شهر رمضان وتغيير السلوك: مفهوم الممنوع
تحدّي الإرادة وضبط النفس
رمضان شهر عظيم في تدريب هذا الجانب الهام من القدرة على منع النفس وضبطها، والذي هو ربما الجانب الأضعف عند الإنسان، جانب الامتناع والإحجام وعدم الرغبة وتراجع الطمع، فالمسلم الصائم يقوّي عنده هذه القدرة النفسية طوال هذا الشهر الفضيل، حيث يمنع نفسه وطوال ساعات النهار عن المفطّرات المادية والمعنوية، بالرغم من إغرائها، وبالرغم من ميل الجسد والنفس إليها، فنجده طوال نهاره يذكـّر نفسه بأنه صائم، فهنا، وطوال الشهر، تنتصر الروح على الغريزة، والنفس على الجسد، والمعنوي على المادي، والإنساني على الحيواني، وبالتالي يكون الإنسان أقرب ما يمكن للإنسان الكامل المتوازن.
إن الإنسان "الكامل" في الإسلام ليس الذي يكبت غريزته بالكلية، فهذا غير ممكن، وليس هذا من طبيعة الإنسان والأشياء، ولهذا حرّم الإنسان "الرهبانية". يقول تعالى "وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا" (الحديد 28). وإنما الإنسان الكامل في الإسلام هو الذي يُمسك نفسه عندما يتوجب عليه إمساكها، ويطلقها عندما يكون هذا هو المطلوب.
تغيير السلوك أمر ليس بالسهل، ولكن لنذكر بأن هناك الكثير من الناس ممن ينجح في تغيير سلوكه عن طريق تغيير عاداته، وبشكل يومي، فكم من الناس من يتوقف عن التدخين، ويمنع نفسه عن شراء ما لا مبرر له، وينجح في اتباع نظام تغذية صحي، ويبدأ بالمواظبة على صلاته، أو يبدأ بممارسة الرياضة، وينجح في تسديد ديونه، ويتوقف عن بعض السلوكيات المحرمة، أو يعتاد الاستيقاظ المبكر، بعد تنظيم نومه.
هل يسهل تغيير السلوك، وما هي مراحله؟
بالطبع لا، ولكن لنذكر بأن هناك الكثير من الناس ممن ينجح في تغيير سلوكه عن طريق تغيير عاداته، وبشكل يومي، فكم من الناس من يتوقف عن التدخين، ويمنع نفسه عن شراء ما لا مبرر له، وينجح في اتباع نظام تغذية صحي، ويبدأ بالمواظبة على صلاته، أو يبدأ بممارسة الرياضة، وينجح في تسديد ديونه، ويتوقف عن بعض السلوكيات المحرمة، أو يعتاد الاستيقاظ المبكر، بعد تنظيم نومه...
مراحل تغيير السلوك الإنساني:
إن تغيير السلوك المتأصل لا يحصل بين يوم وليلة، وإنما لابد له من بعض الوقت والصبر معا. وفي الطب النفسي نتحدث عادة أن أي تغيير في السلوك أو العادات يمكن أن يمرّ بخمس مراحل، وهي:
1. مرحلة ما قبل التفكير في التغيير (Precontemplation) حيث أن الإنسان لم يفكر بعد في الحاجة لتغيير سلوكه، أو هو غير راغب أو غير قادر على هذا التغيير، وقد لا يدرك أصلا أن لديه مشكلة تحتاج للتصحيح.
2. مرحلة التفكير في التغيير (Contemplation) فالإنسان هنا مدرك باحتمال وجود المشكلة، ومهتم باحتمالية التغيير، غير أنه متردد وغير متأكد الآن بما هو مطلوب عمله.
3. مرحلة التحضير للتغيير (Preparation) فالإنسان اقتنع بوجود المشكلة أو العادة التي تحتاج للتغيير، وملتزم بالتخطيط لهذا التغيير في المستقبل القريب، ولكن لا يزال يفكر في كيفية فعل ذلك، أو في وقت التنفيذ، وهنا قد يسوّف ويؤجل.
4. مرحلة التنفيذ (Action) فالفرد قد اقتنع وبدأ في اتخاذ خطوات عملية للتغيير، إلا أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الاستمرار الكامل في التغيير.
5. مرحلة الاستمرار والمحافظة على التغيير (Maintenance) فهو هنا تمكن من تحقيق الأهداف الأولية للسلوك المطلوب، ويعمل على الاستمرار والمحافظة على هذا السلوك.
كيف يمكن أن أغيّر سلوكي؟
إذا أردتَ تغيير سلوك أو عادة ما، فإن مما يعينك على تحقيق هذا الأمور الخمسة التالية:
1- اعرف نفسك:
اعرف نقاط قوتك ونقاط ضعفك، واستفد من هذه المعرفة معززا الأولى ومتحررا من الثانية.
اعرف ما الذي يحفزك للتغيير، وابنِ عليه.
زدّ من ثقتك في نفسك، فهذا مما يحسن فرص نجاحك.
