ابنتي وعلاقتها بوالدها
أنا سيدة مطلقة عندي فتاة تبلغ من العمر خمسة عشرة سنة, منفصلة عن والدها من حوالي خمس سنين, كانت العلاقة بينهما منقطعة تماما إلا من حوالي خمس شهور بدأت العلاقة وكانت الأمور تمام من حوالي شهر أرسلت بنتي رسالة لوالدها تعاتبه على قلة اتصاله بها, فأرسل رسالة لها كأنها محاضرة طويلة عند قراءتها صدمت البنت من طريقة الرد والعتب وفي نهاية الرسالة طلب منها عدم الرد عليه سواء كانت موافقة أو رافضة لكلامه, ولكن ابنتي ردت بطريقة مختصرة ووضحت له أنها تسمع كلامه بس كلامه ضايقها, ورجع رد عليها بأسلوب توبيخ أنه كيف ما بتسمع كلامه ومن وقتها قاطعها تماما لا اتصال أو رسالة, وهي كتير متضايقة من تصرفه حاولت معها أنها تتواصل معه رفضت, لأنه بنظرها كيف أب يقطع بنته أنا أريد معرفة كيف التعامل معه.
سأوضح القليل عن شخصيته بحكم تعاملي معه هو إنسان يحب يعطي أوامر بدون نقاش أو جدال يحب يسمع كلمة حاضر عنده كمية حقد على الآخرين مش طبيعية دائماً بنظره هو المظلوم, أنا انفصلت عنه مرتين مرة لم يدم زواجنا شهر وكنت حامل بابنتي وبعد تسع سنوات رجعت له وانفصلنا بعد سنة والسبب أنه آخر شهر فجأة بدون مقدمات ما صار يحكي معي أو مع بنتي, ممنوع أزور أهلي مع أنه ابن عمي بس والدي متوفي وفي آخر ثلاث أيام بدأ يضربني وعلى مرآى من بنتي؛
وكنت في وقتها حامل ضربه يدل على غِل وحقد وقتها طلب مني ميراثي من والدي وعند الرفض بدأ زيادة في الضرب والحبس في البيت وانفصلنا ونزل الجنين, ومن وقتها لم يحاول التواصل مع ابنته نهائي كان ينتظر منها هي اللي تتواصل معه, وكان يقول للجميع مفروض ابنته هي اللي تتواصل معه, وطبعا بنتي إلى يومنا هذا مش قادرة تنسى منظر الضرب؛
حاولت أخليها تتناسى الموضوع عشان بالنهاية لازم تتواصل معه، الآن دكتور حابة أعرف كيف بنتي تتعامل مع شخصية أبوها, وهل يعتبر أبوها شخصية مريضة, هل ترجع تتواصل وكيف يكون كلامها عتب, أنا مابدي تنمحي شخصية بنتي عودتها على النقاش وإعطاء رأيها في أبسط الأمور, والآن أبوها عايز العكس هو لا بيصرف عليها ماديا أبدا فقط مصروف المدرسة ما يعرف تفكيره من هالناحية عشان معتمد على ورثي من والدي مع أنه مرتاح جدا ماليا.
الآن بعد شهر من القطيعة كيف ترجع بنتي تتواصل معه كأن لم يكن هناك أي زعل, أو أنها تعطي رأيها وعتابها في قطيعته لأنها مش قادرة تسامحه على تصرفاته, أنا حاولت أختصر كتير من الأمور بس عفكرة كتير ممن بيتعاملوا معه بيأكدوا أنه مريض, هو أصلا علاقاته مع الناس قليلة حتى إخوانه هناك قطيعة معه.
أرجو إفادتي لأن أنا كأم مستاءة من تصرفه كيف حال بنتي
وشكرا جزيلا لكم
27/10/2016
رد المستشار
أختي الغالية؛
بداية أود أن أعتذرلك عن تأخري في الرد عليك لظروف سفر طارئة فسامحينا، ثانيا أريد أن أشكر المسؤولين عن هذة الصفحة الدكتور وائل وباقي القائمين عليها فهي بوابة لتفريج هموم المكروبين ومحاولة جادة لحل مشاكلنا الاجتماعية والنفسية بطريقة تواكب التطور وتحافظ في نفس الوقت علي الأصل الثقافي العربي والأهم الأصل الديني بتقديم حلول توافق شريعتنا الإسلامية التي وضعها الله عزوجل لنا من أجل سعادتنا ومصلحتنا في المقام الأول.
