الوعي الجمعي محكوم بالغابرات المتصورات وفقا لما أرادتها أن تكون عليه المدونات، وأغلبها لا تنقل الحقيقة بل تكتب بمداد التملق والمحاباة وإرضاء ذوي الشأن والسلطان.
فهل وجدتم مَن يكتب بصدق وأمان؟
إن السلوك الذي اتبعته الأقلام بأنواعها عبر مسيرة الأمة، أنها ترتزق بما تكتب، فالشعراء والمؤرخون والأدباء المفكرون والفقهاء، وبلا استثناء، كانوا يسعون للارتزاق مما يقدمونه من كتابات ورؤى وتصورات، فهمهم ما يغنمون وقربهم من كراسي الظلم والعدوان على حقوق الإنسان، باسم الدين الذي يمثلونه وبموجبه ينوبون عن رب العالمين.
وما ينتشر في الأوساط التواصلية محكوم بالغابرات، ومنقطع عن الحاضر والمستقبل، وما مضى حالة متخيلة يُضفى عليها صور وتهيؤات لا تتصل بالواقع الذي تجسدت فيه.
فلا تفترق كثيرا عما كان دائرا في حينها من تفاعلات بين البشر، وأكثرها توحشية دموية صاخبة، وهي صراعات قِوى ومحاولات هيمنة واستحواذ على ما عند الآخر أيا كان، فلا علاقة للدين بها، وإنما استعملوه كمطية لتأمين السلوك العدواني على الآخر.
وهذا الأسلوب التفاعلي رافق البشرية منذ عصور ما قبل التأريخ.
فالقول بأن سلوك هذه الجماعة لم يكن متصفا بما كان سائدا، لا يمت إلى الواقع المحتدم بصلة واضحة، وإنما هو تحليقات فوق الحقائق والبراهين، وإنكار للطبع البشري، ونزعات النفوس الأمارة بالسوء.
فلا يمكن القول بأن مسيرة الأمة كانت تختلف نوعيا عن مسيرة أية إمبراطورية عاصرتها أو سبقتها، وما تحقق في بعض مراحلها كان نتيجة لبلوغ العلوم لدرجة من التقدم، وتوصل العقول إلى رؤى وتصورات استطاعت أن تعبّر عنها بقدرات زمانها ومكانها.
ومما يثير الشكوك ويستدعي تفعيل العقول، أن المدوّن عن المراحل قبل بضعة عقود يكشف مدى التعبير المحكوم بنزعات النفوس المتفاعلة مع القلم والورق، قكل يدوّن ما يراه، لا ما جرى وحصل، فالتدوين لم يكن نزيها وإنما متأثرا بما يتوهمه الكاتب.
"وما كُتب التأريخ في كل ما ... روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا ... فكيف بأمر الغابرين نصدق"!!
فلنُعمل العقل بما نقرأ، وبجرأة الباحث الأمين عن الحقيقة!!
واقرأ أيضاً:
العقائد لا تتقارب!! / الضاد المعادي للضاد!!