غير مُحَدَّد
أنا من صِغَرِي (من صَفّ رابع) كنت أُعانِي من تَنَمُّر من الأطفال بِصَفِّي. أنا كنت طالبة جديدة على المدرسة، والمدرسة أصلً كانت جديدة، فحاولت أَعمِل صداقات، وكان كل شيء جيد بالبداية، لين ما فجأة عِدد من البنات (المَشْهُورَات) بالفصل قرَّرُوا يتنَمَّرُوا عليَّ، وكالعادة الحَشْد يتبَعُهُم. تنَمَّرُوا علَيَّ بِعِدَّة نواحي طفولية، واللِّي حَسَبت إنَّها ما رَاح تِضُرُّني ولكن طِلِع عكس توقعاتي، ومِن اللِّي عانيت مِنُّه: التجاهل، الإساءة الكلامية (ليست شتيمة)، إكراه بالنفس أو تصغير النفس، وهكذا، ويحاولون يِخَلُّوني أنا الخطأ بِكُلِّ اللِّي صار بدون سبب يوم كنت أسأل عن سبب اللِّي يَسَوُّوه فيني.
أنا كنت فاهمة الأشياء اللِّي تِصِير لي، بس قلت أكيد هذي تقَلُّبات بناتِيَّة، وأجبرت نفسي أصادِق البنات (حتَّى المُتَنَمِّرَات) لأنِّي ما كنت أَبْغِي أكون وحيدة. وهذا الشيء عرَّضْنِي لمشاكل أكثر.
والصراحة ما أذكر متى توَقَّف التَّنَمُّر كُلِّيًّا، بس أذكر إنِّي سألت واحدة من المُتَنَمِّرَات "ليش؟" فَحَطَّت اللُّوم على صديقتها، وإنَّها هِيَّا اللِّي كانت تأمُرُهم على هذي الأشياء (صديقتها طلعت من المدرسة قبل ما أسأل هذا السؤال). بس حتى لو كانت صديقتها السبب بكل اللِّي صار لي ما فَكَّرت تعتذر لي! المشكلة الكل يُحِبّ هذي البنت، وأنا الصراحة ما ضَلَّت عندي مشاعر عَدَاوَة لها، بس ليش سَوَّت كل هذا؟! ليش ما اعتذرت؟ ليش؟
أتذكَّر أنِّي كنت أَبِي أثبت حُبّ البنات لي بأي طريقة عشان ما أكون وحيدة. حاولت أَكُون غير طبيعتي (وحَسِّيت إنِّي سطحِيَّة). واللِّي خَلَّا حالتي أسوأ إنِّي صِرْت غير اجتماعية وعندي توَتُّر ورُهاب اجتماعي. كان دوري في الإذاعة المدرسية "مُنشِدَة"، وعندما كنت أًنشِدُ من الخوف أُعدِمْتُ رُؤيَتِي، ومع ذلك استَمْرَرت، ولكن لا أعلم ما كان يَحْدُث حَقًّا. ومن هناك بدأت أظُنُّ وأَشُكُّ بالناس، وأُحِسُّ بالخلاء. صِرْتُ أنام وَايِد ما فِينِي طاقة، وصُعوبة بالكلام أحيانًا. وسلوك جنسي (لكن صِرْت أَقَوِّمُه، وإن شاء الله بتخَطَّاه).
وما عندي أصدقاء بالمدرسة مع أنَّ التنَمُّر توَقُّف، مع إهمال دراسي كامل، وليس عندي نِيَّة للدراسة، وأُحِسُّ أنَّها تزيد وتَخِفُّ مع الوقت، وكسل وخُمُول شديد، وتَقَلُّب في المِزَاج. وزادت الأَعْرَاض بعد وفاة بعض من أحبابنا، ونَدَمِي على بعض الاشياء العَالِقَة بيني وبينهم الله يرحمهم. ومشاعر مُقرفَة بالعُموم. صِرْت ما أَحِبّ أكون بروحي، أخاف يجيني شعور الوحدة، وما أعرف شو أَسَوِّي عشان جَيْ.
أَبِي مساعدة، أَبْغِي أَحَد يعرف شو فيني، وأَبْغِي حلول نهائية لها. أريد أن أكون سعيدة.
