حائرة في أمري...
السلام عليكم ومبارك عليكم الشهر الكريم.. أهديكم أطيب التحية...
كاتبتكم لأستشيركم بوضع أعتبره حساسا في ظروفي...
بإيجاز طفولتي لم تكن الأفضل من الناحية النفسية تربيت بعيدا عن والدتي ووالدي عدة سنوات بسبب انشغالهم بأختي الصغرى التي أنجبت بعدي مباشرة فتم تركي عند بيت من بيوت الأقارب للمساعدة إلى تقريبا سن الخامسة عدت لأسرتي قبيل دخول المدرسة وأتذكر بأني كنت أشعر بالاغتراب بينهم والخوف ظروف البيت الآخر لم تكن الأفضل كذلك ولكنها كانت أكثر هدوء ومعقولة إلى حد ما في حدود فهمي آنذاك كطفلة...
كانت والدتي وهي شخصية أقرب للجفاف بالإجمال مع الجميع لكنها كذلك تميز بين معاملتها لي ولشقيقتي بشكل واضح يلمسه الجميع، لم أكن أشعر بأنها تحبني بتاتا وتعلق بذاكرتي عدة مواقف كنا أنا وأختي نذهب لوالدتنا فتقبلها وتتركني كنت أبلل فراشي فتعايرني والدتي سامحها الله بذلك أمام الآخرين وتحرجني وتصف أختي بأنها نظيفة عكسي لأنها لا تبلل فراشها تتفاخر بكل شيء تعمله أختي مهما كان بسيطا وأتذكر أني كنت أحاول جذب انتباهها مثلا بمفاجأتها بتنظيف المطبخ وهي نائمة فأتعرض للتوبيخ أما والدي فهو معروف بشخصيته الصارمة القاسية ولا عاطفيته مع كل أفراد الأسرة بما فيهم والدتي وكلنا لم نسلم من إهاناته وشتائمه اليومية على أقل سبب...
قضيت بقية سنوات طفولتي بعد عودتي لمنزل والداي في البكاء والوحدة والعزلة والشعور بعدم المحبة والإهمال خاصة مع مواجهة الكثير من المصاعب التي كنت أترك فيها بمفردي دونما مساعدة كأي ما يقدمه الأهل لأبنائهم لحد أني كنت أستدين مصروف من صديقاتي لأشتري في فسحة المدرسة.. وأتورط في حال الرغبة للذهاب لأي مكان ولو للضرورة...
نشأت شخصية معروف عنها بأنها مسالمة وحساسة وحالمة لأقصى درجة.. لدي عدد محدود من الصداقات العميقة ولا زالت مستمرة منذ الطفولة... أشغلت نفسي بالدراسة حتى تفوقت وحققت من النجاحات شأنا بتوفيق من الله حمدا لأفضاله الجمة وكنت كثيرة أحلام اليقظة وكلما تعرضت لقسوة الأهل هربت منها بأحلام وردية لفتاة بمقتبل العمر... قبل العشرين تعرضت لتجربة خطبة لم يكتب لها الاستمرار رغم رغبة الطرفين ومحاولاته المستميتة وذلك بسبب خلاف نشأ بين الوالدين لاحقا وأجبرنا على إنهاء المشروع في بداياته وحتى عندما تراجع والده عن حدة موقفه لم يقبل أبي إتمام الزواج
وكانت هذه صدمة كبيرة بالنسبة لي أدخلتني في دهاليز الاكتئاب المرضي قرابة العامين رغم عدم مراجعتي للعيادة أو تناولي لأي نوع من العلاجات حينها لكني انقطعت عن الجامعة وأفكار الموت كانت تسيطر علي غير أني أخشى التفكير في الانتحار لعاقبته لم أتلق أي نوع من الدعم الأسري آنذاك وكنت أقضي يومي كاملا بالغرفة أبكي وكن صديقاتي يخففن عني خاصة أقربهن لي حتى تجاوزت تلك الأزمة وعاودت مزاولة حياتي وأكملت تعليمي ثم تقدم لي أحد المعارف للأسرة وتمت الموافقة من كل الأطراف دونما سؤال عنه أو تقصي وانصدمت فورا بشخصيته الصعبة والفظة المسيطرة مع الجميع واستشعرت منذ البداية أنها ستكون عشرة مريرة لكني لم أستطع أن أتخذ قرارا بشأن ذلك لضعف شخصيتي من جهة ولأن أهلي كانوا يرونه عريسا مثاليا فرحون به ولكوني خارجة من تجربة فسخ أليمة لم أتخيل تكرارها تتالت الأحداث القاسية بزواجي لاحقا وتعرضت لأنواع من الإهانات والتحطيم والتجاهل الكامل والعنف الجسدي والنفسي والجنسي لسنوات طوال غيرت ملامح شخصيتي كثيرا
فأصبحت للآخرين (ظاهريا) أقرب للقوة من الضعف وللجفاف من الرومانسية واختفت تلك المشاعر الحالمة التي لازمتي طوال عمري لتحل محلها فقط أفكار التعايش والتكيف مع عقلية الزوج المتهورة ومحاولات تقليص الضرر علي وعلى الأطفال الناتج من تصرفاته المتكررة... ورغم أني كنت أصبر نفسي من أجل الأطفال لم أجد في الآخر مفرا من الطلاق خاصة بعدما صرت أصر عليه بأن نراجع المتخصصين للمساعدة وتم تشخيصه بـ narcissistic personality disorder اضطراب الشخصية النرجسية وكان بكل مرة يبدي تعاونا في البداية ورغبة في التغير على يد الطبيب النفسي ثم تعود حليمة ويقلب على المعالج وعلي..
