السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد..
الدكاترة المحترمون قبل 15سنة تزوجت فتاة تصغرني بعشر سنوات، تعرفت عليها في ظروف خاصة فتعاطفت معها لعدة أسباب أهمها حسن خلقها وحيائها وكونها يتيمة، كما وجدت قبولا كبيرا بل وانبهارا بشخصي من طرف كل عناصر عائلتها (والدتها، أختها الكبرى وأخوها) بعد الزواج وقفت بجانبها كي تكمل دراستها حيث كانت على أبواب الدخول للسنة أولى جامعة. وفعلا ضحيت وتنازلت عن معظم حقوقي داخل البيت من أجل أن أهيئ لها ظروفا مناسبة للمذاكرة والبحث بل وساعدتها بنفسي لأن لي شهادة عليا في التخصص الذي بدأته في الجامعة...إلخ.
وهكذا مرت 6 سنوات وهي تدرس ولم تتعلم أي شيء عن القيام بشؤون البيت أو الزوج، باستثناء إنجاب طفلتين ساعدنا في تربيتها وجودها هي في البيت(كانت تحضر المقررات دون أن تذهب إلى الجامعة باستثناء أوقات الامتحانات) ووجود دائم لخادمة في هذه الفترة كنا نعيش في مدينة غير المدينة التي بها أهلها وأهلي وكنا نراهم مرة أو مرتين في الشهر ... منذ بداية زواجي لاحظت ضعف شخصية زوجتي أمام أمها، حيث كانت هذه الأخيرة تحاول أن تتدخل سلبيا في خصوصياتنا كلما سنح لها ذلك إلا أنها لم تفلح بسبب بعدنا وعدم تواجدنا في نفس المدينة وبسبب ابتعادي عن أي احتكاك معها وتجنب استفزازها بالمدارات أحيانا وبالتظاهر بعدم الانتباه مرة والاكتفاء بالتحدث مع الزوجة على انفراد في موضوع الخلاف، بعد هده السنوات تم نقلي برغبتي إلى مدينتي الأصلية وهنا صرنا قريبين من أم زوجتي.
أصبحت زوجتي تزور أمها كل نهاية الأسبوع بصحبة الأبناء وكنت متساهلا في هذا لكي لا أخلق مشكلا أنا في غنى عنه، ثم صارت الزيارة مرتان أسبوعيا وكلما اعترضت بكت الزوجة وقالت لي أنني أظلمها فليس لها بعد الله إلا هذه الأم ... ومع الوقت أصبح حال زوجتي بين منزلتين إما في زيارة لأمها أو تتحدثان في التليفون ... صارت تكلمها في كل صغيرة وكبيرة عن حياتنا، وكلما نصحتها بكت وقالت إنك لا تخسر شيئا وإنك متشدد وإنها مواضيع عادية تعتبرها خاصة و و و... أحسست أن الأمر تجاوزني وأن أي محاولة مني لثنيها ستشتت البيت والأسرة فصرت أبدي لها اعتراضي بتوازن ولم أعد أكلمها في المواضيع التي لا أريد أن يتطلع عليها غيرها لأنها تعترف أنها لا تستطيع إخفاء أي شيء عن والدتها.
أعترف أن زوجتي كانت طيبة لكنها دون قصد بالتأكيد صارت تذوب شيئا فشيئا في شخصية والدتها ... ومرت الأيام وإذا بها تطلب مني أن نسكن مع أمها، بالطبع رفضت لأسباب عدة منها كوني أميل إلى الاستقلال ومعرفتي بخبث والدتها (وهذا الرأي لا أبديه لها) بل كنت أعتبر هذا الاقتراح غير قابل للنقاش. ألحت في الطلب ليلا ونهارا وصباحا ومساءا إلى أن يئست من استجابتي فانتقلت عند والدتها وخيرتني بين الانتقال للسكن معهم أو تطليقها ... حاولت ردها عن هذا التعنت وأدخلت الكثير من وجوه الخير فلم يجدي كل هذا نفعا وعشت سنتين على هذا الوضع لأني لم أكن أرغب في الطلاق حفاظا على أولادي أولا وأخيرا ... أما بالنسبة لزوجتي فقد وقع شرخ عاطفي كبير في قلبي وأحسست أنه لم يعد لها مكان فيه وأن كنت غير حاقد عليها لأنني اعتبرتها مريضة نفسيا.