فقد انقطعت على الرد على الاستشارات سنوات عديدة وكانت استشارتك من نصيبي بعد سنوات من الانقطاع وسبب انقطاعي انشغالي ولكن أكتشفت أن الضغوط والانشغالات تزداد أكثر لذلك قررت العودة من جديد للمشاركة, لأن الحياة لا تنتظرنا ولا تتوقف فهي مستمرة رغم أي ضغوط أو ظروف، ويعود الفضل في عودتي لله أولا ثم لشخصية ظهرت في حياتي نحسبها علي خير وتعلمت منها الكثير بوقت قليل فجزاها الله عني كل خير ولاحظت رغم انشغالها المستمر بأنها لا تتوقف عن الكتابة بكل مكان وزمان ولا عن إفادة من حولها بتجاربها وكلماتها الصادقة المؤثرة الناصحة، والفضل أيضا لهذة الصحفة والمشاركين فيها الذي يذكروننا دائما بأن الرسالة مستمرة رغم أي ظروف تمر بهم فلا يتوقفون عن العطاء والمشاركة بالعون لمن حولهم بكل وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد تكون تجاربي متواضعة مقارنة بهم وبثقلهم وتأثريهم الإيجابي المستمر فادعوا الله عزوجل أن يجعلني سببا لتفريج كروب المهموين وعون لك ولهم وسببا لسعادة الآخرين.
أختي الحبيبة؛
أشعر بك وبألمك من الظلم الذي وقع عليك من ضرب وإهانة وأذى نفسي لك ولابنتك وثقي بأن الله مطلع ولن يضيع حق لك أو لابنتك. وقد تأتي الابتلاءات لتصقل الشخصية أو لتكفير الذنوب ولرفع الدرجات فنحن تفكيرنا وعلمنا محدود فالله هو عالم الغيب والشهادة فنحن لا نعلم الحكمة من وراء أي ابتلاء نتعرض له ولكن ثقي بأن كل ما تعرضت له يوجد من ورائه حكمة وأن كل محنة تتعرضين لها تنقلب منحة بإذن الرحمن بكرمه ورحمته إذا رضينا بما قسم الله لنا.
وبعد هذه المقدمات فمشكلتك لها ثلاث محاور، ويجب أن تتعاملي مع كل محورمنهم بصبر وأمل في التغيير، فلا شيء مستحيل والله قادر على تبديل الأحوال ولكن يجب أن نحاول أن نأخذ بالأسباب :
المحور الأول : وهو المحور الأهم ابنتك.
ابنتك التي تنشأ شخصيتها بين يديك وتكبر أمام عينيك فعليك مسؤولية مضاعفة لأنك الأم والأب في آن واحد فأعانك الله وألهمك الصواب في تربيتها. أخشى على ابنتك أن تصيبها عقدة نفسية من الرجال أو الزواج بصفة عامة بسبب والدها، فيجب أن توضحي لها بأن والدها حالة استثنائية وليس كل الرجال على هذا المنوال وأنه هناك نماذج أخرى من الرجال الصالحين.
واحرصي على غرس معنى بر الوالدين فيها فقد كانت أم السيدة أسماء رضي الله عنها كافرة وجاءت تزور السيدة أسماء وأحضرت هدايا معها فأرسلت السيدة أسماء تستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في دخولها فأمرها بدخول والدتها وقبول الهدايا بل وبرها. فمهمها كان الأب أو الأم سيئي الطباع أو الأخلاق أو حتى مختلفا عنا في العقيدة فقد أمرنا الله ببرهم وحسن معاملتهم ولبر الوالدين مكانة في القرب من الله والتوفيق في شتى مجالات الحياة.
قال رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: "ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة". فاحرصي أن تغرسي في قلبها مقابلة الإساءة بالإحسان تجاه والدها وفتح الحوارمعها في كيفية التعامل مع الوالد بحكمة ومرونة واحرصي على أن لا تتأثر بكلامه السلبي لها وأن تعتبر أن تعاملها معه ليس من باب الاقتداء أو التربية وإنما فقط من باب برها له.
واحرصي على عدم ذكر والدها بأي صفة سلبية أمامها أو أي إشارة لموقف سلبي حتى لا تزيد الفجوة بينهما واعلمي أن هذا ليس سهلا ويحتاج إلى جهد منك ولكن في سبيل مصلحتها وتنشئتها في بيئة صالحة قدر المستطاع بدون عقد نفسية أو اجتماعية.
