السلطة الدينية تعني قبض الدين على العقل، ومصادرته وإخضاع الناس لمناهج السمع والطاعة، وعاشت البشرية هذه الحالة، ولا تزال بعض المجتمعات تعاني منها، فالدين سلطة عليا، وقوة لا تعلو عليها قوة، وهذا ما جاهد الأوربيون ضده في حركة الإصلاح الديني، أي تحرير العقل من قبضة الدين، والقضاء على سلطة الدين المدمرة للعقل، وكان ذلك في القرن الثالث عشر.
وبعد بضعة قرون دخلت البشرية في عصر التنوير الذي عنوانه لا سلطان على العقل إلا العقل، أي إطلاق حرية التفكير والبحث والدراسات المتحررة من القيود، فانطلقت الثورات العلمية في أرجاء الدنيا.
وفي واقعنا المعرفي لا تزال الأجيال مقبوض عليها باسم الدين، الذي تحول إلى ماركة تجارية ذات فرق وجماعات وتطلعات طائفية عدوانية مذهبية مروعة، وظهرت دعوات لتجديد الخطاب الديني لكنها خمدت، ومضت عجلة السلطة الدينية تسحق العقول وتناهض أي إرادة أو نزعة للتفكير، ويبدو أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأجيال في القرن الحادي والعشرين، هو العمل بإصرار على تحرير العقل من سطوة الأدينة.
وهذا يتطلب مجهودا ثقافيا جادا، وإصرارا على المنازلة الصعبة، والمواجهات القاسية مع أساطين الضلال والبهتان.
وبما أن العصر بوسائله ومعطياته تجاوز الحدود والخنادق القائمة بين البشر، فالأوان حان للمنازلة، وسينتصر العقل على البهتان، وستتحول الأيام إلى إشراقات معبرة عن جوهر الطاقات الكامنة في مجتمعات الأمة.
إن أي دين لا يمكنه خنق البشر، وعندما نأتي إلى الإسلام فهو دين تحرير العقل، ومنطلقاته ذات أسس عقلية، وحواراته في بداية الرسالة عقلانية، فكان بذلك دينا منيرا تسبب بإطلاق ما عند الناس من روائع الأفكار والرؤى.
وبموجب ذلك ظهرت فرق وجماعات وفئات لأنها فعّلت عقولها، ومن أخطائها أن ركزت على النص الديني، ولو أن العديد من العقول تفكرت بالعلوم بأنواعها لأوجدت المنصات الحضارية الساطعة الخالدة في ضمير الإنسانية.
ويبدو أن الدعوات المغرضة لتفعيل العقول بالنص الديني بلغت ذروتها، وكأنها تتغاضى عن تفعيلها بمواجهة التحديات وإرضاء الحاجات الضرورية لحياة حرة كريمة.
فهل تفعيل العقول بالنص الديني ستطعم من جوع وتأمن من خوف، أم أنها بيت الداء؟!!
واقرأ أيضاً:
أدمغة للبيع!! / أنماط تفكير!!