السلام عليكم، تحيَّة طيبة، وبعد
سيدي الفاضل/ سيدتي الفاضلة، أرجو أن يتَّسِع صدركم للاستماع إلى مشكلتي، وأن تساعدوني في حلِّها، فأنا في أمسِّ الحاجة إلى مَن يستمع لي ويساعدني في الخروج مِمَّا أنا فيه من ضعف وإحساس بالهوان والوَحْدة، والذُّل، وعدم الشعور بأيِّ لذة أو طعمٍ للحياة، فالأيام كلُّها عندي سواء، لا.. آسفة، فبعض الأيام عندي أكون غير سعيدة ومكتئبة، وهذا هو الطبيعيُّ لشكل حياتي الآن، ولكنْ هناك أيَّام أكون أكثرَ كآبة وحزنًا وهَمًّا، وهذه الأيام هي الأغلب في حياتي،
فأنا لا أعرف ما هي السعادة وما الَّذي يُمكن أن يسعدني؟ ولا أستطيع أن أضع لنفسي أملاً بأنَّ المستقبل سيكون أفضل لكي أعمل لهذا الأمل!
أنا فتاة عمري 27 عامًا، خريجة كلية تجارة قسم اللُّغة الإنجليزية، أتَمتَّع بقدْر من الجمال، ولكنِّي لا أرى ذلك، ولكن من حولي يَصِفونني بأنَّني على قدْرٍ عالٍ من الجاذبية في المظهر والبِنْية الجسمانيَّة، فكثيرٌ مِمَّن حولي يشيدون بِجمال قوامي أو جسدي، ولكني لا أرى أيَّ شيء مِمَّا يقولون، فأنا أشعر بعدم الثِّقة تمامًا بنفسي، وأشعر بالخجل دائمًا عندما أتحدَّث مع الغرباء، وخصوصًا الجنس الآخَر، ولكن في نفس الوقت مَن يتعامل معي ومنذ بداية التعامل، يقول: إنَّني ذات شخصيَّة قوية، وأحيانًا يسيئون فهمي، ويقولون: أنَّني أُحِبُّ السَّيطرة والتحكُّم، وأنَّني مغرورة ومتكبِّرة.
عانيت كثيرًا في جميع مَجالات الحياة: لقد عانيت أثناء الدِّراسة من عدم إحساسي بأن هناك مَن يُحِبُّنِي، فكنت دائمًا وحيدة، فلقد كانت لي معارف كثيرة، نعَم، ولكن كما يقولون: "من بعيد لبعيد"، ولكن حينما أريد الاقتراب أكثر، والاختلاط بِهم، والتقرُّب منهم، فلا أحظى بالتَّرحيب منهم، وأشعر بأنَّهم يتهرَّبون منِّي، وأشعر أنني ثقيلة عليهم، وهذا يحدث معي في كل علاقاتي الجديدة مع الناس، وأخيرًا اكتشفتُ شيئًا آخر وهو أنَّني عندما أجلس في أيِّ جماعة - وخصوصًا إن كانت جماعة جديدة - لا أجد ما أتحدَّث به، وفي النهاية تتكوَّن علاقات صداقة قويَّة بين أفراد هذه المجموعة، وأخرج أنا بلا أيِّ صديق، وأشعر أنني أتطفَّل على هذه المجموعة لفترة، ثُم ألجأ إلى الأخرى لفترة أخرى، ولكني لا أجد السعادة هنا أو هناك.
وأجد نفسي وحيدةً وغير مرغوب فِيَّ، فأنا أرى نفسي من أكثر الناس سوءَ حظٍّ، وبِرَغم مؤهلي العالي والمتميز كما يراه كثيرٌ من الناس، فلم أحْظَ بِفُرصة عمل مناسبة، بينما يعمل غيري - مِمَّن يحملون مثل هذه الشهادة - في البنوك وشركات الملاحة، والشركات الاستثماريَّة، ويتقاضَوْن الرّواتب الضخمة بآلاف الجنيهات منذ بداية تعيينِهم،
أمَّا أنا فلم أحْظَ بأيٍّ من تلك الفرص، ولا حتَّى ربعها، رغم أنَّني أفنيت جهدي في مُحاولات البحث عن عمل، ورضيتُ بأقلِّ القليل، فلك أن تتخيَّل أنَّني عَمِلْتُ في معرض سيارات بمبلغ 750 جنيهًا، وذهبت لطلب العمل في مكان ناءٍ جدًّا، يبعد عن بيتي بأكثر من ساعة، وقال: إن الرَّاتِب 750 جنيهًا، وهذا غيْر المواصلات التي كانت ستأكل ثلاثة أرباع هذا الرَّاتب، ووافقتُ لكي أغيِّر جوَّ المَنْزل، وأشعر بالحياة العمَليَّة، ولكن بعد ذلك أصبح صاحب العمل هو الذي يتهرَّب منِّي، وما إلى ذلك من مُحاولات البحث الفاشلة التي أشعرَتْني بأنَّني أهدرت كرامتي دون جَدْوى.
