بالرغم من كل الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها القضية الفلسطينية وبالرغم من الانقسام الأسود الذي وقع بين الإخوة وأصاب الأرض والبشر والذي لا يمكن القبول بأي مبرر له، وبالرغم من عدم التقليل من نتائجه المأساوية على شعبنا وقضيته، وبالرغم من عدم قدرتنا –حتى الآن– على صياغة إستراتيجية فلسطينية موحدة جامعة لمواجهة كل التحديات التي تعترض مستقبل قضيتن، وبالرغم من الإقرار بأن المقاومة لم تنجح في تحقيق أهداف شعبنا ووقوعها في أزمة ممارسة وتخطيط، وبالرغم من الإقرار بفشل المفاوضات من تحقيق الأهداف التي من أجلها انطلقت العملية السياسية، وبالرغم من حالة الإحباط الشديد الذي أصاب شريحة كبيرة من شعبنا نتيجة كل ما سبق ذكره إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب واستمرار الحصار الشامل على قطاع غزة وممارسات الكيان الإسرائيلي في الضفة الغربية من مصادرة أراضي وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد القدس، بالرغم من كل ذلك إلا أننا لا يمكن أن نعترف أننا وصلنا إلى الطريق المسدود الذي لا رجعة عنه مع إقرارنا أننا فشلنا ولكن ليس الفشل الذي يقتل صاحبه أو يدفعه للاستسلام للأمر الواقع أو الاعتراف بالهزيمة أو أننا لم نعد نملك القدرة على الاستدراك والنهوض من جديد لإعادة الصورة المشرقة لشعبنا وقضيتنا.
نحن نعترف بفشل كل الجهود التي تم بذلها من أجل توحيد صفوفنا عبر صياغة إستراتيجية شاملة للعمل الوطني الفلسطيني بشقيه السياسي والنضالي، وفشلنا في الوصول إلى رؤية مشتركة موحدة لطبيعة الصراع مع العدو الإسرائيلي وفشلنا في الاتفاق على وضع الآليات والمحددات التي تضبط عملنا وتصرفاتنا من كل خطوة مضادة لما يقوم به عدونا على الأرض، وفشلنا في ضرورة وضع الخطط لننتقل من مربع رد الفعل إلى صناعة الفعل، ولكن مع ذلك الإقرار إلا أننا –والوقائع تشهد– لن نعترف بأننا شعب مهزوم بل بالرغم من كل ما نمر به لازال شعبنا يتحرك ويقاوم السكون وفرض الوقائع عليه ويسعى بجهد دؤوب للخروج من هذه الحالة الطارئة التي تعصف بوجوده ومستقبله، ومن هنا تتجه القلوب المخلصة بكل حرقة الانتظار صوب الحوار الوطني الذي نأمل أن يصل إلى نهايته المنشودة لنتنفس الصعداء ونبدأ مرحلة جديدة والتي بكل تأكيد ستكون أكثر قوة وصلابة من مرحلة ما قبل الانقسام، لأننا نكون خرجنا من تجربة صعبة وهي بحد ذاتها تفرض علينا استخلاص العبر من كل تفاصيله، والمرحلة القادمة سنكون فيها الأقدر على صياغة مشروعنا الوطني الشامل بكل تفاصيله والعودة لمواجهة تحديات قضيتنا بقوة أكبر ووحدة أكثر صلابة، لأن الخارطة السياسية والتنظيمية للمجتمع الفلسطيني ستشهد أيضا تطورا مهماً حيث قد ينجح في الانتقال إلى حالة أكبر من الاستقطاب الثنائي الذي حكم مجتمعنا طوال السنوات الماضية.
