من الظواهر المغفولة في عالم الثقافة والفكر والمعرفة، إن الانطلاق بالبحث والدراسة ينتهي إلى توصيات يرى أنها ذات منفعة عملية، وبعد أن يسطرها، يردفها بقول : "ولكن"، ولكن يشترط، ولكن يتوجب، ولكن المجتمع لا يزال دون القدرة على كذا وكذا...!!
أي أن "ولكن" تنسف ما سبقها من ألفه إلى يائه!!
ترى لماذا يرتكزون على عمود "ولكن"؟
يبدو أن المشاعر الإحباطية الفاعلة في الواقع العربي، لها دورها في برمجة الرؤى والتصورات والخلاصات، وتعودها على المراوحة في ذات المكان، أو الدوران حول أهرامات السراب والبهتان، وعلينا أن نقر باستحالة التغيير، والانتقال إلى مستويات أخرى من التفاعل الإيجابي مع الحياة، لأن الدارج والمتوارث يتعبّد في محاريب آبائنا الأولين، فهذا ما وجدناهم عليه، وعلينا بالتواصل الأمين.
والسبب الآخر فقدان الجرأة والشجاعة لدى أصحاب الرأي والنظر، فإذا لم تكن جريئا في طرح الرأي، عليك بالسكوت، فالتصدي للظواهر السائدة في المجتمع مغامرة أو مخاطرة، لها عواقبها في جميع المجتمعات، وما غيرها إلا ذوو الجرأة والإقدام والمواصلة والإصرار.
إن إستحضار "ولكن" فيه نوع من الترضية، والنفاق الخطير الذي يضر بالواقع، ويدفعه إلى مزيد من التداعي والخسران.
بينما المفروض أن تكون التوصيفات معززة بما هو إيجابي، ومساهم في توفير أسباب تحقيقها وتوطينها في الواقع ليتقدم وينمو.
والمثير للانتباه أنها ظاهرة سارية في تفاعلات الأجيال مع الواقع وما غيرت مسارها، فهذا يدّعي الديمقراطية هي الحل ولكن..، وذاك ينادي بالعروبة وضرورتها للقوة ولكن...، وغيره يرى أن القومية من مقومات الحياة المؤثرة في بناء الحضار ولكن...
وما وجدنا من يختم بغير "ولكن".
فما معنى ذلك؟
إن معناه، ما تقدمها هراء، لأن قيمته ودوره تم نسفه، واقتلاعه بضربة "ولكن".
فلماذا نكتب وندرس ونبحث ونحن غير قادرين على عبور مصدات "ولكن"؟!!
واقرأ أيضاً:
الذاكرة والمناعة!! / العدالة الكوكبية!!