وهكذا خرجت من تلك الزيجة التي دامت عقدين بقراري الشخصي المتأخر والذي دفعت له أثمانا ولا زلت أتعرض مع الأبناء لمحاولات الإيذاء منه بسبب قراري بالانفصال والذي لم يكن سهل الإجراءات بسب عدم تعاونه قانونيا ولا زلت معلقة منذ عامين... الخلاصة التي تعني المشكلة أنهيت جزءا عاصفا وطويلا من حياتي وبدأت أشعر بالهدوء والرضا بالنصيب والتركيز على الجوانب الإيجابية من الحياة حتى وإن وجدت المتاعب والتحديات ولم أحصل على الطلاق الرسمي..... وأهمها الانشغال مع رحلة الأمومة أكبر هدايا الله لي وعملي الذي أحبه....
المشكلة التي أكاتبكم بشأنها ابتدأت هنا.... بمجرد ما تركته مكانيا واستقليت عنه عادت بداخلي تلك الشخصية القديمة ولكن بملامح باهتة مهترئة.... عدت لأبكي على قصيدة حب أو أغنية عاطفية... وأشعر باحتياج نفسي كبير لوجود رجل في حياتي... يصعب علي تحجيمه ولأكون أكثر وضوحا أشعر بنفور مبالغ أثناء التعامل (حتى لو عابر) مع أي رجل فيه علامات القسوة التي عانيتها في والدي وشريكي السابق أو بوادر التهور العقلي الذي لمسته في شريكي.... ويلهب مشاعري الرجل الذي يحمل الحنية والكلمة الطيبة والتقدير لي مع اتزان العقل ورجاحته (مثل خطيبي الأول الذي ذهب لحال سبيله وأظنني نسيته فعليا ولا أعتقد أني أحبه غير أني لازلت أتألم من الموضوع فقد بكيت بجهاشة عندما استحضرت ذكرى الفسخ القسري بيننا في كتابة المشكلة لكم).... الحاجة صارت ماسة لا أعني الرغبة بالدخول في علاقات غير مشروعة (لازلت متزوجة ورقيا) وإنما مجرد تواجد مثل ذلك الرجل في حياتي... شعور يحسسني بالأمان وبأن الدنيا لازالت بخير... ويلون الحياة جمالا.... بحكم التواصلات الحياتية اقتربت مرتين من شخصيتين ينطبق عليهما ما ذكرته.... مرة العام السابق وانتهى التواصل بحكم الظروف..
والآن مرة أخرى مع أحد الزملاء (أرجو عدم ذكر ذلك أيضا)....... لم تتجاوز العلاقة في المرتين الحدود المقبولة ظاهريا لكن بداخلي براكين من العواطف والأحاسيس المتعلقة خاصة هذه المرة التي توفرت فيها كل عناصر التكافؤ الشخصي والفكري والعلمي والديني مع وجود ارتياح نفسي متبادل ملحوظ... أشعر بتعلق شديد وعدت كأني مراهقة يخضني مجرد كلمة أو رؤية اسم رغم جدية الطرف الآخر وعدم تجاوزه لأي شيء من قيود العرف والدين والمجتمع (في نظره أنا امرأة متزوجة) وربما كان ارتياحه يندرج في رأسه تحت تصنيف الأخوة والزمالة المتناغمة لا أكثر.... وأظنه مرتبطا بل هو كذلك لا شك.... ولا أود التسبب له ببلبلة في حياته ولا أقبل كذلك أن أدخل في علاقات ظلامية شائكة تعارض مبادئي... ولكني غير قادرة على السيطرة على هذه المشاعر المتنامية التي تسكنني ليل نهار لا تبارح خيالي وأحيانا على هيئة أحلام وردية كتلك التي كانت لا تفارقني وأنا أفتح الكتاب للمذاكرة أيام المراهقة...
