مشكلتي كبيرة
لدي ولدان؛ الأول عمره سنتان وستة أشهر، والثاني عمره سنة وشهران. والمشكلة أن الولدين متعلقان بوالدهما كثيرا، وعمل والدهما من الساعة 7 حتى 4 عصرا، وحينما يكون في البيت يكون نائما، وإذا استيقظ يكون أمام التلفاز، ويمل من الأولاد سريعا ولا يتجاوز لعبه معهما نصف ساعة، ثم يخرج لأصدقائه.
وقد تحدثت إليه بشأنهما وأنهما يحتاجان إلى أب وصديق ولكن لم يهتم بكلامي، وأنا أخاف عليهما، خصوصا أنهما ذكور.
فماذا أفعل؟
شكرا لكم
17/2/2011
رد المستشار
الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكرا لرسالتك التي أيقظت موضوعا مهما كدور الأب في الأسرة والتربية وحدود مشاركته ومسئولياته. وكيفية تفعيل هذا الدور بكفاءة وفعالية.
وإن كنا حين نناقش هذا الموضوع نهتم أكثر ما نهتم -مع تغليب حسن الظن- بإرساء لبنة للتأهيل لدور الأبوة والأمومة على حد سواء. ولعل في رسالتك تلك إحياء لما كنا نتمنى القيام به في هذا الصدد من خلال صفحتنا. بل وربما تتكامل المساحات التي نتناولها بالنقاش فنثمر ثمرة تأسيسية طيبة في هذا المجال تتناول بشكل تراكمي كيفية التأهيل للوالدية والزواج بما يتضمنه من علاقات متشابكة وقدرات ومعارف متراكمة. ولا ولن يتم ذلك إلا بمشاركات الزوار التي تثري النقاش وتطلعنا على أوجه مختلفة ومتباينة للمشكلة حيث يمكننا البدء من حيث الاحتياجات الملحة في بيئتنا العربية.
ونحسب أن غياب الأب عن ساحة الأسرة بشكل عام؛ وعن ساحة التربية بشكل أخص له عدة أسباب متراكبة متشابكة لا يمكن فصل أي منها عن الآخر. ولعل بعض هذه الأسباب التي تسهم في المشاركة الفعلية في المهام الأسرة والتربية هي:
1- العلاقة المستقرة بين الأب والأم، وأعني بها علاقة الألفة والحب، بما يتضمنه ذلك من:
أ- تمتع كل من الطرفين ببعض الصفات الأخلاقية التي تكفل العيش الهانئ مع الطرف الآخر كالرحمة والإيثار والتعاطف والمسؤولية.
ب- وجود الأهداف المشتركة والتشارك في تنفيذ خطوات هذه الأهداف.
ت- كما يساعد فيها معرفة كل من الطرفين لبعض المهارات الأساسية:
* أهمها على الإطلاق: مهارات الاتصال الفعال بين الزوجين، بما تتضمنه من مهارات الإنصات؛ ومهارات التحدث
- قبول مشاعر كل من الطرفين للآخر؛ والتعرف على احتياجات كل طرف الشخصية، وكذلك التعرف على احتياجات الطرف الآخر والتعبير عن وقبول هذه الاحتياجات.
المعرفة بكيفية التعبير السوي والسليم عن هذه المشاعر والأفكار والاحتياجات.
* كيفية صياغة الأهداف الشخصية والجماعية.
* كيفية العمل في فريق.
* مهارات إدارة الوقت.
* مهارات التفويض الفعال.
* كذلك المعرفة ببعض الأدوات المساعدة ككيفية قضاء وقت جيد في الأسرة.
* كيفية تنظيم الأنشطة المشتركة.
* كيفية عمل اجتماعات الأسرة.
2- من الأمور المحددة أيضا للمشاركة والتواجد الفعال للأب: ثقافة المجتمع التي يعيش في ظلها وما تحدده من دور للأب ومن شكل للعلاقة بين الزوجين بما يتضمن هذا الكثير من المفاهيم المغلوطة وتغليب العرف على الشرع في بعض الأمور.