واجتهدي في أن تعوضيها عن جرحها الذي يؤلمها ونقطة ضعفها بأمور أخرى تُعيد لشخصيتها التوازن مثل الحديث المتكرر عن قصص شخصيات وأدباء عالميين وأبطال فقدوا أهلهم لأي سبب كان سواء الأب أو الأم ولم يعوقهم فقدهم عن التفوق والإبداع بل على العكس كان المحرك لهم للانطلاق والإبداع والتميز.
كوني عونا لها في اكتشاف مواهبها وقدراتها الأدبية أو العلمية أو الحرفية أو الاجتماعية وتنميتها وتطوريها والتفوق بها فالألم يا أختي قد يولد منه الأمل والإبداع المدهش.
قد يخطرداخلك الآن حوار أنا في ألم وكرب كيف لي أن أخرج بنتي من ألمها وانا لازالت أنزف من المي.
أختي أقدر مشاعرك وألمك ولكن بالإستعانة بالله والتذكير المستمر لنفسك بالهدف السامي الذي هو رعاية ابنتك وتربيتها تربية صالحة فان هذا سيعينك علي تحمل وتجاوز العقبات. وكذلك أقنعي ابنتك بالحديث مع والدها والتواصل معه من فترة لأخرى وعدم قطع علاقتها به لأنه والدها ويجب عليها بره ولكن في نفس الوقت وضحي لها أنها تتعامل مع شخص مختلف وأن ليس كل الرجال مثله وأنه قد يكون مريضا أو أن لديه ظروفا خاصة حتى تعذره فنحن لا نعرف ما هو السبب الذي يدفعه لتصرفه السيء.
المحور الثاني هو الأب:
يجب أن يفهم بطريقة غير مباشرة عن طريق شخص تثقين فيه ويمكنه التواصل معه بأن ينصحه بأن طريقته قد تدمر شخصية ابنته ومحاولة إقناعه بتغيير أسلوبه وإن كان يريد كسب قلب ابنته فيجب أن يتغير في تعامله معها ويظهر لها حنانه وعطفه واهتمامه الذي حرمت منه.
قد تنجح الفكرة في إقناعة وقد تفشل ولكن يجب محاولة الحديث معه عن طريق أحد الأقارب أو معارفه واحرصي أن تختاري شخصا مناسبا لهذه المهمة ممن يكون لديه القدرة على الحوار والإقناع ويكون على قدر من الإلتزام والأخلاق والسمعة الحسنة ومؤثرا في الآخرين ومن هو مشهور بأنه يتقي الله في تعامله مع الناس حتى ينجح في إقناعه.
المحور الثالث وهو شخص مهم جدا، هو أنت يا أختي، لا أستطيع أن أقول لك انسي ألمك ومعاناتك وكل ذكرياتك التي تعرضت لها ولكن أستطيع أن أقول لك ابني لك حياة جديدة مليئة بالأمل والتفاؤل والتوكل على الله.
انظري إلى الأمور الإيجابية في حياتك ولو كانت بسيطة وانطلقي منها وإن لم تجدي أي أمر إيجابي فاصنعي بيديك الإيجابية حاولي أن تخرجي من دائرة مشكلتك وأحزانك بالدخول إلى دوائر أخرى مفيدة لك ولغيرك في الحياة وهي عديدة وتحتاح منك البحث البسيط عنها. فالحياة مليئة بما هو خير ونافع يداوي ألمك وجراحك فحاولي الاندراج في أنشطة اجتماعية أو خيرية أو تعليمية تعيد لك توازنك في الحياة وتزيد خبرتك وتعينك على التأقلم مع وضعك.
الحياة تستمر رغم أي ظروف تمر بنا فإما نتوقف ونخسر وإما نتكيف ونتعلم وأحمد فيك حرصك وصبرك على تربية ابنتك ومحاولة تنشئتها تنشئة صالحة لها وثواب ما تقومي به كبير فثقي بكرم الله لك ولها.
اصنعي السعادة بيديك وافتحي نافذة قلبك للحياة من جديد بنظرة تفاؤلية ونحن معك خطوة بخطوة ولا تترددي إذا أردت الاستشارة في أي أمر يعينك والتفكير معك.
أخيرا أقول لك استعيني بالله وتحدثي مع الله في سجودك ودعائك واطلبي منه تغيير الأحوال فالله رحيم قريب يجيب دعاء السائلين ويريد منا أن نقف على بابه ونلتجئ له بتذلل وقد يأتي الاختبار لأنه يريد سماع صوت دعائنا فاطرقي باب الرحمن لن يخيب ظنك وسيعطيك ويكرمك فثقي بالله وتوكلي عليه.
واقرئي أيضًا:
نفسي عائلي: عواقب الطلاق Divorce Consequences