ولا أعلم هل هي نوع من الوساوس مع العلم بأني لست موسوسة في غير ذلك.. أم هي تبعات ما كنت أسمعه سابقا من اتهامات فاحشة لي وشكوك وقذف من الشريك السابق دون مبرر ثم تتضح خياناته بالخفاء رغم ما يدعيه من الفضيلة أم هي تراكمات حرمان السنين التي ظهرت في هذا العمر بعد ما خف منسوب التوتر داخل حياتي بالانفصال.... علما بأن علاقتي حاليا بأهلي طيبة للغاية بعد استقلالي لكني لا زلت أتعرض منهم للخذلان أحيانا ولهم ظروف وأعذار ولكني أتألم لذلك وإن كانت بالمجمل علاقتنا جيدة وأزورهم باستمرار غير أني أشعر بعدم الأمان بجانبهم دائما.. بل الوحدة تشعرني بأمان أكثر من التواجد بينهم... المشكلة هذه (التعلق برجل ليس لي) صارت نوعا ما تشل حياتي مؤخرا وبصراحة تؤثر على عطاءاتي المختلفة بالبيت والعمل..... أشعر بأني مراهقة!
بحاجة لمساعدتكم في اتخاذ الوجهة الأفضل في التفكير علما بأني راجعت مرتين معالجة نفسية
ولم أستطع أن أبوح لها بهذه النقطة (ميلاني العاطفي)
شعرت بصعوبة بالغة في الاعتراف بها وسط مجتمعي.....
ولكم خالص التحية والتقدير..
10/5/2019
رد المستشار
شكرا على رسالتك أيتها السائلة الكريمة. أتمنى أن تجدي في ردي عليك ما يفيدك.
أعتقد مما ذكرت بأنك تعين الصحيح والخطأ جيدا، لكني سأنصحك بما تعرفين على أية حال. من الأفضل إذا راجعت معالجة نفسية أن تبوحي لها بمكنون صدرك وبالسبب الحقيقي وراء مجيئك عيادتها. الالتفاف حول النقطة الأخيرة (مشاعرك "المستحيلة" تجاه رجل ليس لك) لن يفيدك. لم تكوني واضحة في تحديد موقفك في علاقة الزواج حاليا. هل الابتعاد مكانيا يعني الانفصال المتفق عليه؟ هل اتفقتما على الطلاق؟ هل وعدك زوجك بهذا أم أنك بالنسبة له "غاضبة في بيت أهلك" كما يقال؟
المشكلة حاليا ليست في المشاعر فما هي إلا انعكاس لجوع عاطفي استمر سنوات، وظهر هذا الانعكاس بمجرد أن تنفست بعيدا عن زوجك. هي مرحلة فيها تضارب وعدم استقرار في المشاعر لن تلبث أن تهدأ إذا كنت واعية لها. من الأفضل عدم الدخول في أي علاقات حاليا سواء مع رجال ليسو لك أو من الممكن أن يكونوا لك.
ناهيك عن أنك لم تتخلصي من زواجك بشكل رسمي وهذا مما يفرض عليك التزامات أخلاقية ومجتمعية، أنت بالفعل بحاجة إلى ترميم نفسك وعلاقاتك الأسرية ومشاعرك وأفكارك تجاه كل شيء وهذا الترميم لن يقوم به رجل ولست بحاجة إلى رجل ليفعل لك ذلك. إنما أنت وحدك من ستفعلين ذلك بعدما تقررين موقفك في الزواج. حينها وحينها فقط، تستطيعين مواصلة البحث عن شريك آخر إذا أردت متجنبة أخطاء الماضي ومستفيدة من دروسه.
واقرئي أيضا :
لا أجد الراحة في زواجي وأريد الطلاق!!
اضطراب الشخصية النرجسية
شكرا لك وتابعينا بأخبارك.
التعليق: عزيزتي د أسماء
شكرا لك ردك
إجابات الأسئلة
لا يوجد اتفاق بشأن شيء لأنه رفض تطليقي وعندها شرعت برفع خلع بالمحكمة فلم يحضر الجلسات وعلمنا مؤخرا أنه قد هجر البلد لأمريكا بحثا عن عمل ليستقر فيها حيث لديه جواز لكونه مولودا هناك ولا أعلم حتى الآن مصيري قانونيا ولكن تم إخباري أن القضية في مثل هذه الحالة تطول بالسنوات ما لم يعد بنفسه
نعم أعلم الصواب والخطأ لكني غير قادرة على منع نفسي من التعلق الزائد فهل من نصائح تسعفني للتعايش مع الوضع الحالي المعقد؟
أشكركم مجددا