عندما تجد الحياة أصبحت غير ممكنة فإن الموت أفضل وصف لما يدور حولنا..
ليس غريبا أن تحمل في داخلك مجموعة أحلام قد تختلف عن رؤية آخرين سيما وأنت تنظر لمحيط أصبح يبتعد كثيرا نحو الآفاق فيما أنت لا زلت تلبس نفس الثياب وتتناول بذات الوعاء وتستحم في شتاءك بماء بارد ولكنك معه أصبحت بعيدا عن ما تمنيته أولا لنفسك ولموطنك وترى باقي الشعوب كما ترى النجوم المضيئة تطرز السماء ولا تعلم السبيل لترتقي إليها...
الحياة في بلادنا العربية هي ذاتها دشداشة وعقال ومسبحة ولحية طويلة وخفين يعج التراب خلف طوياتها وأمراء يحللون لأنفسهم ما يحرمون على شعوبهم المسكينة.. الصيف في لندن والشتاء في سويسرا وحفلات تستمر لبزوغ الفجر والشعب يرقص كطائر مذبوح يئن من ألم وجوع إن لم يكن جوع الطعام فبالتأكيد هو الجوع الفكري وجوع للحرية...
أمراء وملوك يواظبون على تربية الإبل وصرف ملايين الدراهم لسباق الهجن ومنهم من يواظب على شراء طائرات لأندية مجنسة لتتسابق كخيل في الميدان لتحقيق الفوز والتباهي فيما المواطن لا يستطيع شراء حذاء ورغيف خبز وعندما تكون الحياة وفق هذه المعايير فالموت المنطقي هو صفة تلك الشعوب..
قبل أيام تابعت الأخبار وخبر منها أثار حفيظتي كثيرا وهو يتعلق بالقدس وأحقية من تكون كعاصمة، الدول الأوربية اقترحت أن تكون عاصمة لدولتين ومع غرابة الموضوع والخبر إلا أن المحتل الإسرائيلي لا يراه مبررا لأنه يريد الكعكة له وحده وبالمقابل انشغلنا عن هذا الموضوع لأن لدينا مواضيع كثيرة أهم من القدس هكذا هو واقع الموت السريري للكرامة والحياء العربي...
لم نحرك ساكنا وهكذا نحن دوما نعبث بأثاث دارنا ونقلب الطاولات ونكسر الكراسي الرسمية الشرعية ولكننا نبتسم للجار الذي يكسر الزجاج ويهدم الجدار فأي جار ذلك الجار ولكننا كرماء ومثلنا (حاتم الطائي) نذبح الخيل ونقدمه وليمة للجياع حتى يقال أننا كرماء.. لا يهم أن نقدم زادا أو مقدسات طالما قالوا عنا كرماء حتى لو أسيء ترجمة النص وفق الرؤية الغربية وأصبح الكرم يعني (خنوع) أو حتى (ذل) لا يهم ذلك كثيرا طالما بقينا نحن كما نحن..
قبل أيام شاءت الصدفة أن أرافق الصحفي (corey flintoff) مراسل (nbr) الإذاعة الوطنية الأمريكية حيث كان يعد تقريرا إذاعيا وطلب مني أن أقدم له الدعم (الوجستي) وهو من الشخصيات المعروفة جلسنا على طاولة لم تكن مستديرة بل كانت في الهواء الطلق وتحدثت إليه عن حاجة العالم الآن وفق ما حدث من احتلال العراق وأفغانستان لتفعيل دور حوار الحضارات لأن المفهوم الآن سار في زاوية خاطئة وهي صراع الحضارات تبسم كثيرا كعادته وقال لي أن ذلك أمرا مهما طالما كانت هناك نوايا تعمل بجد لتحقيق ذلك.
رغم أني أشرت إلى أننا نتأمل أن تكون الجدية من الطرف الآخر من خلال العمل على إصلاح الخلل إلا أنني فهمت كلماته على أنها دعوة لجدية نتمسك بها لنحقق ما نريده...
الشعوب العربية الآن لا تمتلك جدية في قراراتها وهي بذلك تعطي الزعيم الاسترخاء التام بعد ليل مثقل بكؤوس النشوة لحفلات الانبطاح والرضوخ للسيد المبجل (باراك اوباما) الحاكم الفعلي للبترول والكراسي في المنطقة.. ونتمنى على رأي زميلي (كوري فلينتوف) أن تكون هناك جدية لدى الشعوب ترغم الزعماء على إعادة رغبات الحياة التي رحلت عن شعوبها وأصبحت في طور الموت السريري حيث لا فعل ولا قول مفيد ويستمر ذات العربي بتقليب مسبحته يعد المئات والآلاف من الذكر والتسبيح دون أن تعطيه تلك الطقطقة نفحة إيمان تام بحقوق مقدسة يجب إعادتها عنوة أو طوعا ومنها القدس التي تتربع على كل صدارة من حقوق مسلوبة وجروح نازفه وصمت مطبق وتجاهل غير مبرر وجفاء مبهم.
إننا مع رحيل كل قيم الحياة التي تليق بنا كأحفاد سلالة الأنبياء والصالحين وحاملي أعظم دساتير الأرض وهو القرءان الكريم ومع سطوة الموت الفكري والقدرة على تحريك شفاهنا حتى لو مزحا للمطالبة بحقوقنا نجد أننا خطنا لباس الموت واستعدينا للرحيل أملا في أن تكون رفاتنا كما أصبحت رفات أجدادنا نبعا أكثر إدرارا للبترول لأن النفط كما علمنا يأتي من تحلل الأجساد... وكم توقفت مع تلك المعلومة عندما قارنتها بكمية نفطنا ومزجت الأرقام لأرى أن مواطني المنطقة يستحقون لقب (الميت الكريم) ويا كرمنا عندما نعشق ويا تعاستنا عندما نكره...
إن القدس حاضرة غائبة، حاضرة في الإعلام غائبة عن فكر زعماءنا وهي تبتلع رويدا رويدا ونحن نتفرج ونتقاتل على بطاقة الترشح لكأس العالم، مع أن زوبعة مصر والجزائر أفلت إلا أنها أفرزت لدينا معطيات منها انه عندما نتملك كل تلك الثورة في دواخلنا لماذا لا تكون في تحقيق حقوقنا المسلوبة وأبرزها قدسنا الحبيبة والبحث عن حل لواقع احتلال بغيض يدمر عاصمة هارون الرشيد،
إن شعوبنا وإن كانت مظلومة ولكنها تسير بذات المسار نحو حق الموت ورفض الحياة لان الحياة ترغمنا على أن نكون أصحاب موقف ومن المؤسف آن موقفنا الموحد أصبح حلما بعيد المنال.
واقرأ أيضاً:
القدس عاصمة الذل العربي/ سيدة إسرائيلية تتحدث في اليوم العالمي للمرأة/ بالفولاذ!! هل يُخنق الفلسطينيون بأيدي مصرية؟