تهوى الألسنة تعلّم اللغات الجديدة ويتباهى الأشخاص بعدد اللغات التي يتقنونها، وتتنافس الأعمال بحسب ما تحويه السيرة الذاتية من لغات ومهارات. ويتخرج الشباب من الجامعات ليفاجأ أنه ما زال يحتاج لمزيد من تعلّم اللغة ليستطيع السير في ركب الحياة الحديثة.. هناك، في غزة جامعة جديدة لتعليم اللغات، ليست فقط لتساعدك في مسايرة الحياة الحديثة، بل تؤهلك لحياة كريمة وسعادة في الدنيا ونعيم في الآخرة... إنها جامعة للغات ولكن ليست للغة الألسنة سهلة التعلم في أيام، لكنها لغة تحتاج لسنين لتتقنها، وتحتاج لامتحان صعب تجتازه لتحصل على شهادة بإتقانها... إنها لغة للقلوب وليس للألسنة.
نعم، أعطينا الكثير للغة الألسنة وتجاهلنا لغة القلوب التي تصنع الإنسان الحر، لكن ما زال الطريق أمامكم لتلتحقوا بجامعة غزة للغات وتحصلوا على شهادة لغة جديدة لن يستطيع أن يعيش أبناؤنا دون أن يتعلموها.. إليكم بعض هذه اللغات، وعلى الراغب في تعلم أحدها متابعة جامعة غزة المفتوحة عبر الفضائيات الراقية!
لغة التحمل
لغة جديدة على مسامع الكثير، وخاصة بعد انتشار لغة الرفاهية والدعة والتعب والملل وغيرها من اللغات الهابطة، لكن هناك في جامعة غزة تلك اللغة سائدة. من الطفل الذي يستسلم للطبيب المعالج وهو يضمد جراحه المفتوحة دون أن يصرخ أو يجري ويضطر الطبيب لتكتيفه أو إعطائه مخدراً، إلى المرأة التي تمسح الدماء عن وجهها وصوت الصواريخ والطائرات من فوق رأسها يقتلع القلوب، لكنها محتملة للألم بصورة غريبة جعلتني أذكر النساء اللاتي أصبحن لا يحتملن لمس سماعة جهاز الضغط ولا شكة حقنة فيتامين، واللاتي يطالبن الطبيب بالولادة القيصرية حتى لا يتألمن من الولادة الطبيعية! وغيرهن الكثيرات لا يحتملن بكاء طفل ولا تعب حمل ولا غيره... في غزة استطاع الجميع أن يرفع معدل شعورهم بالألم إلى أقصى درجات التحمّل، لا تسمع هناك صوتاً يقول أن هناك تفاوت في قدرات التحمّل "وأن الناس مش زي بعض" لأنهم يتكلمون بلغة واحدة فقط.
لغة الإيثار
لغة من اللغات المندثرة والتي استبدلت بلغة "مصلحتي ونفسي وأنا مالي؟!"، لكن بجامعة غزة تستطيع أن تلاحظ تلك اللغة بسهولة بين شعبها الذي اقتسم كل شيء؛ من الحب والكلام الطيب إلى لقمة العيش والدواء، فهل يعقل أن يذهب أحد تحت قصف الطائرات التي تلاحق كل ما يتحرك ليصلح بين عائلتين؟ فعلها طبيب بجامعة غزة للغات، الطبيب إيهاب الذي ذهب بسيارته تحت نيران القصف ساعياً للصلح مؤثراً بوقته وراحته وأعصابه "اللي مش ناقصة مشاكل الناس" لإصلاح ذات البين الذي ضاع من قاموسنا واستبدلناه بدع الخلق للخالق وغيرها من لغات التفكك، فأراد الله له أن يؤثره بما هو أكبر لينال لقباً عزيزاً، لقب "شهيد".
لغة الصمود
تلك اللغة جديدة ولم نسمعها إلا بتلك الجامعة العظيمة. ما معنى صمود؟ أهو تحمّل، إصرار، تحدٍ، ثبات...؟ لا أحد يعرف تلك اللغة سوى جامعة غزة، فليس لها وجود إلا بجامعتهم، ولن تستطيع أن تتعلمها قبل أن تمسح من ذاكرتك بعض اللغات القديمة مثل (التخاذل، الذل، الدونية، التنازل، الاستسلام) وغيرها من اللغات المعاصرة لمحو الهوية واستئصال الجذور.