ولعل هذا مما يستلزم جهدا مخلصا من العاملين في الدعوة، خاصة حين يتوجهون بخطابهم إلى الأسرة فيصححون هذه المفاهيم ويصوبون ما التبس في ثقافاتنا بين حق وباطل. وربما أمكن لكل منا -كأفراد- المعرفة لسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته؛ وكذلك الصحابة؛ بكل تفصيلاتها المتاحة ولعلنا نتأسى بما يصلح حال أسرنا ويعمق الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة أو الكتيبة الواحدة كما يحلو لي تسميتها.
3- فطرة الأبوة ودرجة صقلها لدى الأب، وكذلك معرفته بكيفية أداء هذا الدور بشكل فعال؛ فليس كل الآباء لديهم هذا الإحساس الفطري بدرجة واحدة وبكيفية واحدة، فكل أب أملت عليه ثقافته وبيئته مفردات دوره، وليس الجميع لديه نفس الجرأة على التغير لصالح ما عرف. ولكن ربما مما يزيد من هذه القدرة على التغير والنضج قوة العلاقة الزوجية؛ وما يتعرض له الأب من خبرات وما لديه من تقدير للأمانة وما لديه من هدف واضح وأمل محموم في أولاده.
4- التأهيل الوالدي، أي معرفة دور الأب الحقيقي في حياة أطفاله منذ ولادتهم، وتدريب الأب على كيفية الرعاية والقيام بهذا الدور في حياة أطفاله.
ولعل من الطريف قيام العديد من المؤسسات المجتمعية في أوروبا وأمريكا بعمل دورات تدريبية للآباء؛ بل وعمل تنظيمات للآباء للتشارك في الخبرات وتناقلها فيما بينهم عبر ما يسمى "شبكات الدعم" وشبكات العمل. وذلك للاستفادة من كل خبرة وتجربة أبوية ممكنة؛ وإتاحة الفرصة لكل الآباء للتعلم كيف يكونون آباء صالحين.
والحق أننا بحاجة ماسة لمثل هذه الدورات والمؤسسات والمواقع والصحف والمجلات لتخبرنا وتعلمنا كيف نكون آباء وأمهات صالحين. وفي هذا إحقاق للحق فنحن لا نعبأ كثيرا بالتربية الوالدية للأب أو الأم على حد سواء. وكلي أمل أن نتعاون ونتشارك لنغير هذا لوضع المظلم للوالدية العربية. هيا معنا فيمكننا أن نحدث فرقا بكم ولكم.
5- ضيق الوقت الحقيقي والممكن الذي يقضيه الأب في البيت بسبب سفره أو عمله، إلا أن هذا مما يدخل في دائرة الممكن إذا ما توافرت بقية العناصر؛ من وجود شخصية الراعي المسؤول؛ ووجود العلاقة السليمة بين الزوجين؛ ووجود الهدف المشترك الواضح وترتيب الأولويات بشكل سليم. فحينها يمكن الإدارة الجيدة للوقت للاستفادة بكل دقيقة فيما يثمر الكثير. وهناك العديد من الطرق لإدارة الوقت لمن يرغب حقيقة في ذلك.
والآن... حددي بوضوح على ضوء الذي ذكرت:
أين تقع المشكلة لديك؟ في أي منطقة وبأي حجم؟ ما الأشياء التي تبدو أكثر في الخلفيات؟ وحتى توافينا بتفصيلات أمرك التي تودين مناقشتها ضعي في الاعتبار أن الرابطة بين الآباء غالبا ما تزيد مع الوقت بطول المشاركة والانخراط في الاهتمام؛ ولذا ركزي جهدك على صنع بيئة جيدة وحميمة بينك وبين زوجك.. هذا يساعدك كثيرا في الغد القريب حين يستطيع طفلك لعب الكرة وقص النكات وغيرها من الأنشطة الطفولية الجميلة التي يمكن للأب المشاركة الفعلية فيها... فاستعدي من الآن لتنعموا جميعا بجو أسرى حميم.
