ما يحدث اليوم بغزة هو حرب بدائية إبادية على طريقة العصور القروسطية ولكن بأخلاق إنسان الألفية الثالثة والعالم المتقدم! التي لا تزال نخب العرب المخصية أخلاقيا ودينيا تتغنى به وتجعله قدوة لها رغم تسفله الأخلاقي والإنساني ممارسة القطيعة مع تراثها بحجة تخلفه!
مطلع الحرب على الغزة أو ما اصطلح عليه لاحقا تحريفا أواستدرارا معركة طوفان الأقصى! كتبت مقال تحت عنوان «الطوق والطريق وطريق الحرير الجديد» ربما أغضب البعض وذكرت فيه أن الحرب على غزة اليوم ليس كأي حرب عرفتها فلسطين منذ النكبة الأولى أو آخرها مزحة سنة ٢٠١٤ م حينما كانت إسرائيل مشغولة بوأد الربيع العربي مع الثورات المضادة ومرعوبة من انتفاضة الشعوب خاصة بدول الطوق... فحرب غزة اليوم كسر عظم للأخير ونكبة جديدة ستستمر تداعياتها لعقد أو ربع قرن قادم فنحن أمام لوحة جديدة لرسم ملامح كاملة للمنطقة جيوسياسية وخاصة أن مصير الربيع العربي لم تحسم نهايته بعد وفشل معظم الثورات المضادة حتى اليوم بوأده واللجوء لطرق أخرى لإفشاله من خلال عملية فرض التقسيم البطيء بالاعتماد على تقادم وتوالد أجيال فاقدة للبوصلة راضخة للأمر الواقع بعد مرور ردحا من الزمن.
ولغزة واقع جيوبوليتكي مهم جدا بصفقة القرن ليس لأن الفرعون تحتمس الثالث أخذها درعا ومرقبا لمصر ولا لأن قبر جد النبي العربي عليه الصلاة هاشم فيها كما يسرد بل لأنها ترانزيت لشريان حياة أوربا القديمة اليوم وإسرائيل معا هو خط الغاز الذي توقف العمل به بعد انطلاقة الربيع العربي وازدادت أهمية استئنافه كثيرا مع حرب أوكرانيا وتوقف ضخ الغاز الروسي لأوربا القديمة كورقة ضغط ضد أوكرانيا مما جعل أوربا تلقي بثقلها بهذه الحرب بدعم الكيان الصهيوني لوجستيا بالمرتزقة وأحدث الأسلحة للإسراع بتنفيذ خط الغاز العربي وتأمينه من أدنى أي خطر ويتزامن ذلك مع الاكتشافات الأخيرة للغاز بحوض البحر متوسط حيث يتربع أكبر احتياطي للغاز بالعالم بشرق المتوسط مع الفيتو الصهيوني الدولي على استخراجه قبل بلورت ملامح المنطقة فمشروع الغاز العربي والذي توقف مع انطلاقة الربيع العربي والذي يمر بغزة حتى عسقلان بفلسطين المحتلة لتكون خزان وصنبور توزيع لأوربا القديمة وتركيا بعد قبرص لتملك إسرائيل خيوط الاقتصاد بيدها ويعتبر طريق الغاز العربي صنو لمشروع بايدن طريق الحرير الجديد من الخليج العربي إلى فلسطين المحتلة لذلك نشاهد مشاركة أوروبا لوجستيا وبقوة بدعم إسرائيل وتضاعف ميزان التبادل التجاري عشرات المرات بين تلك الدول وإسرائيل خلال الحرب رغم التصريحات الإنسانية والمضادة للحرب ولكنه كله للاستهلاك المحلي ومكياج إعلامي للحقيقة البشعة بينما إيران قبضت ثمن خداعها وتغريريها وخذلها للمقاومة بالإفراج عن عشرة مليارات دولار لها كانت محتجزة
لذلك كان قرار مسح وتسوية غزة من الخريطة وإعادة هيكلتها بمثابة قرار صفقة القرن وسيذهب أهل غزة ضحية فرق حساب بظل حروب الغاز والاقتصاد حيث تم استغلال لحظة حاسمة ودقيقة لأخذ هذا القرار وهو استنزاف شعوب الربيع وإرهاقها بالثورات المضادة لضمان عدم أي ردات فعل..
يتزامن هذا القرار مع إعادة ترتيب منطقة الوطن العربي كاملا أو شرق حوض المتوسط وذلك بتغيير بعض الثوابت التي تم اللعب عليها طوال القرن الماضي والتي أفضت لتسليم بغداد ودمشق وبيروت للحليف الإيراني بما يسمى التخادم الصهيوني الإيراني بالمنطقة فإن أهم انزياح جيوبوليتيكي هو نقل الصراع من حوض المتوسط وبيروت ملعب تصفية النزاعات بين الأنظمة حتى لا تنفجر الحروب التقليدية بين تلك الدول إلى حوض البحر الأحمر بعد صناعة جماعة الحوثي على مشارف البحر الأحمر لتؤدي وظيفتها كما صنعوا بالماضي حزب الله بجنوب لبنان للقضاء على الفدائيين الفسلطينين وحماية إسرائيل وآخرها تسليطه على الربيع السوري وتهجير شعبه المنتفض لحماية إسرائيل والسماح لحزب الله ببناء قواعده والانتشار على حدود الجولان على غرار جنوب لبنان رغم التصريحات الإعلامية والفرقعات النارية بين الطرفين... واليوم قام بأهم مهمة له وذلك بترسيم الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل بالمتوسط والاعتراف بها ضمنيا والتنازل عن بحور الغاز بالمياه الإقليمية اللبنانية خدمة لإسرائيل ورضي بتجارة المخدرات لإفساد العرب تمهيدا لاحتلالهم مع الحوثي وإيران عند انتشار الفساد ببلاد العرب كما تقول الرواية الدينية عند جماعتهم.
فالحوثي اليوم باليمن وحوض البحر الأحمر ستكون وظيفته كوظيفة حزب الله بمنطقة المتوسط مجرد نمر من ورق يعمل بالريموت كونترول فرقعات نارية إعلامية لتبرير قدوم الأساطيل البحرية وإضعاف الدول العربية اقتصاديا وخاصة قناة السويس وخنق مصر ودول شبه الجزيرة العربية ومحاولة تكرار سيناريو العراق وسوريا ولبنان إذا استطاعوا لأنهم وجدوا بإيران خير حليف من تحت الطاولة وقد استطاعت أن تفعل لإسرائيل بسنوات قليلة ما عجزت عنه إسرائيل طوال سبعين سنة ونحن اليوم نرى ثروات العراق النفطية كلها تنهب بينما يذهب الفتات للشعب العراقي وكله بحماية إيران وأتباعها
وختاما وليس تشاؤما وإنما قراءة للواقع من خارج الصندوق فإن ما تتعرض له غزة اليوم أشد وأسوء من نكبة فلسطين الأولى وأن ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده وغزة لن تبق كما هي على الخارطة ومن يتغطى بإيران وميلشياتها سيبقى عريان ولن تكون نهايته سعيدة ومن يقرأ التاريخ يعلم أن تحرير القدس والأقصى لم يكن يوما من داخل فلسطين بل كان بعد تحرير دمشق والقضاء على الصفويين الفرس وليس الاستعانة بهم ونعتهم بشهداء القدس ولا تبديل لحركة التاريخ.
واقرأ أيضًا:
السيكولوجية الفطرية للجندرة النيو- أنثويات1 / سيكولوجيّة التضحية وأزمة الحداثة وعلم النفس