منذ تأسيس دولنا في الربع الأول من القرن العشرين وما بعدها، وفي كل منها سجن ذائع الصيت، نتعرف عليه منذ الطفولة، ففي بلادنا سجن نقرة السلمان، وأبو غريب، وغيرها من المعتقلات الجهنمية، وفي دول الأمة الأخرى سجون مشهورة يعرفها المواطنون، وكأن أنظمة الحكم لا تستقيم بدون سجون شرسة متوحشة لا تُراعى فيها أبسط حقوق الإنسان.
ومن المعروف أن الثورة الفرنسية (1789) كان من إنجازاتها تدمير سجن الباستيل الذي يمثل رمز السلطة، وفي مجتمعاتنا الثورات أو أنظمة الحكم بتبدلاتها تجتهد في بناء السجون والمعتقلات، لتحشوها بالمعارضين السياسيين، وديدنها إفراغ السجون من النزلاء القدامى، وتعبأتها بالنزلاء الجدد، وهكذا تدور الأحوال في ربوعها النكراء.
وفي الزمن الديمقراطي، بعض الدول أهم إنجازاتها أنها بنت السجون المروّعة لضخها بالمعارضين، والذين توجه لهم اتهاماتها المصنعة في مختبرات الويل والوعيد، وتحت شتى التبريرات والتخريجات التي صارت ذات طعم ديني، وفي بعضها تحولت الفتاوى الغاشمة إلى قانون ودستور، فلا قوة تعلو على سلطة الفتوى.
السجون الديمقراطية لا تعرف العدل ولا القانون، وكأنها معتقلات لمحاكمات عسكرية سريعة قراراتها جاهزة للتنفيذ، وما تقوم بها محاكمها العمل على وضع المبررات لتنفيذ القرارات، وبهذا صارت العقوبات الديمقراطية أفظع من أشد الأحكام الاستبدادية، وكل سجن أو معتقل فاق سجن الباستيل بأهوال ما يحصل فيه من السلوكيات الفظيعة المنكلة بالبشر.
فالوجه الديمقراطي المعمم الرأس والفاعل في المجتمع، يؤسس لأبشع الحالات التي تمر بها البشرية، لأنه يمثل انفلاتات أمّارات السوء والبغضاء، وإطلاق الوحش الكاسر الكامن في الأعماق العدوانية الشرسة.
ترى لماذا يجتهدون ببناء السجون ويتمنطقون بالديمقراطية؟
هل هي المراءات؟
هل هو التعبير عن عقائدهم الدوغماتية؟
إن الكراسي مذاهب وأديان وعقائد، ولن يتحرر من سطوتها مَن يكون فيها، ولهذا فهي تفرض إرادتها وقوانينها على أي قوة تتمكن من الوصول إليها، فتحولها إلى وحش مفترس، يدافع عن وجوده فيها حتى ينهار وتدوسه أقدام وحش آخر.
وبموجب ذلك تكون المعتقلات من أهم الإنجازات اللازمة للحفاظ على سلامة قوائم الكراسي إلى حين!!
فهل من قدرة على بناء نظام حكم أمين؟!!
واقرأ أيضاً:
القائد والبلاد!! / النظرية والتعتيق!!