السعودية
أنا الأخت الوُسطَى، ولي أخت تَكبرُنِي بِعَامَيْن. لطالما نَالَت هي اهتمام أُمِّي الأكبر والقسم الكبير من المَدِيح، لطالما كانت هي كل ما تَفتَخِرُ به أُمِّي وتتباهى به أمام الناس. وعلى الطرف الآخر كنت أنا.
كي لا أُطِيلَ الكلام، منذ طفولتي وأنا أشعر بداخلي كَمْ أنَّها تُمَيِّزُها عَنِّي، ولكن حين كَبِرت رضيت بالأمر والواقع وتَقَبَّلْتُه.
لأضعكم في الصورة، أنا شخصِيَّتِي قوية جدًّا وأُحدِثُ فَرقًا في مجتمعي، ولكنِّي في البيت أشعر بأنَّنِي بِنِصف قيمة. خلال مرحلة الثانوية واجهت مشاكلًا بسبب صديقة لي خانتني بطريقة بَشِعَة، وأصدقائي الباقون انضَمُّوا لصَفِّها مِمَّا جَعَلَنِي شخصًا وحيدًا لفترة من الزمن.
تزّوَّجت أختي وسافرت، ولكنها تبقى اهتمام أُمِّي الأول. أحيانًا أتمنَّى لو لم يَكُن لي وجود، لأنني تَعِبْت من كَوْنِي أُعانِي 23 سنة من التَّمْيِيز، وأنا بِطَبْعِي إنسان كَتُوم جدًّا وِلِأَبْعَد حَدّ، لا أحد يعرف بمشاكلي التي مَرَرتُ بها خلال الثانوية، ولا أحد يعرف أنَّنِي أُعَانِي من تمييز أختي الكُبرى على حسابي.
والمشكلة لم تكن أختي الكبرى قط، بل كانت أمي. كُلُّ من حولي يعرفون قُوَّة شخصيتي إلَّا هي،
في كل مرة ترى مني شيئًا جَرِيئًا تتفاجأ وكأنَّها لا تعرفني، هذا لأنها دائمًا ترى الكبرى بِعَيْن الفخر وتَرَاني أنا كَبِنْتِها الوُسطى فقط.
8/5/2021
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بكِ يا "هالة" على موقع مجانين للصحة النفسية.
سأبدأ بجُملَتِك هاته "في كل مَرَّة ترى مني شيئًا جريئًا تتفاجأ وكأنها لا تعرفني، هذا لأنَّها دائمًا ترى الكبرى بعين الفخر وتَرَانِي أنا كابنتها الوسطى فقط" وارتباطها بتصريح قبله "وأنا بِطَبْعِي إنسان كتوم جدًّا ولِأَبعد حَدّ". ألا تَرِين معي أنّك إن أقفلت على نفسك عالَمك الداخلي ولم تُشاطِرِيه مع أحد (حتى مع أمّك) فأنت تَبنِين جِدَارًا سَمِيكًا بينك وبينها، ولا تُعرّفينها بما تريدين أن تعرف منك، وتنتظرين منها أن تكتشف البنت الوسطى (تلك الجوهرة المُغَبَّرَة)؟! أليس هذا ما تقومين به بشكل أو آخر؟
أنا لا أقول أنّ أمك لا تُميِّز أختك عليك، فهذا للأسف موجود كثيرًا في الأسر، وأزيدك شيئًا حيث يقوم الآباء بأشياء مؤذية جدّا ولا يشعرون أنّهم يفعلونها. وهناك نموذج أَسْوَء وهو الذي يرى أنّ أفعاله لا تؤذي من الأساس ولا يحتاج أن ينتبه لها. لكن بعيدًا عن تمييز أمّك لأختك الكبرى ومَيلِها لِأَوِّل طفل رُزقت به (ربما لأنك لم تذكري هل هناك إخوة قبلها)، وكما قلتِ أنتِ فقد كانت أمّك وليس أختك، مِمَّا يعني أنّها أعانت أمّك في مهمة الأمومة الثقيلة وخفّفت عنها ووضعت بصمتها في حياة أمّك. امتنانها وإن كانت تُعبّر عنه بطريقة مُبالغ فيها، فهو مشروع من جِهَة. لذا تساؤلي هنا هل التمييز يبقى في حَدّ الفخر بها وعدم الفخر بك؟ أم أنّها تُمَيِّزُها وتُفَضِّلُها، وتُسِيء لك وتَحتَقِرك؟
إن كانت الثانية فإفادتك تبدو بعيدة عن هذه الحالة، خصوصًا لما تقولين أنها "تتفاجأ" أي أنّها أُمّ لا تعرف عن بنتها الكثير! وهذا الوضع أنت من اخترته بِوَعْي أو لاوَعْي، مع عدم محاولتها لِفَهْمِك أكثر. أمَّا لو كانت الحالة الأولى وهي الأكثر توافقا مع إفادتك وطريقة طَرْحِك للمشكل، فهي مخطئة مجددًّا لأنَّها لم تحاول أن تنظر لمميزاتك وإنجازاتك وتَمْدَحُك كَمَا قد تضع اللقمة في ابنتها الكبرى والصغرى معًا دون تمييز أو ظلم.