وآسفة على الإطالة والبَعْثَرَة؛ فقد ترَاكَمَت الأشياء وخَرَجَت في نفس الوقت.
28/6/2021
رد المستشار
عزيزتي "مزمز"، خطوة رائعة منكِ رغبتكِ في وَضْعِ الكلمات على السطور، والنقاط على الحروف لتستقيم الأمور وتَوْضَحَ الرؤية. وطَلَبُ المساعدة ولو بالنصيحة أوَّل خطوة.
بالنسبة لموضوع التَّنَمُّر فهو للأسف من الأمور الشائعة جدًّا في بعض المدارس، ويُسهِمُ في انتشارها عَدَم إِدرَاك الكادِر التعليمي أو عدم رغبتهم في معرفة ما يحدث.
ولِسُوء الحَظِّ فإنَّ أَثَر التَّنَمُّر على الأطفال والمراهقين له آثار عميقة على الصحة العقلية، والتي تمتَدُّ إلى ما وراء الضحية إلى المُتَفَرِّجين الذين يشهَدُونَها والمُتَنَمِّرِين أنفسهم.
وهو شكل من أشكال "عنف الشباب" تجاه الضحية التي تَنطَوِي على سلوك عُدوَانِي غير مَرغُوب فيه من المُتَنَمِّر. ودائمًا هناك خَلَل في تَوَازُن القوة، ما يَخلُق الضحية والمُعتَدِي _سواء كان مُتصَوَّرًا أو فِعلِيًّا_ كالوضع الاجتماعي أو الثَّرْوَة أو القوة الجسدية أو الحجم أو كما ذَكَرت "الشُّهْرَة الاجتماعية".
يمكن أن يتَكَرَّر التَّنَمُّر على مدى فترات زمنية طويلة كما حدث معكِ لدرجة لم تستطيعي استذكار متى توَقَّف، وهذا بالتالي يُؤدِّي إلى ضَرَر جسدي أو نفسي أو اجتماعي أو تعليمي، ومرة أخرى هذا ما وَصَفْتِه بشكل دقيق في رسالتك.
الأطفال والمراهقون الذين يتعَرَّضُون للتَّنَمُّر أكثر عُرضَة للإصابة بالاكتئاب والقلق، وأحيانًا الضَّرَر طويل الأَمَد بتقدير الذَّات، فتُصبِحُ نظرَتَهُم دُونِيَّة لِذَاتِهِم، وغالبًا ما يَشعُر الضحايا بالوحدة.
وينقَسِم هنا ضحايا التَّنَمُّر إلى فئتين:
الأولى تُبَلِّغ عن التنمر، وتُدافِع عن نفسها. وهؤلاء يَرْتَفِع عندهم تقدير الذات، ولا يصابون باضطرابات نفسية.
أمَّا الفئة الثانية، والتي بَقِيَت صامِتة تحت تأثير الخوف من الأذى الجسدي أو النفسي، فَهُم من تَظْهَر لديهم التأثيرات النفسية لاحقًا،كزيادة مُعَدَّلات الاكتئاب والقلق والاضطرابات السلوكية.
المشكلة هنا تتكَوَّن من شِقَّيْن للتبسيط فقط، فالشِّقُّ الأول هو مَشاكِلُك الحالية، وما تَشعُرِين به من أعراض الاكتئاب من عُزلَة وخُمُول وتَقَلُّب المِزَاج و"مَشاعِر مُقرِفَة"، والقلق مَقرُونًا بتَدَنِّي تقدير الذات، فأَنْتَجَ لديكِ الرهاب الاجتماعي.
كل هذا في الشِّقِّ الأول هو نِتَاج تَرَاكُمَات الإيذاء والضغط النفسي الذي تحَوَّل إلى سُمومِيَّة أو تَسَمُّم نفسي، خصوصًا أنَّه استَمَرَّ في الحدوث عامًا بعد عام وأنتِ لا تفعلين شيئًا لإيقافه، بل تُحَطِّمين نفسك أكثر وأكثر بمحاولتك أن تكوني مِثلَهُم ومعهم.
