابتعاد عنها، والتغلب على مشاكل الحياة دون انهيار أو تقهقر، يحتاج إلى خطوات عديدة ومستمرة وإلى متابعة حثيثة، وفي الغالب لن نحصل على نتائج فورية ولكننا نستمر في العمل العلاجي بيقين يشبه الاعتناء بنبتة ابتداء من البذور، عليك أن تستمر بالري والرعاية حتى دون أن ترى النتائج بأم عينيك لعدة أسابيع، لكنك تثق أنك ستلمح الساق الأخضر يشق التربة معلنا حياة جديدة بعد حين.
* يتأمل المتعالج لو أن طبيبه النفساني يستمع لكل ما لديه من اللقاء الأول وأن يأتي له بالحلول الجذرية فورًا وأن يكون اللقاء الأول هو الأخير، ولكن تشير الأبحاث الرصينة في الطب النفسي إلى أن تحسن أي متعالج نفسي يعتمد، من ضمن عوامل عديدة، على عدد المرات التى يرى فيها المتعالج طبيبه المعالج. فنحن لا نستطيع أن نحيط بكل أعراض وطبائع وظروف وعلاقات هذا الإنسان من لقائه مرة واحدة وإنما نجمع له "صورا نفسية" عديدة من عدة لقاءات ونقوم بعد ذلك بتركيب تلك "البزل" التي توضح لنا سويا خارطة الطريق في العمل العلاجي.
* ليس لدينا حبوب للنجاح أو السعادة، بل لدينا علاجات للعوائق النفسية التي قد تعرقل طريقنا للسعي نحو النجاح والسعادة، وهذا لا يعفينا من العمل نحو التغيير! إن هذه المبادئ يجب أن يؤسس لها منذ بداية العمل العلاجي، وعلى الراغبين بالعلاج النفسي أن يعلموا أن التغيير البطيء والتدريجي والمتصاعد هو ما يعوَّل عليه، وأن التغييرات "السحرية" أي الفورية والكبيرة لا تصدّق ولا تدوم، وأن التغيير الحقيقي يأتي من الذات وليس من الخارج، وأن دور المعالج النفسي لا يتعدى أن يكون مفسرًا وميسرًا ومؤيدًا لعملية التغيير وأن العلاج النفسي ليس بنزهة، وأن على الراغبين بالعلاج النفسي أن يبذلوا جهدًا ويصرفوا وقتا ويدرّبوا أنفسهم بطريقة دائمة للمضي بحياتهم نحو الأفضل،
وأن النتائج تستحق ذلك التعب.
واقرأ أيضا >>>>: شبهات وردود