حبذا لو تتحول الكلمات إلى شراب يُسقى به أصحابها ليتذوقوا طعم ما يكتبون.
فالكلمة مسؤولية وأمانة وتعبير عن فكرة وإرادة، وليست مجموعة أحرف وحسب.
وعندما تكون طيبة، كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
ولو تكاتفت أقلام الأكوان وشربت من مياه الوجود، ما تمكنت من استيعاب كلمات رب العرش العظيم، الذي تنهل أقلام عزته من فيض المطلق.
وتولد من رحم أبجديات محدودة لتسبح في فضاء بلا حدود، وتخترق الأزمان وتتحدى الذوبان في جسد التراب، وتتجاوز عمر العقل الذي أوجدها، فهي كائن سرمدي الملامح خالد الأثر بعيد المدى يحقق ديمومة التفاعلات.
والكلمة التي تخرج من القلب تقع في القلب، لأنها صادقة نقية معبرة عن الحقيقة والمعاني الطاهرة النبيلة، وتتألف من حروف النور والصفاء المبين، فتكون منيرة ذات قدرات على زعزعة الأعماق، واستخراج الإنسان من مكامنه، فيرى جواهر ذاته ويصادق روحه ويشذب نفسه ويسمو إلى علياء الرجاء.
إنها ألفة ومحبة ورحمة وينبوع خير وعطاء وإيثار، ومودة وصدقة جارية إلى يوم يبعثون، عندما تكون منزهة من وجع التراب، ومصفاة في مراجل التسامي العلوية، ومعبّرة عن الروح الإنسانية الساعية إلى ينابيع أصلها الحالمة بفيض كن.
وهي مرآة العقل، وجوهر مكنوناته، وتعبير عن ذاته وأصله، ولسان حاله وحقيقته الساعية فوق بساط التناجي الخلاق، ما بين أفلاك الرأي والإبداع.
وأنها العقل يسعى بملامحه وهيأته، التي اختارها لشخصيته وقدرته على التزاوج المادي مع نواة روحه ومبعث صيرورته في أقاصي السماء.
وتكشف المخبوء، وتشير إلى حجم المدفون في الأعماق البشرية، وتُحدِث فرجة في المستور من النوايا والخفايا .
وتكتنز وتصير ثقيلة وثمينة وغنية في حضن الصمت والتأمل والإمعان في تفاعلاتها، وامتداداتها وتعشقها بروافدها اللامحدودة، ومصادرها المترامية في آفاق اللامحسوس المتجسد في جذور البعيد والأبعد.
وأداة ووسيلة لنقل الأفكار والتعبير عن الحاجات والمشاعر والأحاسيس والانفعالات ، فهي الحصان الذي تمتطيه هواجسنا، وتَغير به أفكارنا على أهدافها، وبها نكتب رسائلنا إلى الآتي ، فنخاطب بها مَن لا نعرف ونتسامر بواسطتها مع الذين جاءوا بعد أن أكلنا التراب ومحق أثرنا وعشنا فيه كما عاش أجدادنا.
الكلمة ما تقدم وأكثر، فلماذا تتحول خطاباتنا وأقوالنا وكتاباتنا إلى هذيانات وهراء؟!!
و"إن من البيان لسحرا"!!
واقرأ أيضًا:
ازرع ثم اصنع!! / إذا جاعت البطون تعطلت العقول!!