الفساد: التلف والعطب، الخلل والاضطراب، الفسق، اللهو والانحلال، وعدم احترام الأعراف والقوانين، ويأتي بمعنى الجدب والقحط، وهو مفهوم يشمل العديد من السلوكيات، ومنها نهب ثروات البلاد والعباد، وسلب الناس حقوقهم، وحرمانهم من أبسط الحاجات الضرورية للحياة.
يقول أدونيس أثناء زيارته لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في بيته، بما معناه: رغم أنه أعمى لكن ملامح وجهه كانت مبهرة وتدل على نباهة وفطنة وألق معرفي وفكري.
تذكرت ذلك، وأمامي صور لعدد من الفاسدين، المتمتعين بما يدره عليهم الفساد من رزق عميم، ويبررون ذلك بأن الله يرزق مَن يشاء بغير حساب.
الوجه مرآة النفس، وما يعتمل في الأعماق، وما يقترفه البشر من أعمال بأنواعها السيئة والحسنة تنعكس في الوجه، ويشير إليها بوضوح وجلاء يعرفه الحاذقون، وتنطق به قسمات الوجوه المعفرة بما فعلت.
وقد قال زهير بن أبي سلمى في معلقته:
"ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ...وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ"
وتلك حقيقة تفاعل القسمات الوجهية مع ما يعتمل في أعماق البشر، فالدواخل وما فيها تصنع الخارج وما يبدو عليه.
والفاسدون تتعكر وجوههم وتضطرب قسماتها، وتكفهر ملامحهم، ويسود القلق والخوف هيأتهم، فتراهم يتحركون بتخبط حتى يعثرون بما اقترفوه فتنكشف عوراتهم، ولا يوجد فاسد في أمان واطمئنان، ولهذا فالفساد قتّال لأصحابه، ومدمر لمن يحسبه حقه ورزقه.
فالفساد لعنة وغضب شديد يأكل أخضر الوجود ويابسه، وتداعياته تلاحق الذين اقترفوه، وتحيلهم إلى عصف مأكول.
وهذه المشاعر والتصورات تداهم الفاسدين، وتنعكس في وجوههم، وتراهم وكأنهم يتقلبون على جمرات الإثم والامتهان، لأنهم في قرارة نفوسهم يعرفون بأن ما وضعوا عليه أياديهم ليس من حقهم، وإنما سرقوه واغتصبوه، والفساد ظلم، والظلم لا يدوم أبدا.
ويبدو أن تكاثر الوجوه الفاسدة يساهم في تأجيج العدوانية لدى الناس الذين لا يجدون ما يسدون به رمق يومهم، ويعانون من أجل عيش ذليل، وبموجب ذلك، فإن العلاقة طردية بين إطلالة الوجوه الفاسدة، واضطراب المجتمع، ويمكن القول أن ما يحصل في المجتمع تؤسس له سلوكيات الفساد.
فهل يستطيع المجتمع التحرر من قبضة الوجوه الفاسدة، التي تطل عليه عبر الشاشات ووسائل التواصل بأنواعها؟
واقرأ أيضاً:
رصيد المفردات اللغوية!! / الشعر بين السلبية والهروبية!!