من سبت الغفران إلى سبت الطوفان13
الحج إلى غزة
والحج لغة تعريفه: القصد.
شهران على بدء الطوفان، طوفان دم شعب بطل يتحدى وحده عوالم وطواغيت وجيوش ومصالح المجرمين المتواطئين وعجز العاجزين.
تتعالى وتتوالى صرخات أهلنا: أين أنتم يا أمة؟؟
ولسان حال الأمة يرد: ندعو لكم..
تحب أمي مشاهدة البث المباشر من بيت الله الحرام، وكلما مررت أمام الشاشة رأيت أعدادا كبيرة تكاد تملأ صحن المسجد - حول الكعبة - صلاة وطوافا.
ماذا يقصد هؤلاء المحتشدون؟؟
كثيرة هي الأثار والشواهد الواردة عن أصدق الخلق، رسول رب الخلق، حول حرمة دم المسلم و ماله، وقد صحح الألباني حديث ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه. أخرجه ابن ماجة.
بل ورد قوله: "لهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون من قتل المسلم".
أي أن حياة الإنسان أقدس من أقدس بنيان، فهل نسينا أم غفلنا، أم لنا رأي أخر غير قول رسول الله في دينه الذي نزعم اتباعه؟؟
جثث أهلنا المجاهدين الصامدين تتمزق وتدفن بالآلاف، والمسلم يترك الدم الأقدس، ويتجه للكعبة بحثا عن غفران ذنوب، أو سلام نفسي، ويرسل صوره للأصدقاء والمعارف قائلا: تحياتي من أطهر بقعة على وجه الأرض!!
ولو فقهنا لعرفنا ما ورد عن غير واحد من الصحابة من أن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله، ولتذكرنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم من أن ذروة سنام الإسلام هي الجهاد في سبيل الله، فهل نعلم جهادا أقدس مما يخوضه أهلنا في غزة؟؟ وهل من قربى إلى الله هي أعلى من حقن الدم المنسفك؟؟
قفز إلى عقلي الحديث القدسي المدهش:
إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا زي عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي. رواه مسلم
وقياسا نقول: لعل الله سيسألنا يوم القيامة: استنصرتك فلم تنصرني، فقد استنصرك عبادي هؤلاء، وهم إخوانك، ولو نصرتهم لوجدت ذلك عندي!!
ثم يقفز خبر ابن عباس:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان مُعتكِفًا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل فسلَّم عليه ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان، أراك مكتئبًا حزينًا، قال: نعم يا ابن عمِّ رسول الله، لفلان عليَّ حقُّ ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر ما أَقدِر عليه.
قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك؟ قال: إن أحببت، قال: فانتعل ابن عباس ثم خرَج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ قال: لا، ولكني سمعت صاحب هذا القبر، والعهد به قريب - ودمعتْ عيناه - يقول: ((مَن مشى في حاجة أخيه، وبلَغ فيها، كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله - تعالى - جعَل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعد مما بين الخافقين))؛ رواه البيهقي.
فما بال المسلمين تركوا الأولى وتدفقوا بعيدا عن غزة المذبوحة، وهم يتفرجون، فأية بوصلة تحركهم، وأية خرائط، وأية أولويات، وأية معتقدات وأفكار؟؟!!
أدهشني في نفس الوقت أنه قد تداعى ألاف الأشخاص من كل جوانب المعمورة إلى مصر لتكوين قافلة حاولت الدخول إلى غزة لإنقاذ أهلها، وكسر الحصار عنها، ومنعتهم الإدارة المصرية عن ذلك، واعتقلت ثم رحلت قياداتهم.
تأملت في هؤلاء فوجدت الأمريكي الأسمر، والأوربية البيضاء، وغيرهما من نساء ورجال، والتضامن الإنساني شئ رائع وملهم ومحترم، ولكنني قلت لنفسي: ألسنا أولى بذلك منهم؟؟ حتى الآن دمّرت إسرائيل ١٠٠ مسجداً في غزة. والمعتاد أن الأمة الاسلاميّة تثور إذا أحرق مجنون أوروبي نسخة من القرآن أو تعترض على رسمة كاريكاتوريّة مسيئة. فكيف تدمير مئة مسجد لم يحرّك الأمة بعد؟
لو أن مليونا من المسلمين،أي مليون واحد من ألفين مليون هم تعداد المسلمين في العالم، لو جاء إلى غزة مليون لنجدة أهلنا وأهلها، لتوقف العدوان في لحظة.
أتأمل وأندهش ممن تركوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لخصومه يقتلونه وحيدا وآل بيته الأكرمين في صحراء كربلاء-العراق.
ثم تأتي من بعد ذلك أجيال تدمي رؤوسها وأجسادها بالسلاسل والسيوف حزنا وندما بالنيابة عمن تقاعسوا عن نصرة الحسين الإمام، سيد شباب أهل الجنة!!
وهم منحبسون في الحسين - الشخص، غافلون عن الحسين- الرمز، الذي يذبح مجددا في غزة، بينما نتفرج نحن، وندعو على قاتليه!!
أي إسلام هذا؟؟ وأي وعي؟؟
وأية أمة تلك؟؟
الوقت يمر بسرعة..
ويتبع>>>>>: من سبت الغفران إلى سبت الطوفان15
د. أحمد عبد الله Facebook
اقرأ على مجانين:
من الانفعال إلى الفعل: كسر الحصار والعجز! / رد مجانين على بيان الـ APA الحزين