الوساوس والشكوك
مشكلتي تكمن في أنني -ولسبب ما- لم أقم باختيار زوجتي وفقا لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث اهتممت فقط بالجمال دون النظر إلى الدين.
شعرت بعد أن عقدت عليها بفترة بعد أن سافرت وقرأت وسمعت الكثير عن الموضوع، شعرت بأنني تسرعت في اتخاذ قراري، قمت باستشارة العلماء دينيا، وأرشدوني إلى وجوب الاستمرار، والعمل على هداية الزوجة بدلا من تركها. وفعلا عملت على دعوتها وهدايتها، واهتدت لكثير من الأمور، منها: ستر الشعر، والصلاة، والالتزام بأمور من الدين.
وما زلت أتابع معها الدعوة، وهي -والحمد لله- تبدي استجابة لكثير من الأمور.
لكن مشكلتي تكمن في ماضيها؛ حيث تنتابني دائما وساوس بأن أتخيلها بأنها كانت في الماضي تمازح زملاءها في الدراسة، ويجلسون في الكافتيريا يلهون (كما كنت أرى من بعض بنات الجامعة). وهذه من تصرفات فتيات الجامعة التي لم أكن أطيقها.. فكيف وأنا أتوقع أن زوجتي كانت تفعلها؟
هل أسألها عن كل ما كنت تفعله في ماضيها؟
وإذا اكتشفت أنها كانت كما ذكرت؛ فماذا أفعل؟
10/5/2022
رد المستشار
"هل أسألها عن كل ما كانت تفعله في ماضيها؟" !!
هل تحب نبش القبور يا أخي؟
إن الماضي قد فات ومات ودُفن؛ فلماذا تريد إخراج الميت من قبره وتشريحه؟ لماذا؟!!
كأن سؤالك هذا يا أخي يطرح قضيتين:
القضية الأولى:
كيف نتعامل مع الوساوس التي لا أساس لها، ولا دليل على صحتها؟ والإجابة هي طرد هذه الوساوس، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
هذا ما علمنا إياه ربنا الكريم: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". أما إذا وصلت الوساوس للدرجة المَرَضية -وهذا ما ليس في حالتك- بالطبع فيجب عندئذ اللجوء للطبيب النفسي.
هكذا نتعامل مع الوساوس يا أخي، ولا نعطيها حيزا يذكر في مسار حياتنا، ولا نسمح لها بأن تهدر مثقال ذرة من طاقتنا الذهنية والروحية والوجدانية.
القضية الثانية:
بفرض أن زوجتك أخطأت، وأنها كانت "تمازح زملاءها ويجلسون في الكافيتريا يلهون"، -وأرجو أن يتسع صدرك لكلامي- دعني أفترض أنها فعلت ما هو أكثر من ذلك!! (سامحني لهذا الافتراض)، ولكني أريد أن أسأل سؤالا: ما هي الروح التي يجب أن نستقبل بها التائب من الذنب مهما كان ذنبه؟ أنت تقول: إنها تُبدي استجابة للكثير من أمور الدين، وإنها مخلصة معك "جدًّا"!!
كيف نستقبل التائب؟
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، ووهبه من النعم ما لا يُعد ولا يُحصى، فعصاه الإنسان ثم تاب؛ فماذا فعل الله، وهو القادر على البطش، المنزه عن كل خطأ؟
أولا: فرح بعودة عبده أكثر مما فرح الأعرابي الذي ضلت راحلته (ناقته) في الصحراء، وعليها طعامه وشرابه حتى أوشك على الهلاك فنام، ولما استيقظ وجدها أمامه فقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك".
ثانيا: عفا عن عبده، أي أنه محا الذنب تماما من صحيفة أعمال عبده كأنه لم يكن، وعادت بيضاء.
ثالثا: أنه بدل سيئات عبده حسنات!! تخيل يا أخي!! "فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ"؛ لأن هذا العبد التائب قد بذل جهدا للإقلاع عن هذا الذنب الذي يحبه؛ لذلك بدله الله له حسنات مقابل هذا الجهد.
أما نحن .. فماذا نفعل؟ كيف نستقبل من أخطأ ثم تاب، ونحن عبيدٌ مثله، وربما أكثر منه خطأ؟
إننا لا ننسى ولا نغفر، ويظل خطؤه هذا نقطة ضعف نطارده بها حتى يلقى الله، وننسى أنه ربما يكون بتوبته هذه أفضل عند الله منا، كالمرأة الغامدية التي أقيم عليها الحد؛ فلما تأفف أحد الصحابة عندما أصابه قطرات من دمائها، غضب رسول صلى الله عليه وسلم، وقال: "إنها تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم".
أذكرك يا أخي مرة أخرى، وباختصار:
1- الوساوس التي لا أساس لها من الصحة نتجاهلها، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
2- بفرض أن زوجتك لها "زلات" في الماضي؛ فكن كريما معها، ولا تنبش القبور، واستقبل توبتها استقبالا يرضي الله عنك، ويسترك به في الدنيا والآخرة.