وفى ذات الوقت وبالانتقال إلى تفحص الوضع الداخلي للكيان الإسرائيلي فهو لم يجرؤ على إعلان الانتصار النهائي على شعبنا ولا يجرؤ الإدعاء بأن معركته معنا قد انتهت أو شارفت على الانتهاء، فهو يعيش أيضا حالة من الأزمة الداخلية في قدرته على اتخاذ القرار المناسب ولعل تخبطه في التعامل مع ملف الجندي جلعاد شاليط وتبادل الأسرى مع حماس دليل واضح على تخبطه، وعلاقته مع الإدارة الأمريكية الجديدة والمجتمع الدولي ليس كما يرغب ويتمنى وهناك متغيرات إقليمية تدفعه إلى الشعور بالقلق الدائم من المستقبل المنظور، ولكن نحن نعترف أن الكيان الإسرائيلي نجح في توظيف الوضع الداخلي الفلسطيني لتمرير بعض مخططاته وفرض وقائع على الأرض وهو يعمل بنجاح على إطالة عمر الانقسام الفلسطيني والاصطياد في الماء العكر، ومن هنا فإن إسرائيل نجحت إلى حد كبير في استغلال الأوضاع والاستفادة من أخطائنا ولكنها لم تنتصر في معركتها معنا.
ومن هنا لابد من التركيز على الحقائق التالية –حتى لا نغرق في بحر التشاؤم الذي يراد لنا-:
- أن الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده لا زال ينبض بالحياة ويمتلك مخزون كبير من العنفوان والكبرياء لإيمانه الذي لا يضعف بعدالة قضيته، وأنه كان ولازال وسيبقى الرقم الصعب في معادلة السلام والاستقرار في المنطقة، وهناك حركة ثقافية فكرية تتعزز وتتطور داخل المجتمع الفلسطيني لمواجهة حالة التراجع على الأرض وعدم الاستسلام للواقع.
- على المستوى السياسي لازالت القضية الفلسطينية تحقق حضورا فاعلا داخل المجتمع الدولي بكافة أطيافه وأركانه، وأصبح قيام الدولة الفلسطينية قرار يحظى بالإجماع الدولي ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار بدون الإقرار بالحقوق الفلسطينية.
- القيادة الفلسطينية لازالت تحظى باهتمام ودعم من المجتمع الدولي، ولازالت تملك بيدها زمام المبادرة والقدرة على فرض وقائع على الأرض –وما أحدثه قرار الرئيس محمود عباس من عدم ترشحه للانتخابات القادة على الساحة الدولية أكبر دليل على ذلك، وكذلك التحرك الجديد للاتحاد الأوروبي وموقفه من الممارسات الإسرائيلية في القدس يعزز ذلك-.
- إن كل ما نمر به على المستوى الداخلي هو أزمة متشابكة ليست سهلة ونابعة من تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي تجاه قضيتنا، فهناك أزمة مقاومة وأزمة تفاوضية ولكنها ستزول فور زوال أسبابه، لأن المقاومة بكافة أشكالها حق كفلته كافة الشرائع والقوانين الدولية ضد الاحتلال وهناك إجماع فلسطيني على ممارسته، وتحقيق السلام هو هدف استراتيجي للشعب الفلسطيني عبر الالتزام بكافة الاتفاقيات والالتزامات الدولية، والشعب الفلسطيني يمتلك تجربة وتاريخا ناصعا في كلا الأمرين.
- إن بناء المؤسسات الفلسطينية ضرورة لابد منها، ويجب العمل بكل ما لدينا من طاقة لإنجاز مؤسسات الدولة الفلسطينية على الأرض كثقافة وواقع قبل إنجازها على الورق، ولازلنا نمتلك الفرصة لتحقيق هذا الحلم على أرض الواقع ولعل ما يقوم به الدكتور سلام فياض على الأرض في الضفة الغربية من بناء مؤسسات وتعزيز صمود المواطن على الأرض عبر بناء مشاريع اقتصادية مهمة نموذجا مهما يجب أن ينتقل إلى باقي أرجاء الوطن وخاصة في القدس وقطاع غزة، بعيدا عن الخلاف السياسي.
اقرأ أيضاً:
أكذوبة الأكاذيب وحقيقة الحقائق!!!/ ملفات فلسطينية/ محطات في تاريخ القضية الفلسطينية