كنت منصتا للهاثه ودقات قلبي وأنا متشبث باللوحة فدخل أخي بخنازيره وحاول أن ينزعها من بين يدي ففشل فحاول ثانية بعد أن طعنني بقرونه في صدري طعنة أحسست أنها وصلت لقلبي الذي توقف بعدها.
قطع صورة أستاذي وخرج منتشيا بعدها. نهضت لأجد الخنازير تعبث بأطلال دويلات أستاذي أعلى الغرفة. قمت من مرقدي هرعا وأول ما رأوني اختبئوا في الحظيرة.
بدأت أسن رصاص قلمي لرسم لوحة جديدة للأستاذ
أبدا بالعين..
أحيانا أشعر أنها عيون كثيرة متعددة الألوان، لكل عين سحرها وبريقها الخاص.
عيون كثيرة ترنوه، حاولت أن أعرف لماذا كلها حمراء وجفونها مقلوبة، لم ينظر الأستاذ إليهم ولكنه اكتفى أن يبتسم لي فلمعت عيون الذئاب.
وأنا صغير كنت لا أنام ليلا ما دمت أعلم أن كلبا دخل شارعي وفي النهار كنت أحلم أن الناس أصبحت كلابا أستيقظ فأسأل أبي وقت الغروب ما الفرق بين الإنسان والكلب؟ كان دائما لا يجيب وكنت أجري لأجر أمي لتنام جواري قبل أن تحضر الكلاب شارعي. وقتها لم أشك في حب أبي للأستاذ.. دخل علي أمس مرتديا عباءته السوداء ليصدر حكمه: أنت مجنون ؛ كنت ممسكا كتاب أستاذي (الميزان والدولة).
بعد أشهر قليلة انتهيت من اللوحة. إني غير راض عنها بشكل كاف ولكني كنت في عجلة للمشاركة بها في معرض المدينة.
بين منزلي والمعرض بدت آثار الجنون البشري.. اللافا/صهارة براكين الدماء ما زالت قدمي تغوص فيها.. الدخان يخرج من كل شيء حتى أبراج الدير المهجور حاليا.
على باب المعرض يقف هذا الأحمق الذي وظفوه الأكثر حماقة مديرا. رنا إلي ساخرا عرفت ذلك دون أن أنظر إليه وازددت ثباتا.
وقفت في صالة المعرض جميع الحوائط مرصوصة ببراويز فارغة إلا من كلمة (مخصصة). عند ركن منزو هنا كانت لوحتي العام الماضي.
نمت في منزلي يومين لا أحمل هما. ارتديت ملابسي وفتحت باب الغرفة. في الصالة جلس أخي يقص أظافره التي تطاول بها على أبي منذ قليل .. توقف عندما عرف أنى ذاهب للمعرض فجرى نحوي وحملني ثم قذف بي في غرفته التي أكرهها كثيرا لأن بها خنازير.
لا أعرف ما الذي يدفعهم لضربي هكذا. أخذوا يتناوبون علي بقوة غريبة جعلتني أشك بنفسي هل آذيتهم يوما؟ .. ثم بكيت لأحدهم لما رأيت في عينيه أقل قسوة ونسيت أنه خنزير لا يبالي فصحت لبكائي بولولة ملأت السماء رعدا.
أول ما دخلت المعرض انتبه جميع الحضور إلى هذا المجنون -أنا-. شدني المدير إلى مكتبه فرأيت لوحتي مهشمة لأجزاء صغيرة عرفتها من رائحتها.
كل اللوحات في الصالة تدل على أن الإنسان قد مات كلاب وخنازير وخنافس وذئاب مرسومة. بعض اللوحات أشمئز منها خاصة هذه التي رسمها كبيرهم هكذا أسموه. لقد قال لي بوقاحة غير مرة لم أصبح فنانا إلا بعد التهكم على أستاذك هذا.
كل هؤلاء كذابون أعرف ذلك منذ سنين حين كذبوا على الأستاذ وباعوا رأسه بدراهم معدودة ولكني الآن أريد أن أعرف هذا الهاشم الجبان.
أخذت أصرخ طالبا بعض العدل حتى ولو تحت راية ظلمهم.. صم بكم عمي فهم لا يرجعون.
خرجت من المعرض وجلست على الدائرة الخضراء الوحيدة في المدينة كان قطرها لا يتجاوز نصف متر. دنت لي الزهرة التي تذبل وقالت: سمعت أن الزهور تقطع لتأكلها الكلاب فطلبت أن أقطع مع رفيقتي فتركوني ومنعوا عني ماء الأرض. أرتعد لأول مرة بعد عشرين عام لسماع نباح من بعيد.. اقتربت لأشم شذا الزهرة.. النباح يعلو.. فسرت في جسدي نشوة لم أعهدها منذ سنين قطعها رؤية الكلاب أمامي ومن خلفهم يجري من كان حاضر المعرض نحوي ومن خلفي تأتي رائحة أخي والخنازير. الذئاب قادمة من يميني أو من يساري لا أدري لا تكترث بخصومها.
أنا الدليل الوحيد على حسدهم للأستاذ. تراجعت عكس اتجاههم -الذئاب- لكن هذا الكلب أكل الزهرة، ناديت عليها فلم ترد، وجدوا -الكلاب- في عيني رغبة الانتقام فأسرعوا نحوي.
لكن ما هذا؟ أين أفق الطريق؟ سرقتموه؟؟؟؟
الكل ورائي ولا أعلم لما أصل في اللاأفق.
أتاني الموت في موعده المناسب. لا أعرف فيما سقطت، علمت بعد ذلك أنه مستنقع قاذورات لأن روحي جاءتني بشيء من الرائحة.
كيف عادت روحي ثانية؟ لم أكترث. نهضت أنفض ما علق بي وأخذت أرسم لوحة جديدة للأستاذ.
واقرأ أيضا:
غدٌ من دم / رجال درجة ثالثة