وأفترض أن مُشكِل الكتمان يزداد عندك إذا اقترن بمشاعر الاسْتِيَاء والإحباط من أمّك، فأمّك لا تفهمك ولن تفهمك، ولذا لن تُحَدِّثِيها ولن تَنْفَتِحي عليها، وربما لن تخبريها بشيء من إنجازاتك وطموحاتك لأنك ستتَأَذِّين من رَدّة فعلها اللامُبَالِيَة أو "اللافخورة" كما تُلاحظينها منها فيما يَخُصّ أختك. لكن الكتمان يَخلُق عائِقًا تَوَاصُلِيًّا كبيرًا، والآباء مثلهم مثل سائر البشر يتفاعلون مع الشخصيات ويتصرفون بشكل مختلف مع كل شخصية. ماذا لو كانت أمّك تشعر هي بالإقصاء منك وعدم فَتحِ قلبك لها، ومن ثمّ فهي تَبْتَعد وتقول على أقل تقدير "لِأَدَعَها وشأنها كما تُريد"؟ ماذا لو لاحظْتِ أختك الكبرى كيف تتصرف معها وتُحدّثها، لا لتكوني نسخة طبق الأصل منها ولكن لتفهمي علاقة أمّك معها بعيدا عن فكرة "هي مصدر فخرها وفقط"؟ ثم ماذا لو حدّثت أمّك في موضوع التَّمييز والتفاخر بأختك أمام الأسرة دائمًا وأبدًا؟ فأنت قُلتِ أنَّك قد أَلِفْتِ الوضع وتأقلمت، فلن تخسري شيئًا إن حَدَّثت أمّك بطريقة هادئة ومُؤدَّبَة عن وضعك وإحباطك وتمييزها لمدة سنوات. ربما ستتفاجئين أنت من تفاجئها من نظرتك، ولا على بالها أنّك كنت مُتَضَرِّرَة أو أنّها كانت تقوم بذلك من الأساس، وقد تكون مُستَعِدَّة لتغير بعض سلوكاتها بعد أن عرفت أنّها تؤذيك.
واحذري من لَعِب دور المَكْلُومَة المُحبَطَة الكَتُومة التي تختبر الآخرين بمدى فهمهم لمشاعرها وقُربِها بمجرد التَّرَقُّب والانتظار منهم والتَّطَلُّع لمُبادَرَاتِهم، بَدَل أن تقوم هي بالمبادرة والحديث والانفتاح والنِّقاش.... إلخ.
أتمنى أن تُعِيدي تأمُّل كل هذه النقاط، وأن تكوني أكثر انفتاحًا وقدرةً على الحوار داخل أسرتك. مع عدم الانتظار التقدير الدائم من هذه الأسرة، فمَصَادر التقدير مختلفة وكثيرة، وإن كان المصدر الأبوي مهمّ لكننا لن ننتظر ثمارًا من شجرة لا تُثمر.
بالتوفيق.