تأخر سن الزواج, السحر والجن
أشكركم على هذا الموقع المتميز الذي اكتسبت منه الكثير من المنافع. وبعد، أنا فتاة أبلغ من العمر 33 سنة، ولم أتزوج بعد، وأنا على خلق وجمال ومستوى تعليمي عال ومن عائلة راقية، والكثير يأتي لخطبتي ولا تتم الخطبة، ويأتي الرد: لا يوجد نصيب ولا أعرف لماذا؟.
وأريد أن أذكر لكم بعض الأعراض عند قراءة القرآن والصلاة أجد أن الإصبع بقدمي اليمنى يؤلمني جدا، وهناك صداع فظيع، ولا أعرف كيف أسكن الآلام مع وجود آلام في الظهر والبطن، وأنا أخاف أن أكون مسحورة. أريد علاجا لهذا الداء إن كنت مسحورة، أو هي تهيؤات.
أرجو الرد علي بسرعة،
وآسفة للإطالة، وأرجوكم ساعدوني.
24/07/2005
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك، ونشكرك على إطرائك الطيب لموقعنا العزيز، تبدئين القسم الأول من إفادتك بإحاطتنا بما ترين من جوانب مشكلة تأخر زواجك رغم جمالك وحسن خلقك ورقي عائلتك وكثرة خطابك، وهو حال كثيرات في مجتمعاتنا العربية فعلا، خاصة عندما تروي هي أو أحد من أهلها، أو حتى أحد معارفهم المقربين، ويبدو الأمر غريبا كلما جاء الرد: قسمة ونصيب.
ورغم أن النصيب مكتوب ويفترضُ أننا نؤمنُ به حق الإيمان فإننا كأفراد ومجتمعات لا بد أن نبحث عن تفسير لما يواجهنا من عقبات في الحياة، وفي سعينا لإيجاد تفسير كثيرا ما نضل؛ لأننا مع الأسف لا نتبع منهج العقل في التفكير، غافلين عن قيمة العقل في الإسلام، فبدلا من أن نجد تفسير "النصيب" أو مسبباته التي يسببها الله فيما حولنا أو فينا من أوجه القصور -وهي أيضا نصيب- لكننا مأمورون بمحاولة فهمه وإصلاحه ما استطعنا، بدلا من ذلك، نبحث عن تفسيرات غيبية وكلنا نزوعٌ لتقبلها وإن أنكر أغلبنا -وهو بعيد غالبا- عن محك المشكلة، أي إنها مشكلة أخرى.. المهم أن عليك أن تزيدي من استبصارك بملابسات الواقع أكثر مما أنت عليه لتجدي بنفسك الرد على سؤال: لماذا؟.
وأركز بعد ذلك على الجزء الثاني من إفادتك الذي تصفين فيه بعض الأعراض الجسدية المزعجة التي تنتابك تحديدا -كما يفهم من الإفادة- أثناء الصلاة أو قراءة القرآن وهو ما يستدعي مباشرة في الذهن وجود علاقة بين أدائك الفروض الدينية أو الطاعات والعبادات وبين تلك الأعراض، وكأن ما ينتظرُ منه أن يعود عليك بالراحة والطمأنينة، إنما يحدثُ العكس، فتتألمين وتجدين كثيرا من المنغصات في صلاتك وقراءتك للقرآن، وكأن هدف الأعراض هو إبعادك عن العبادات، وهذه الوضعية على خلفية من عرقلة الزواج -بلا سبب مقبول- تستلزم بالطبع متلازمة أخرى من التفسيرات الغيبية تجد قبولا لديك وربما لدى أهلك والمقربين، فهذا الشر الذي أصابك ولست أهلا له إنما يكونُ من السحر أو الحسد أو الشياطين، وقليلا ما يتعب أحدنا نفسه لاستقراء وقائع في عالم الشهادة مثلما بينا من قبل في أكثر من رد على هذه الصفحة تحت عنوان:نفس اجتماعي: انتظار شريك الحياة.
والحقيقة أننا كأطباء نفسيين كثيرا ما نواجه بمثل تلك الشكاوى التي يربطها المشتكي بصلاته أو تلاوته القرآن الكريم ويقدمها لنا كدليل على أن ما به من مرض أو ما يواجهه من مشكلات إنما هو بسبب بسم الله الرحمن الرحيم "العفاريت"، وطبعا يكون العفريت كافرا أو يهوديا أو مسيحيا! والإثبات دائما يكون تصديق أو إيحاء الشيخ أو المعالج بالقرآن أو أيا كان فهو أحد من يدعون العلم بالغيب على أي حال وهم من نهينا شرعا عن زيارتهم كما بينا من قبل في إجابات كثيرة على هذه الصفحة، وفقط أذكرك بقول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام في ذلك فقد روى مسلم في "صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا، فسأله عن شيء، فصدقه بما يقولُ؛ لم تُقبل صلاته أربعين يوما" رواه مسلم في "صحيحة"، وفي رواية أخرى وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "مَن أتى كاهنا، فصدقه بما يقولُ؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" [عند أبي داود بلفظ: "فقد برئ"؛ بدل: "كفر"، وأحمد في "مسنده" بلفظ: "فقد برئ"، ورواه الترمذي أيضا.
وأما ما يحدث في أغلب الأحوال بعد قليل من أخذ التفاصيل أن نجد لدى المريض أو المريضة شكلا من أشكال اضطرابات الاكتئاب أو القلق أو خليطا من هذا وذاك، كما نكتشف أن الأعراض المزعجة ترتبط بأفعال وسلوكيات ومواقف أخرى أيضا وليست فقط ترتبط بالصلاة أو تلاوة القرآن، فيما عدا الحالات التي يوحي أحد مدعي العلم بالغيب بالأعراض للمسكين أو المسكينة وهو بين يديه، وأحيلك هنا لقراءة ملخص لمحاضرة فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة تحت عنوان: التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري.
إذن فالأعراض التي تعانين منها تحتاج إلى تقييم من قبل طبيب نفسي ليحدد الاضطراب النفسي المصاحب لها والذي تشكل الأعراض جزءا منه، وأنصحك باستخارة ربك والتوكل عليه ثم إحسان التصرف. وتابعينا بأخبارك.