من الملاحظات المتكررة، أنك عندما تجالس ذوي العمائم واللحى والمدعين بأنهم يمثلون دين ما، تجدهم قد تيقنوا بأنهم المثل الأعلى والآخر دونهم، ومن واجبهم هدايته إلى صراطهم المستقيم، لأنه في عوج وبهتان يقيم.
أي أنهم يتمنطقون بالهداية ويضعون على عاتقهم العمل على إخراج الآخرين من ضلالاتهم، والأخذ بأيديهم إلى حيث يعتقدون ويتصورون وفقا لرؤاهم المطلقة المتمترسة، التي عليها أن تسود وتمحق وتدوم.
وهذا السلوك من صلب معاني الأصولية الفاعلة بالبشر والآخذة به إلى ميادين سقر، فالأصولي يرى أن ما يعتقده هو الحقيقة المطلقة وما عداه كفر وضلال، ومن واجبه أن يترجم مطلقه الاعتقادي إلى فعل مهما كلف ذلك من جهد وخسران، لأن ما يراه هو طريق الحق المطلق، والدرب المعبد بالورود إلى جنات النعيم والرغد الرغيد.
ويبدو أن الأصولية ليست خاصة بالمعتقدات الدينية، وإنما هي وباء يتوطن العديد من الحالات الحزبية والثقافية والفكرية، وأي تجمعات بشرية ذات رؤية تلتف حولها وتدين بها.
فالأصولي مطلق محّاق، ويتعبد في محراب أوهامه، ويندفع بشراسة نحو ما تمليه عليه هذه الأوهام الفاعلة فيه والمستحوذة على حواسه ورؤاه، فتجده مندفعا نحو التعبير عنها بعنفوان الكلمة، واليد وما تمكنت من الإمساك به من آلة عدوان وخراب وخسران. ولا يمكنك أن تتحاور مع الأصولي، لأن الحوار لا وجود له في قاموس وعيه، وإنما كلمته هي الكلمة، ورؤيته هي اليقين المطلق والحق المبين، وما غيرها عدوان مهين.
ولهذا فإن الدعوات التفاعلية مع الأصولية فاشلة، وتزيدها تخندقا وتمترسا وإمعانا بالتمسك بما تراه، وتملؤها حقدا وكراهية وعدوانا على الذي يحاورها، ومن الأفضل تجنبها وإهمالها وصناعة الوعي الجمعي المعاصر، الذي يسد الأبواب بوجهها حتى تذبل وتذوي وتغيب، أما الوقوف المباشر أمامها فأنه يقويها ويجلب لها أنصارا ومدافعين ويحفز قدراتها على التجنيد.
وكأنها حالة قائمة في دنيا البشر، فتراه يعبّر عنها في ميادين نشاطاته المتنوعة، كالثقافية والأدبية والسياسية والفكرية، وما أكثر الأصوليين المدعين بالثقافة والمتوهمين بأنهم يملكون مطلق المعرفة بما يقدمونه من كتابات ونصوص، وما هم إلا من الأصوليين وفي غفلة يعمهون، لأنهم يتصورون حيازتهم للمطلق، وينكرون نسبية الوجود وضرورات التغيير الفاعل في نهر الحياة الجاري.
فهل أن الأصولية داء مستطير؟!!
واقرأ أيضاً:
لمن نكتب؟!! / شخصيات الخلفاء العباسيين!!