لغة التضحية
في قاموسنا التضحية هي أن تدفع جزءاً من راتبك أو بعض ممتلكاتك أو وقتك، وهذا قمة التضحية! أما في جامعة غزة، حيث اللغة الأصلية، التضحية مختلفة؛ فالمال والبيوت والوظائف والأحلام والأماني لغة المبتدئين، لأن هناك من يضحي بالولد، وليس فقط بالولد بل أعز الولد (ولد الولد)... نعم قالتها الجدة المسنّة التي فقدت أبناءها الثلاثة، واحتضنت حفيدها الذي طالبها بشراء سلاح ليعيد به حق والده فلم تنهره وتقول له: "كفانا ما راح منا، ولم يبق لي سواك" وما تقوله عادة الجدات من كلام، ولأنها جدة من جامعة غزة تتحدث أرقى لغة للتضحية قالت لحفيدها: "بل أكبّرك، وأعيش لأراك استشهادياً يثلج صدورنا بالثأر" هكذا هان ولد الولد وأصبح ثمناً رخيصاً للوطن. ولغة من لغات كثيرة لا تعرفها سوى جامعة غزة.
لغة المسؤولية
تتساءل دائماً الأمهات كيف أجعل طفلي مسؤولاً؟ كيف أعلّمه أن يعتمد على نفسه وينساني بعض الوقت؟ تقول الأمهات هذا وأبنائهن تجاوزوا تسعة أو عشرة أعوام، وللإجابة على أسئلة تلك الأمهات طالعوا صورة الطفلة ذات الخمس سنوات التي احتضنت أخاها الرضيع الذي أصيب في القصف بعد فقد الأم والأب وهي تهدهده أثناء تضميد الطبيب لجراحه قائلة: "هاجيب لك ماما؟؟؟؟" فجأة اايتها الصغيرة أصبحت أمّاً لهذا الطفل؟! احتضنته لتواسيه وتقومي بدور الأم من نفسك لم يطلب أحد منك ولم يكلفك؟؟ من علّمك أن تكوني مسؤولة وأنت في هذا السن؟؟ لماذا لم تترك أخاك وتصرخي وتولولي على من راحوا وتطالبي بمن يحملك ويرعاك؟؟؟ آه... لقد نسينا أنك من طلبة تلك الجامعة، ولعل هذا أول دروس اللغات التي تلقيتها في الجامعة لغة المسؤولية... ما أحوج أبناءنا لتلك اللغة.
لغة الأمل
يدّعي بعضهم معرفته بتلك اللغة، ويتشدّق ببعض كلماتها، ولكنها ليست اللغة الأصلية لأن أصلها هناك في جامعة غزة فقط... تسمع عن الكثير منهم داهمهم المرض فجأة فحطم أحلامهم أو فقدوا أحبابهم فزهدوا الدنيا، تلك اللغة معروفة وناطقوها في زيادة مستمرة. أما في جامعة غزة تفقد الطفلة جميلة ساقيها وتصبح محمولة على كرسب بعد أن كانت تنط الحبل وتجري هنا وهناك، فقدت وسيلتها في السير في الحياة، لكنها لم تفقد الأمل في الحياة تتكلم والبسمة تعلو شفتيها: "كنت أتمنى أن أصبح صحفية أنقل للناس الحقيقة ولكن لا بأس من تغيير الحلم" نعم يا صغيرتي، إن ضاع منا حلم لا بأس من البحث عن غيره، فالأحلام لا تنتهي، لم تلعني الأحداث ولم تبك ما فات، وكيف لا وأنت حاملة للغة الأمل يا خريجة جامعة غزة؟!
تلك بعض من كثير من اللغات التي لا توجد سوى في جامعة غزة... والآن، ألا تستهويك تلك اللغات؟ ألا ترغب في تعلم أحدها؟ ألا تتمنى أن يتعلمها أطفالك؟ إذن بادر بالاشتراك ولا تتردد، فالأماكن محدودة والأسبقية لأصحاب الإرادة والهمة فقط.. جامعة غزة للغات تدعوكم للانضمام لها، تابعوا أنشطة الجامعة وإصداراتها اليومية... الجامعة مفتوحة لجميع طوائف العالم الحر ولا يشترط الجنسية أو الإقامة بغزة فقط. تابعنا لتتعلم منا.