القلم فقد قيمته ودوره في المجتمع، وقضت عليه الكي بورد التي تساعد الضاربين على مفاتيحها، بالإتيان بعواهن الكلام، وسفسطات الأصابع والأذهان، حتى لتجدنا أمام حيرة كبرى، وحوابل ونوابل يصعب تفريقها.
فهل أن المكتوب يُقرأ؟
لا توجد إحصاءات دقيقة موثوق بها، غير أن ما يحصل في الواقع يشير إلى احتمال كبير أن المكتوب لا يُقرأ، والكلمة فقدت قيمتها، والعبارة غدت في مهب الرياح.
عشرات الصحف والمواقع ومحطات التواصل، ومئات الكتّاب، والواقع بزداد وجيعا وقهرا وفسادا، حتى لتبدو الأقوال وكأنها ذروة الأفعال، وفقدت الأجيال الإحساس بالكلام.
ما أسهل النقر على مفاتيح الكي بورد فتظهر الكلمات على الشاشة البراقة وكأنها اللؤلؤ المنضود، فتتوهم بأنك تكتب، وعليك أن تنشر ما جادت به أصابعك المتراقصة على الأزرار الكيبوردية.
هذه عاهتنا المعاصرة التي أفرغت الكتابة من جوهرها وصادرت رسالتها ومنطلقاتها الفكرية والمعرفية والإنسانية، فأصبح الجميع كتّابا، ما داموا يتفاعلون مع الآلة السحرية التي جعلت الكتابة أسهل من الكلام، كما أن وسائل التواصل بمغرياتها وتقنياتها، جردت الكلام من دوره، ومنحت المكتوب دورا أكبر، فصارت العيون تتحرك والمسامع تسعى إلى الصمم.
وفي المجتمعات السماعية أصيبت الذائقة العقلية بطاعون الكلمات العابرة للوعي والإدراك، فتحقق الشلل المعرفي وتبلدت الحواس وجفت الخواطر.
وبسبب النشاطات الخاوية المتهاوية، تحولت الأيام إلى مسرحيات عبثية، بلا بوصلة ولا معالم طريق، بل دوران في مستنقعات الغابرات، وتوحل بالمآسي والتداعيات، وصارت الأجيال تستلطف الأنين والقهر والتشكي، وتتمترس بأوهام المظلومية والاستلابية، والانتقامية والاستحواذية، والتنعم بالفساد، وبغنائم المال المُشاع.
وتحقق في الأرض خراب البلاد وسبي العباد، وذلك باسم دين رحيم، وصراط مستقيم، وهداية للناس أجمعين، حتى أصبح القتل من الإيمان، والفساد والاغتنام، رزق من الرب المنان!!
ولله في خلقه شئون، والقلم وما يسطرون!!
واقرأ أيضاً:
أمة الخرافة !! / مؤامرة ومؤامرة!!