تثقفا معا ثقافة تربوية واحلما معا وحاولي أن توقظي مشاعر الأبوة الفطرية الكامنة لدى زوجك.. ساعديه ليحلم بهما ويتخيلهما في الغد ويتخيل علاقتهما الحميمة به.. كوني ملهبة لهذه المشاعر فنحن نتحرك وفق مشاعرنا.. وتفكيرنا يتحرك وفق هذه المشاعر التي يشعر بها ويتخيلها بحواسه جميعها.
- من أهم ما يسهم في زيادة الدافعية في المشاركة الوالدية والأسرية بشكل عام هو ما توصليه لزوجك كتوقع؛ فالمرء عند ظن أخيه؛ فلا توصلي لزوجك مخاوفك بل وصلي إليه ثقتك في أبوته الحانية. ولا تدفعيه دفعا ليستشعر الأبوة.. ولكن أعطيه الوقت ليستشعرها وساعديه على ذلك بالحب لكليهما.. تذكري أنك أساس الحب في منزلك الصغير.
- وصلي لزوجك تفهمك لعدم القدرة على الإحساس القوي بطفليه في هذا التوقيت وأعلميه أنك تنتظرين اليوم الذي يكبر فيه الصغيران وأنك متأكدة أنهما حينها سيكونان رابطة من الأصدقاء.. ولا تجعليها حربا بل اجعليها مشاركة؛ ساعدي زوجك ليحدثك عن مشاعره وأهم ما في الأمر قبولك لهذه المشاعر؛ فالإنسان لا يتحدث لأي شخص يرفض مشاعره.. وهناك فرق كبير بين أن أفهم مشاعرك وأقبلها وبين أن أوافقك على تبعاتها.
المهم في العلاقة الزوجية أو أي علاقة اتصال ناجحة هو الاستماع بتفهم وقبول المشاعر.. فليس بنا سلطان على مشاعرنا.. فيمكن فعلا لزوجك ألا يكون لديه هذا الإحساس القوي بطفليه الآن ولكن يمكن لهذا الأمر أن يتطور وأقوى محفزات تطويره علاقتك القوية به هو شخصيا.
- الإنسان لا يقبل على ما يدفع كرها له.. ولكن يدفع إلى ما يحرك مشاعر جميلة لديه ويحب التواجد في المكان الذي يمده بالأمان ويحقق فيه ذاته.
- إذا شعر زوجك أنك تتهمينه بالتقصير وعدم الكفاءة في دوره كزوج وأب.. فلن يحب أن يتواجد في المكان الذي يذكره بهذا الشعور.
ساعديه ليحبك ويرتبط بك ومن ثم بأسرته الصغيرة. وتبقى جملة أتمنى لو علقت في مكان بارز في بيت كل زوجين:
"كل منا لديه احتياج طبيعي للاهتمام والحب والتقدير والقبول.. أينما وجده ود البقاء".
- على أن ترتيب أولويات الاحتياج تختلف بين المرأة والرجل، وهو ما يمكنك الاطلاع عليه في موضوع:
- آدم من المريخ.. حواء من الزهرة.
يتطلب هذا فهما دقيقا لما يشعر زوجك به إزاء وظيفته الجديدة كأب فتحدثا بانفتاح عن هذه التجربة؛ بل تدربا على التحدث في كل التفاصيل وعبرا عن كل المشاعر.. قصص عن آباء على لسان آباء.
ويبقى لدى بعض الأسئلة التي أتمنى من الأزواج والآباء أن يشاركوا بالمناقشة حولها:
1- ما الذي يحدد نجاح الرجل في وظيفته الزوجية والوالدية؟
2- ترى ما أسباب عدم تورط الأب العربي خاصة في التربية بشكل فعال؟
3- ما الحلول والأفكار المقترحة؟
وفي انتظار رسالتك.. ومشاركات الزوار.. والله المستعان.
- متلازمة الأب الغائب؟ ربما