الصحة النفسية للمصريين1
وقد ذكرت بعض الدراسات التي أجريت على عينة من المجتمع المصري أن 70-80% من المصريين المصابين باضطرابات نفسية يذهبون للعلاج لدى المعالجين الشعبيين أو المشايخ أو من يدّعون إخراج الجن أو فك السحر، فما زال المصريون أقرب للمفاهيم الدينية أو السحرية للمرض النفسي، وأنهم يحتاجون لجهود توعوية كثيرة لتقبل المفهوم الطبي للمرض النفسي، وأن وصمة المرض النفسي تحول دون توجههم للطبيب النفسي، وتؤخر العلاج كثيرا مما يتسبب في مضاعفات خطيرة للمرض خاصة إذا كانت المريضة فتاة أو امرأة. وتشيع المفاهيم السحرية في المجتمعات الريفية والمناطق العشوائية في المدن...
وبالطبع فإن المسح القومي لا يشمل فئة المأزومين، تلك الفئة التي ذكرناها آنفا، والتي تعاني من أعراض نفسية، ومن انخفاض الرضا وتدني جودة الحياة (بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية) ولكنها لا تصنف كاضطرابات نفسية بالمفهوم الطبنفسي.
وتبين من بعض الدراسات أن حوالي 0.5% فقط من المرضى النفسيين هم من يحتاجون الدخول إلى المستشفيات لتلقى العلاج، أي أن ٩٩.٥٪ الآخرين يمكن علاجهم من خلال العيادات الخارجية، فيما لا يذهب من المرضى النفسيين إلى الطبيب سوى ٣٪ فقط، حيث يتجه الباقون إلى الممارس العام نظرا لأن من 60% - 70% من الأمراض النفسية تبدأ بآلام وأعراض عضوية، كما يتجهون في البلاد العربية إلى العلاج التقليدي، أو الشعبي، أو الديني.
كورونا والصحة النفسية:
وقد تم المسح في المجتمع المصري قبل جائحة كورونا، وطبقا لدراسات عالمية فقد تسببت جائحة كورونا في زيادة نسبتها 25٪ في معدلات الشعور بالقلق والاكتئاب عمومًا بجميع أرجاء العالم، ممّا كشف النقاب عن مدى قصور استعداد الحكومات لمواجهة تأثير الجائحة على الصحة النفسية وعن نقص عالمي مزمن في موارد الصحة النفسية. ففي عام 2020، أنفقت الحكومات في أنحاء العالم بأسره نسبة 2٪ فقط في المتوسط من ميزانيات الصحة على الصحة النفسية، بينما استثمرت البلدان المنتمية إلى الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط نسبة أقل من 1٪ في هذا المجال (عكاشة، البوابة 10 أكتوبر 2022) .
وإذا وضعنا زيادة الاضطرابات النفسية الناتجة عن جائحة كورونا للأرقام الواردة في المسح القومي فإننا نكون أمام أرقام أعلى من الاضطرابات والأعراض النفسية، ولهذا نحتاج لإجراء مسح قومي جديد يعكس التغيرات التي تسببت فيها جائحة كورونا وتسببت فيها الظروف الاقتصادية الحالية وتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا وغيرها من العوامل السياسية والاقتصادية.
وما زالت الصحة النفسية على مستوى العالم (مع اختلافات بين الدول) من أبرز مجالات الصحة العامة المهملة منذ عقود من الزمن، إذ لا تحظى سوى بقدر ضئيل من الاهتمام والموارد التي تحتاجها وتستحقها لذا صدرت توصيات من منظمة الصحة العالمية خاصة بعد جائحة كورونا لكي تسد العجز في الصحة النفسية في كل دول العالم.
منصة للإرشاد النفسي:
شملت تقارير لجنة التعليم والبحث العلمي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس الشيوخ، المحالة للحكومة، توصياتها عن اقتراح مقدم من النائبة "دينا الهلالي" بشأن إنشاء منصة ذكية تهدف إلى رفع الوعى من خلال تقديم الإرشاد النفسي والتربوي والاجتماعي للطلاب، ودعم أولياء الأمور بأساليب التربية الحديثة مع تفعيل دور الأخصائي النفسي في المدارس لمراحل التعليم ما قبل الجامعي، والذى أكد على ضرورة إنشائها كمنصة متكاملة تابعة للوزارة لتقديم الدعم النفسي للطلاب.
وتضمنت التوصيات:
- تخصيص أطباء صحة نفسية لتقويم سلوك الطلبة والطالبات بالمدارس.
- عقد اختبارات نفسية للمعلمين قبل التعيين للتأكد من قدرتهم على التعامل مع الطلاب في جميع المراحل التعليمية.
- إنشاء وحدة للصحة النفسية بالإدارات التعليمية المختلفة.
- توفير ميزانية للتربية والصحة النفسية حتى تتوفر السلامة النفسية للطلاب وأولياء الأمور والمعلمين.
- إعداد الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين بالمدارس والاستفادة من خريجي أقسام علم النفس بالجامعات.
- احتواء المنصة على أطباء نفسيين لتشخيص الحالات والتوجيه للعلاج المناسب لكل حالة.
المنصة الوطنية الإلكترونية الأولى للصحة النفسية:
وفي مارس 2022 أعلن إطلاق المنصة الوطنية الإلكترونية الأولى بمصر لخدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان بالمجان وذلك بالتعاون بين الأمانة العامة للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية، في إطار التوسع في تقديم خدمات الصحة النفسية وإتاحتها للجميع.
وتهدف المنصة إلى توفير خدمات حكومية مجانية للصحة النفسية وعلاج الإدمان، لجميع الفئات العمرية من المصريين وغير المصريين المقيمين على أرض مصر، وتُعد الأولى من نوعها في إقليم شرق المتوسط، وإحدى ثمار التعاون بين كلٍ من الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان والمركز القومي للمعلومات بوزارة الصحة والسكان، ومنظمة الصحة العالمية، وجامعة بريتش كولومبيا بكندا، ويقوم عليها نخبة من الكوادر الفنية والتقنية بوزارة الصحة والسكان، والمعالجين النفسيين والخبراء الدوليين في مجال الطب النفسي وعلاج الإدمان.
ويتبع >>>>>>: الصحة النفسية للمصريين3
واقرأ أيضاً:
ظلام اليأس / الدكتور محمد غنيم1