في عربة قطار الدرجة الثالثة..
وقفت هدى تهتز وتميل على من حولها بصورة عشوائية مضحكة، دعاها رجل يتجاوز الخمسين من عمره لتجلس بجواره وتشاركه جزءا صغيرا من مقعده.
مرت المحطة الأولى بسلام، وقبل الوصول إلى المحطة التالية، لم تشعر هدى باهتزاز القطار، ولكنها بدأت تشعر بحركة بطيئة ليد رجل تحاول أن تتلمسها، هبت بسرعة واقفة هاربة من المقعد إلى الزحام... إلى مكانها الذي كانت تقف فيه.
نظرات ونظرات من رجال ونساء تعاتبها وتؤنبها وتتهمها لأنها تركت الجلوس لتقف بين الزحام مرة أخرى، فرجل واحد أرحم من جيش رجال.
ذهبت إلى عربة أخرى...
ها هو شاب يبدو ناضجًا فعمره يقترب من الخامسة والثلاثين تقريبًا، ووسامته تعني أنه وقور محترم، دعاها بعينيه السوداء البراقة لتأتي بعيدا عن الزحام الذي يتزايد عند الأبواب، ذهبت لتقف بجوار مقعده، مرت محطة ومحطة، تدفق فيها الكلام من لسانه، أعطاها رقم محموله، وحددا موعدا للمقابلة والتحدث غدا، ترك لها المقعد لتستريح.
وصل القطار إلى المحطة التالية، فتحركت السيدة التي تجاورها في المقعد المجاور مستيقظة من نومها، باحثة عن زوجها الذي كان يجلس بجوارها، فتبسمت هدى وهي تكتم دموعها لتجيب على السيدة بأن زوجها ذهب إلى الحمام، فجلست مكانه لأستريح وتعتذر للسيدة.
أسرعت هدى لتترك العربة بأكملها، وتذهب لعربة أخرى.
في المكان المؤدي للعربة التالية وقفت هدي تبكي بشدة وبصوت مرتفع فهنا لا يوجد ركاب، فهذا المكان يؤدي إلى ركاب الدرجة الثانية في القطار ولا يقف أحد الآن.
جاءت المحطة التالية... ليتوقف القطار عن الاهتزاز دقائق، وقتها شعرت هدى بيد تلمس كتفها بصوت رقيق يهمس لها يقول: "لا تبكي لا شيء في هذه الدنيا يستحق البكاء"
وأخذها من يدها لتجلس بجواره، استجابت له وأخذت تحكي له ما حدث في العربات الأخرى والمحطات السابقة.
وبعد قليل هدأت، وضحكا الاثنان من سخرية ما حدث، وعندما وصل القطار إلى محطة الوصول.
نزلت هدى ومعها الرجل، حيث قرر أن يوصلها بعربته الفاخرة، تجنبًا للمضايقات والمعاكسات، ركبت هدى العربة، ومر بعض الوقت.
......
استيقظت هدى فوجدت نفسها في غرفة فاخرة مع هذا الرجل الذي يشرب الخمر والسيجار ويتحدث في الموبايل، دهشت وأخذت تصرخ وتصرخ فيه، وهو جالس في هدوء، لا يرد عليها، وبعد دقائق من ثورتها المستمرة، هب واقفًا وضربها بشدة، انهارت هدى وظلت تبكي وتبكي.
همس لها بصوته العذب الرقيق قائلاً: "لا تبكي لا شيء في هذه الدنيا يستحق البكاء."
وأخذها من يدها لتجلس في غرفة أخرى مجاورة له في انتظار رجل آخر، من رجال الدرجة الثالثة.
واقرأ أيضا:
صمودٌ على حافة الجوع / غدٌ من دم