احرص على ما ينفعك شخصيا، وما يناسب غيرك ليس بالضرورة يناسبك.
تعرّف على العقبات والتحديات التي يمكن أن تعترض طريقك.
2- غيّر في أفكارك أولاً:
لتنجح في القيام بالتغيير الفعلي عليك أولا أن تحدث هذا التغيير في عقلك قبل واقعك.
تجنّب ما يذكرك أو يُعيدك للسلوك القديم الذي تريد تغييره، من أشخاص أو أماكن أو أفعال.
أوجد بدائل سلوكية إيجابية بدلا عن السلوك الذي تريد تغييره، ومارس هذا السلوك الجديد ليصبح لديك عادة.
3- كنّ إيجابياً:
ركزّ على الإيجابيات، ولا تستهلك نفسك بالتفكير في السلبيات.
اذكر الإيجابيات والنجاحات في حياتك، مهما صغرت، واشكر الله تعالى عليها.
أوجد شبكة علاقات اجتماعية داعمة ومؤيدة للسلوك الجديد الصحيّ، مثلا غير المدخنين.
احتفل بالنجاحات وكافئ نفسك على السلوك الإيجابي المرغوب، فأنت تستحق هذا.
4- "إن لنفسك عليك حق"
كثيرا ما نقوم بالسلوكيات السلبية للتخفيف من قلقنا وتوترنا، فحاول تخفيف هذا القلق والتوتر عبر رعاية ذاتك بالأنشطة الإيجابية الصحيّة.
تجنب التعب والنعاس والجوع والملل... فهي قد تدفعنا للسلوك السلبي، فاحرص على نمط الحياة الصحيّ.
تذكر أن مما يساعدك على تغيير السلوك رعاية ذاتك، وشعورك بكفاءتك وإمكاناتك.
احرص على الاسترخاء وأخذ القسط المناسب من الراحة والتأمل والتفكر والصلاة والدعاء.
بالرغم من عزمك على التغيير، اقبل نفسك وقدّر ذاتك، فهي التي ستقوم بالتغيير المطلوب.
5- الصبر والمثابرة:
يحتاج التغيير للوقت والصبر، فأعطه الوقت والصبر اللازمين، فلابد من المثابرة.
التغيير السريع يزول سريعا، فاحرص على التغيير المتدرج، ولو بكميّة قليلة، "أحبّ الأعمالِ إلى الله أدومُها، وإن قلّ" كما في الحديث النبوي.
لا شك أن التغيير مؤلم أحياناً، ولكن مع الوقت سيخفّ هذا الألم، وتقوى إرادتك وحماسك تدريجيا.
مما يساعد على تغيير السلوك/ العادات الأمور التالية:
1- اكتب السلوك أو العادة التي تريد تغييرها.
2- تعرّف على المنبه أو المثير لهذا السلوك الذي تريد تغييره، فتجنّبه.
3- انتبه لضرورة القيام بالسلوك الجديد الذي تريد القيام به، ومن ثم قمّ به.
4- غيّر سلوكا أو عادة واحدة في نفس الوقت.
5- ابدأ بالأمور الصغيرة، ومن ثم توسّع بالتدريج.
6- انتبه للدافع الذي يدفعك للتغيير، لماذا تريد أن تغيّر؟ واجعله دافعا قويا متعلقا بك لا بغيرك.
7- هل لديك من سيساعدك في هذا التغيير؟
8- من هم الأشخاص الذين يشاركونك في سلوكك القديم، وبالتالي لا يساعدوك على التغيير المطلوب؟ فقد تحتاج لتغيير علاقاتك من أجل تغيير سلوكك.
9- استعن بالآخرين الإيجابيين.
10- كيف يمكن أن تكافئ نفسك على التغيير.
11- ما هي صورتك القديمة؟ وما هي صورتك الجديدة مع السلوك الجديد؟
12- انتبه أنه إن كان عندك سلوك سلبي، فالسلبي هو هذا السلوك ولست أنت.
كم المدة التي نحتاجها لتغيير السلوك؟
يقال علميا بأن تغيير السلوك يحتاج بين 20-30 يوم، ولعل في هذا حكمة صيام شهر رمضان.
وفي رمضان شهر الخير والبركة فإننا نقوم بمثل هذا التغيير، متطلعين إلى تلك الدرجة الرفيعة في امتلاك النفس وصولاً بها إلى درجة "التقوى" التي طلبها الله تعالى منا، مما يصبّ في ضبط النفس.
"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلك تتقون" (البقرة 183).
تقبل الله الصيام، وأعاننا على ضبط النفس، وتغيير السلوك والعادات.
ورحم الله العالم الرباني جلال الدين الرومي حيث يقول في كتابه "المثنوي":
”كسرُ الصّنم أمرٌ يسيرٌ بالغ اليُسر، وأما استسهالُ السيطرةِ على النفسِ، فجهلٌ وأيُّ جهل!“ (المثنوي، ج 1 ص 146)
واقرأ أيضًا:
ما هي الحاجات العاطفية للرجل والمرأة؟