الأديان تتقدد ولا يوجد دين على وجه البسيطة لم تصبه الانشطارات الأميبية المتواصلة، ففي كل دين تنشأ مذاهب وفرق وجماعات وفئات ومدارس ورؤى وتصورات، والعجيب في أمر السلوك البشري، أن الصراع بين أبناء الدين الواحد بانشطاراته المتناحرة يكون أشد وحشية وقسوة وشراسة من صراع أبناء الدين مع أبناء دين آخر.
ومن الصعب تفسير هذا السلوك التماحقي الفتاك الذي عصف بالأديان، والأمثلة كثيرة ومتكررة، وفي الديانة المسيحية ما لا يحصى من الحالات التماحقية المرعبة ما بين الكاثوليك والبروتستانت، وكذلك في الديانات الأخرى.
ومسيرة الإسلام فيها العديد من التفاعلات القاسية ما بين أبناء الدين الواحد ومنذ بدايات الدين.
ولا تزال الصراعات ما بين فرق الإسلام المتنوعة في ذروتها، وبين آونة وأخرى تظهر فرق وجماعات تدّعي بأنها تمثل الدين وتريد إبادة الآخرين لأنهم من الكافرين والمتآمرين والخارجين عن الملة أو الجماعة، وتهمة الزندقة معروفة في تأريخ الإسلام.
ويبدو أن الأديان في جوهرها العميق، ربما تعزز نزعات الغابية المتوحشة عند البشر، وتحرره من المسؤولية وتميت الضمير، لأنها وكأنها تمنحه التفويض الإلهي لارتكاب الآثام والخطايا، لأنه ينفذ أمر ربه الذي يعبد، وبما يقوم به يتقرب إليه، ويؤكد صدق إيمانه وقوة انتمائه للدين بقتل ابن الدين الذي لا يرى مثلما يرى.
ولعبة الفرقة المحظوظة موجودة في جميع الأديان، وتتسبب بتماحق أبناء الدين الواحد، فكل فئة أو فرقة تدعي بأنها ستفوز بجنات النعيم وغيرها إلى الجحيم، وعليها أن تقتل غيرها، لأنها هي المنزهة المنصورة المؤيدة الموعودة بالجنان، وغيرها ستلتهمه النيران، وهي من نسج الغيوب ولا دليل قاطع عليها، فالغيب سلطان وبموجبه تتصارع الأديان، وتتهاوى بنيان الدين بتدمير الأركان، فكأن الدين قتّال شديد لإبن الدين بعد إخراجه من كينونته الإنسانية، ووصفه بالمروق والعدوانية فيكون قتله من الإيمان السليم!!
فقل عاش قناع الدين!!
واقرأ أيضاً:
ملهاة الشعر!! / قوانين الله وقوانين البشر!!