أهلا بكم
أنا فتاة في مدرسة مشتركة، ارتديت الخمار، أعجب بي شاب أكبر منى بثلاث سنوات، بدأ يتكلم معي بالمدرسة، وبعد فترة انتكست، وبدأت أتحدث مع الأولاد الذين معي بالمدرسة، بدأ يقول لي: أنت تتحدثين كثيرًا مع الأولاد، وطلب مني أن أنتهي عن هذا الأمر، ولكن لم أنتهِ، فبعث أحد أصدقائه يقول لى: لن يكلمني مرة أخرى، انتهت العلاقة.
بدأ ينظر لي كثير حتى إن أصدقائي بدءوا يلاحظونه، وأنا أتجاهله، ولكن هذه النظرات ليس لديها معنى عندي، ولكني الآن انتهيت لأن الله منّ علي بالهداية، فبدأ يبعد عن نظري.. فما تفسيرك لهذه النظرات؟
وهل هو حب منه لي حين طلب مني عدم التحدث مع الأولاد؟
ولماذا يختفي عن أنظاري؟
5/12/2021
رد المستشار
الأخت السائلة: إذا كنت تدرسين في مدرسة فيها شباب وشابات فإن الصواب أن تقتصر العلاقة بين هؤلاء وأولئك على شؤون الدراسة والنشاط العام إن وجد، أما أن يدور الحديث بين شاب بعينه وفتاة بعينها لا تدعو إليه ضرورة الدراسة، أو يكون في قلب مجموعة طلاب تمارس نشاطًا هادفًا؛ فإن هذا المناخ يكون هو البيئة المثالية للقيل والقال، والظنون التي تتقافز في رأسك، ورأس غيرك.
ولقد تذكرت معك قصة الفتاة الخليجية صاحبة مشكلة : لعب المراهقين، التي بعثت إلينا أكثر من رسالة تسأل عن نظرات زميلها، وتفسير هذه النظرات، ولا أدري هل الأمر خطير إلى هذا الحد حتى يشغل تفكيرك أو تفكيرها؟!
الأمر اللافت أيضًا أن كلمة "الحب" أصبحت سهلة وغير دقيقة، وأصبحنا غارقين في الحديث عنه، والاحتفال بِعيد له، رغم أن حقيقة الحب غائبة عن حياتنا، وطالعي مشكلاتنا لتنظري إلى الجفاء والإهمال، وسوء التعبير، والأنانية، والعجز عن إقامة علاقة سليمة مع الزوج أو الزوجة.. فهل مجرد نظرات عابرة أو حتى متكررة يمكن أن نطلق عليها حبًا حتى لو كانت مقصودة؟!
حجم الخيال كبير جدًا سواء في تصرفات هذا الزميل أو في تناولك أنت للأمر كله، وهذا متوقع في العمر الذي أنت فيه. فهو من ناحيته يحب أن تكون له فتاة معجبة به، وله وحده، وقد يتحدث معك ومع غيرك، وينظر إلى كثيرات تمتلئ بهن المدرسة، وأنت من ناحيتك تسعدين بأن تكوني محورًا لنظرات الشباب وأحاديثهم؛ لأن هذا يعني أنك متميزة عن الأخريات، ولافتة للنظر.. فهل يعني حديثك إلى أي شاب أنك تحبينه؟ وهل يعني نظرك لأحدهم أو حتى اهتمامك به لبعض الوقت أو في بعض الشئون أنك تحبينه؟
الحب أعمق من هذا، والمدرسة ليست المكان المناسب، ولا الساحة الملائمة له؛ لأن مدارسنا تحولت بفضل هذا الفهم إلى مسارح وبيوت أزياء، ونوادٍ اجتماعية، وأماكن للهو أقرب منها إلى الدراسة التي هي الهدف الأصلي.. على ما أتذكر!
على كل حال.. إذا كنت أنت تريدين أن يهتم بك هذا الشاب أو غيره اهتمامًا جادًا، وقد يفكر في الارتباط بك مستقبلا؛ وإذا كنت تريدين أن تكوني مثالا جيدًا للفتاة الملتزمة في مظهرها وجوهرها؛ وإذا كنت تريدين أن يكون لك مستقبل يليق بفتاة ذكية وبريئة مثلك؛ فليس الأوفق أن يكون محور اهتمامك هو حديثك مع هذا، ونظرات ذلك إليك. إن من يريد الارتباط الجاد لا ينظر من بعيد لبعيد، ولا يختار من تتحدث إلى الشباب دون ضرورة تدعو لذلك، وإذا كنت تريدين العبث.. فما أسهله!
نعم من الطبيعي أن تميلي إلى الجنس الآخر، وتسعدي باهتمام بعضهم ونظراته، أما أن تعتقدي أن هذا هو الأهم وتعطي الأمور أكبر من حجمها في انشغالك بها عن دراستك وعن بنائك لشخصيتك الإنسانية من ثقافة ومهارات أخرى تلزمك في حياتك المستقبلية كأم، وكفرد فاعل في مجتمع متخلف؛ فهذا ما يبدو سلبيًا في حالتك، ومثلك ملايين الفتيات العربيات من المحيط إلى الخليج، وذلك يدعو للأسف.
لن نمل من تكرار القول: إن الحجاب إنما يستر بعض أنوثتك لقصد إبراز جوانب أخرى إنسانية تحتاج إلى تنمية وتفاعل، والاقتصار على الحجاب بوصفه ملبسًا مختلفًا، والظن أن الالتزام هو الحجاب، وبعض الأوراد والطقوس، ثم لا شيء غير الفراغ: ظن خاطئ سائد بيننا؛ لأنه إذا لم يكن الالتزام يعني التفوق في الدراسة، والضرب في الأرض لاكتساب المعارف والخبرات، والتعاون لتغيير الحال المتخلفة التي نعاني منها.. إن لم يكن الالتزام يعني المشاركة في متابعة الشأن العام، والقيام بأدوار في النهضة بالدوائر المحيطة بالإنسان.. إذا لم يكن هذا هو مفهوم الالتزام عند الفتاة المسلمة؛ فالأفضل لها أن تتعرف على أساسيات الإسلام من جديد.
ومن الشائع أن كل فرد يظن نفسه ضعيفًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا من أجل الإصلاح العام، وهذا التفكير خاطئ وخطير، ويؤدي إلى تخلفنا أكثر وأكثر، ونحن من خلال صفحتنا هذه بل وموقعنا كله نحارب هذا التفكير الكسول المتقاعس، ونفتح آفاقًا كثيرة لتكوين وبناء النفس، ولأداء أدوار متنوعة في المجال العام، وأرجو أن تكوني متابعة لنا في ذلك، وداعية له في محيطك.
وفي الموعد الذي يختاره الله سبحانه سيأتي الفارس الموعود لتعيشي معه قصة حب حقيقية جادة، فيها أهداف مشتركة وطموحات شخصية وعامة كبيرة. وواجبك اليوم بالأساس هو تكوين نفسك دراسيًا وثقافيًا ونفسيًا وروحيًا لتكوني كما يحب الله ورسوله، ولا يكون أحدنا كذلك إلا إذا كان يستفرغ الوسع ويبذل الجهد في تكوين شخصيته ونهضة أمته، والتعاون مع من حوله في سبيل الخير بأنواعه وأشكاله، وتلك سيرة تطول الأحاديث فيها؛ فكوني معنا نتناقش ونتواصى، وكوني داعية لهذا الموقع وسط زملائك، قدوة بينهم في التفوق والسلوك، ويومها ستكونين فعلا محط الأنظار، ولكن نظرات التقدير والاحترام.