وظَلِلْتُ في مُحاولات البحث إلى أن التحَقْت بعملٍ خاصٍّ في البداية، وظللت فيه لِمُدَّة عام، وكان المدير يُشِيد بأنَّني جيِّدة ومتفوِّقة، وكما يقول: "مُخِّي نظيف، ولو اجتهَدْتُ سأصير جيدة جدًّا"، ولكن ينقصني الالتزام، ولكني لا أخفي عليك يا سيدي فإنَّ ما يَجْعلني غير ملتزمة هو أنَّ علاقاتي الاجتماعية في هذا العمل أيضًا كانت فاشلة، مثلها مثل كلِّ علاقاتي على مستوى حياتي، لكن اسمح لي أن أقول بأنَّ أسوأ مرحلةٍ مرَّت عليَّ بالنسبة لعلاقاتي الاجتماعية كانت وأنا في العام الثالث الثَّانوي، ومنذ هذا الوقت وإلى الآن وأنا أُعاني من الفشل في هذا المَجال، وأتمنَّى الموت باستمرار، لأُرِيح وأستريح،
كما كان من أسباب عدم التزامي في العمل شعوري بالإهانة عندما أرى صاحب العمل "المدير" يولي مَن هي أصغر منِّي سنًّا وأقلُّ في المؤهل الدراسي والقدرات على الكمبيوتر واللُّغة، والله هذا ليس غرورًا منِّي، ولكنه هو الذي كان يشهد بذلك في حقِّها، وكان على الرغم من شهادتها يوليها دونِي أمورًا مهمَّة، ويعتمد عليها بشكل أساسي، على الرغم من أنَّني كنت أنتظر العكس، وتكرَّر ذلك أيضًا معي في العمل التالي، فلقد عانيتُ نفس المعاناة بتفضيل مَن هو أقلُّ في الإمكانيات والاعتماد عليه،
مع العلم بأنَّ هذا العمل قبِلْتُه فقط لأنَّه حكومي، وفيه احتمالٌ للتثبيت، أمَّا غير ذلك فليس به أيُّ ميزة أخرى، وكلُّ مَن يعرف أنني أعمل في مثل هذه الوظيفة يتحسَّر عليَّ، لأن هذا العمل في مكان ناءٍ جدًّا يبعد عن منزلي ساعةً ونصفها في الْمُواصلات على الطريق الدولي، أيْ: بدون عطلة إشارات مرور، أو مواصلات، فهذا الوقت هو فقط لِبُعد المسافة، وهذه المواصلات تكلِّفُني يوميًّا 10 جنيهات، في حين أن كلَّ المرتب 900 جنيه، فأنا أشعر بشديد الإهانة وأنا ذاهبة إلى العمل يوميًّا، وأشعر بِها عندما أقابل أحدًا ويسألني عن عملي، وأتألَّم جدًّا حين أُدْرِك أنَّني تنازَلْت ولَم أَجْنِ أيَّ فائدة، ولا حتَّى فائدة معنوية بشعوري بأهَمِّيتي، أو الاعتماد عليَّ، أو أن هناك مَن يقدِّر مؤهِّلي، لا أعرف السبب لذلك، هل لأنَّني لا أملك التعبير عن نفسي بالصورة الجيِّدة، أم لأنني لا أملك مهاراتِ تَواصُل جيِّدة؟
فعلاً تَحيَّرتُ في أمري، وحاولت كثيرًا التحسين من نفسي ومن أدائي، ولكن دون فائدة، فحالتي تزداد سوءًا.
آسفة على الإطالة، ولكن والله هناك الكثير بداخلي لَم أَبُح به إلى الآن، ولكنِّي أرجو أن تكون حالتِي الآن واضحة أمامكم، وأتَمنَّى أن تساعدوني في إيجاد حلٍّ لَها، جزاكم الله خيرًا، وأتمنَّى لو كانتْ هناك فرصة للحديث معًا مباشرة في الْهاتف، أو مقابلة شخصيَّة، واعذرني على التشتُّت في الأفكار، والذي يتَّضِح في سردي لحكايتي ومشكلتي، ولكنَّه والله جاء رغمًا عنِّي،
فهذا ما أُعانيه منذ مدَّة، إحساس بالتشتُّت الذِّهني، وعدم الرغبة في عمل أيِّ شيء،
وفي النهاية أودُّ أن أشكركم على الاهتمام.
13/09/2021
رد المستشار
موضوع الاستشارة: عدم الشعور بالسعادة.
تعليق الموقع:
الحقيقة أن رسالتك في غاية الوضوح، وطرحت مشكلتك دون لف ودوران وتطلبين في نهايتها الحديث مع أحد حول مشاكلك، والأدق الدخول في علاج نفساني كلامي.
لا يمكن القول بأنك تعانين من اضطراب نفساني، وهذا ما يمكن استنتاجه من قراءة الرسالة. لكن ما هو واضح من الاستشارة بأن هناك مشاكل في أبعاد شخصيتك ربما هو السبب في عدم شعورك بالسعادة وفشلك في الدخول في شبكة اجتماعية تنتمين إليها وتمتص أزماتك النفسية وكثيراً ما يتخلص الإنسان من عصابة عن طريق الانتماء إلى شبكة ما ولم أجد هذا في رسالتك.
كذلك لا أنكر بأن تحليل محتوى الاستشارة من زاوية نفسانية قد لا يرضيك وخاصة إن تم بصورة موضوعية. سماتك الشخصية تعكس آنسة لا تميل إلى الانفتاح على الآخرين ولا التوافق معهم، وبالتالي لا يمكن إسقاط اللوم على من حولك في عدم شعورك بالسعادة. الجانب الآخر الأكثر أهمية هو حديثك عن فرض العمل ومقارنة شخصك بالآخرين والطرح بحد ذاته يعكس شخصية عصابية متأزمة لسبب أو آخر. على ضوء ذلك الدخول في علاج نفساني كلامي قد يساعدك على تجاوز هذا العصاب وفك قيودك النفسانية.
رغم ذلك فأنت لا تزالين في مقتبل العمر وبداية طيق العمل وآخر ما يجب أن تفكري به مقارنة نفسك ببعض أقرانك، وهذا بحد ذاته عصاب مدمر.
توجهي صوب معالج نفساني واتفقي معه ستة جلسات أولية وبعدها تقرري فائدة مثل هذا الكلام.