السلام عليكم
أنا فتاة أجدُ نفسي قلقةً وداخلة في حالة اكتئابٍ، أعاني من مخاوف كثيرة ورهاب وضَعف الثقة في النفس، ومِن ثَمَّ أجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرارات، وخصوصًا المصيرية؛ مثل الزواج.
في صغري كنتُ أتجنَّب أي محادثة عن الزواج؛ نظرًا لقلة خبرتي وخوفي، وربما خَجلي، وأيضًا لبُغضي الرجالَ نظرًا لطبيعة طفولتي فقد كنت أضرب من أبي ومن أخي لأنهم رجال ولا استطيع أن أضربهم لأنهم رجال، وبقيتُ هكذا حتى كبرتُ، ولأني أقرأُ كثيرًا فقد تيقَّنتُ أن فكرة تعميم كُره الرجال فكرة خاطئة، ولم أعُد أفكِّر فيها، لكن شعوري تُجاه الزواج لم يتغيَّر، ومِن ثَمَّ لم أرغَب في الزواج، ولم أَمِلْ إلى الرجال أو الإنجاب، واتخذتُ قرارًا مُفادُه عدم الزواج، خاصة بعد أن أحببتُ مجالَ دراستي وبنيتُ عليه خُطط حياتي!
مرَّت الأيام ولم تَسر كما كنتُ أخطِّط لها؛ إذ تقدَّم لخِطبتي الكثير، وبعد كل رفضٍ بدأتُ أشعُر من أهلي وممن حولي أني لستُ طبيعية لعدم رغبتي في الزواج، فأرسلتُ استشارات إلى المواقع المختصة التي أعرِفها، واتصلتُ على الجمعيات التي قد تساعدني في حل مشكلتي، ورُحتُ أقرأ المنشورات والمقالات التي لها علاقة بمشكلتي.
أعلم أن الزواج فطرة، وأمرٌ مطلوب دينيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، لكن لا أجد نفسي تقبَله، ومع مرور الوقت تقدَّم إليَّ رجل من أقاربي، فوافقتُ عليه، وبعد مدة غير طويلة وجدتُ أني قد اقترفتُ خطأً في حق نفسي بالموافقة وأنا ليس لدي رغبة في الزواج! والآن أشعر بقلقٍ كبير، وأهلي وأقاربي يعرفون ذلك جيدًا، وأشعر أنْ لا فرصة لدي كي أتراجع، خصوصًا أن الخاطب لا يُعوَّض، وبه مميزات كثيرة، وأنا لا أريد أن أظلِم نفسي ولا غيري!
ماذا أفعل؟! هل أستمر وأنا لستُ متقبلةً ومستعدة نفسيًّا؟!
أرشدوني جزاكم الله خيرًا.
04/07/2021
رد المستشار
الابنة السائلة:
أدمغتنا تعمل بطريقة الاستجابة للأحداث والمؤثرات الواقعة علينا وخاصة في مرحلة الطفولة.
يضربك أبوك مرات متكررة، وكذلك أخوك، والتربية بالضرب محض نقص وغباء، ولا علاقة للغباء بذكورة، ولا أنوثة، وإن شاع أكثر في ثقافتنا أن يضرب الأب تهذيبا وتأديبا، ولا أدري مبررا، ولا منطقا سويا له أن يضرب ابنته فضلا عن أن يضربك أخوك!!
المهم أن دماغك تنشأ فيه فكرة أن الرجال شر، وحيث أن الزواج اقتران برجل يصبح الزواج مرفوضا تجنبا للشر والألم الذي قرر دماغك - بشكل مبكر - أنه سيحصل لك إذا تزوجت. وقد يكون دماغك قد ربط أو فسر ضرب أبيك لك بأنه يكرهك، وهذا مما يزيد الطين بلة.
هذا الجانب الذي تكون بداخلك، وهذا المعمار الذي يحتل جزءا من دماغك هو الذي يحركك حاليا باتجاه العزوف عن الزواج، وهو محض قصص، وتشابكات وملابسات تحولت تدريجيا إلى معتقدات وحقائق، وهي ليست حقائق، وهي ليست حقيقتك الإنسانية، ولا أصل فطرتك، ولا هي صوت حكمتك، ولا نضجك، ولكن هذا الجزء يبدو مسيطرا، هذا الجانب الذي تعرفين كيف تشكل هو ما يتحكم، ويقود مسار حياتك، ويتغلب على محاولاتك ونصائح من حولك، وعلى أصوات أخرى بداخلك يعلو صوت الرفض والنفور، وربما يتضمن تحديا لرغبة أبيك!!
والعلاجات النفسية، وبعض مناهج وطرق التنمية البشرية والتطوير الذاتي تعمد إلى هذا المعمار الدفاعي، وتعمل عليه بهدف تفكيكه، وزحزحته لتعود الأفكار والقصص والذكريات إلى حجمها، وإلى كونها مجرد أفكار، وقصص، وذكريات لا حقائق تنبني عليها قرارات مصيرية.
مجرد القراءة أو الاعتماد على الاقتناع الذهني لا يكفيان للتعامل مع الصدمات القديمة، والمخططات الدماغية العميقة، ولا أعرف أنواع العلاج المتاحة عندك، ولكن يلزمك البحث والتقصي بحثا عن التعافي من أوهام الماضي التي تحولت إلى كوابح وأسس تحكم حياتك.
وحتى يحدث هذا تحتاجين إلى تدريب تحويلي لدماغك في التعامل مع هذه الأفكار بتكرار تأكيد أنها محض قصص وتشابكات!!
أما بشأن قريبك فهو يمكن أن يكون عاملا علاجيا مساعدا شريطة أن يعرف ويقبل، ووجوده فرصة إيجابية. وأنا لا أعرف مستوى وعيه ومرونته، وماذا يتوقع ويقبل، ولكن من حقك، ومن حقه، ومن واجبك مصارحته لتبديد أي غموض يتعلق بتصرفاتك، وردود أفعالك، وانفعالاتك.
الاستمرار في إجراءات الزواج ممكن شريطة تأسيسه على الشفافية بشأن أمور وقعت لك مع عدم قدرتك على منعها في حينه، وعن مسؤوليتك الحالية عن التعامل مع أثارها، وما تركت في نفسك من تفاعلات، وما نتج عنها من قرارات ومناقشات بداخلك.
الاحتمالات الأخرى غير الاستمرار مع المصارحة ستكون أسوأ -في تقديري– سواء اخترنا الفراق والانفصال، أو اخترنا الاستمرار دون شفافية، أهلا بك دائما، وتابعينا بأخبارك.