ولهذا الشِّقِّ أعتقد أنَّه من الأفضل أن تبدئي المِشوَار تحت إشراف مُختَصّ حتى ولو كان في البداية، فأنتِ بحاجة لِتَرْمِيم الأساس وهو حُبُّكِ وتقديرك لذاتك، بحاجة لِمَن يساعدك حتى تتَعَرَّفِي على نفسك وتَكْتَفِي بنفسك، حتى تستطيعي تجاوز حَجَر عَثْرَة وتُحِبِّي نفسك ولا تَربُطِي سعادتك بوجود أحد حولك، فأنتِ كافية.
بعدها تأتي مرحلة علاج التأثيرات الأخرى، وهي الاكتئاب والقلق والرهاب. وعلى أغلب الظَّنِّ إذا استقام الأساس لن تحتاجي لعلاجهم.
الشِّقِّ الثاني من موضوع التنمر وآثاره هي البعيدة. ما بعد الآن يمكن أن تستمر هذه الآثار إنْ لم تُعالَج إلى مراحل البلوغ، وعندها قد يكونون في نفس وَضْعِ الضحية ويتعَرَّضُون للإساءة من شريكهم، أو قد يُمارَس الضحية دَوْر المُعتَدِي على من هم أقل حَوْلًا وقُوَّة في أُسرَتِه كالأطفال.
لذا عزيزتي، أنا أؤمن بأنَّ فَهْمَ ما نحن فيه تَمْكِين، وكأنِّي أَضَعُ في يدك المفتاح وأُرِيكِ الباب، لذلك حاولت شرح ما مررت به، وسأُعِيدُه مُلَخَّصًا لِتَجْمَعيه في عقلك وتَسْتَوْعَبِيه.
تعَرَّضْتِ للتنمر في سن صغيرة، لم تلجَئي لِأَحد، وفي سبيل ألَّا تكوني وحيدة حاولتي الاندماج، والاندماج مع مُعتَدِي يعني رُضُوخ، والرُّضُوخ يعني كَسْرَ كِبْرِيَائِك وأجزاء من نفسك. واستَمَرَّ التَّنَمُّر، واسْتَمْرَرْتِ أنتِ في مَحْوِ أجزاء من شخصيتك ومَلامِحِك حتى تتَمَوَّهِي معهم، فإمَّا يَقْبَلُونَك مَعَهُم أو لا يَرُونَكِ. في خِضَمِّ هذا كله في داخلك لَوْمٌ دائم لنفسك وتحميل بالذنب. وتحاولين التَّأَقْلُم والهروب من الواقع، ولكن كل هذا لم يُغَيِّر شيئًا، بَقِيَت الضَّحِيَّة التي هي أنتِ ضَحِيَّة، وبَقِيَت المُعتَدِيَة كما هي معتدية.
تسألين لماذا أنتِ؟ ولماذا لم تعتذر؟
السؤال الأول جيد، وفي إجابته طريقك للتعديل. عادَةً يختار المُعتَدُون ضحاياهم بصفات معينة، فمَثَلًا رُبَّما كُنتِي:
* متفوقة أو اجتماعية، مُلفِتَة، جميلة.
* أو كُنتِي من الأطفال الانطوائيون أو القَلِقِين أو الخاضِعين لِمَن حولهم.
* مهاراتك الاجتماعية لم تَكُن قوية.
* مُختَلِفَة عنهم.
* أو لغة الجسد لديكِ تَدْعُو المُعتَدِي.
ابحثي في الأسباب، ابتَهِجِي بالجَيِّد منها، وحاولي تَقْوِيَة الضعيف منها.
السؤال الثاني: لماذا لم تعتذر؟
لأنَّها رُبَّما لم تَرَ خَلَلًا فيما تعمله أو قامَت به، فهي لديها رؤيتها المُختَلَّة للأمور، وإلَّا ما قامت به من الأساس.
وفي الختام، اطلُبِي المساعدة؛ فآثار التَّنَمُّر لا تَزُول بمُجَرَّد تَوَقُّفِه أو أنَّنا كَبِرْنا. لازِلتِ صغيرة، وأمامك الكثير من الفرح والألوان المُبهِجَة في حياتك. امسحي آثارهم وامْضِي.