أخيرا استجبت لخيارها الثاني وتحملت تكاليف ونفقات باهضة لأنني قانونيا المطالب بالطلاق ولأنني لم أذكر للقاضي الشرعي أسبابه ورغم ذلك وجدت نفسي مرتاحا جدا في هذا القرار. ثم تزوجت مرة أخرى وعوضني الله الخير الكثير ... الآن زوجتي السابقة تفعل كل شيء لمنعي من التواصل مع أبنائي منها ... رغم أنها ترى الكثير من التأثيرات السلبية عليهم من تراجع في الدراسة واعوجاجات أخلاقية و و و ... أريد أن أفهم فإذا كنت أعتبر ما فعلته طليقتي من أجل هدم الأسرة التي بنيناها سويا ناتجا عن سيطرة نفسية لأمها عليها (أريد أن أفهم سر هذه السيطرة) وعن غير قصد منها، فلماذا هي الآن مرة أخرى تسيء لأبنائنا بمحاولة منع أي قرب لي بهم بل مستعدة لارتكاب أي جريمة من أجل ذلك مهما كان الثمن وهي التي ترى إحساني لهم الآن وإنفاقي عليهم فوق ما هو مطلوب قانونيا كما ترى أنني لا أذكرها لأي كان إلا بكل خير عكس ما تفعل هي.
أود أن أشير أن الوضع المادي لطليقتي عرف قفزة كبيرة مع بداية نشوزها نتيجة إرث كبير من والدها المتوفي ... كما طلقت أختها من زوجها
وصار الجميع يعيش في بيت واحد ... كما أنها لا تترك أي مناسبة إلا وذكرتني بكل سوء (أكاذيب وأباطيل طبعا) فمن عرفت فيه الاستقامة ذكرت له أنني فاسق و و و ... ومن رأت فيه الانحراف ذكرت له أنني إرهابي ومتشدد وأنني سرقت لها مبلغا من المال ... وتدعي لمعلمي أبنائي أنني لا أنفق عليهم ولله الحمد افتضح أمرها هذا كثيرا من المرات.
وأعترف أخيرا أن سبب استشارتي هو محاولة مني للفهم وتلقي النصح في كيفية تصحيح الوضع بخصوص التواصل مع أبنائي مع إحساس كبير بالطمأنينة في كل ما حدث ... من جهة أخرى نجحت مطلقتي أيضا في إفساد أكبر بناتي منها 14سنة حيث صارت هذه الأخيرة تتكلم عني بسوء أيضا وتمتنع اختياريا من التواصل معي بل تحاول استفزازي متعمدة أثناء الأوقات التي ألتقي بها داخل مدرستها فأداري وأتظاهر بعدم الانتباه لما تفعله، وهكذا أريد أيضا أن أفهم سر تعامل بنتي معي هكذا رغم أنني متأكد أنه لاعذر لها فيما تفعل لأنها تعلم علم اليقين حقيقتي ولم تر قط إساءة مني أو والدتها بينما رأت العكس، كما تعرف إحساني وإنفاقي عليها فوق ما هو مطلوب وحرصي على دراستها. لقد صار لقائي بابنتي عقوبة لي فلا أنا قادر على عدم الذهاب ولا قادرعلى تحمل استفزازها لأنني أخاف من ارتكاب أي خطأ قاتل عن غير قصد أي أخاف أن يكون امتناعي عن صلتها أو سكوتي عن إساءتها ظلم وإفساد لها كما أخاف أن يكون تقويمي لسلوكها بأي شكل القشة التي ستقصم ظهر ما بقي من صلتها بي.
أخيرا أود أن أشير أن ابنتي هذه تتمتع منذ صغرها بقوة الشخصية وبإمكانها تجاوز آراء والدتها بسهولة والتصميم إذا أرادت.
أرجو الجواب على عنواني البريدي إذا تعذر الجواب اليوم
9/6/2022
رد المستشار
شكرا على مراسلتك الموقع.
لا يسهل إعطاء الرأي والنصيحة في المشاكل الزوجية عموماً لوجود أكثر من طرف واحد في الأزمة. أولا هناك رأيك، ورأي مطلقتك وربما رأي زوجتك الحالية وأهل مطلقتك وغير ذلك. تزوجت وزوجتك السابقة في عمر ١٨ عاماً، وهناك الكثير من الجمل في رسالتك تثير انتباه وفضول القراء حول أسباب الانفصال وإسقاطك اللوم على أمها وتعلقها بعائلتها. في نهاية الأمر لا أحبذ التعليق على أسباب الانفصال حيث أن هذا الفصل في حكايتك انتهى الآن وهناك الحاجة إلى التركيز على الحاضر والمضي قدمًا صوب مستقبل حياتك الزوجية الراهنة ومستقبل الأطفال.
مسؤولية وحقوق الأب تجاه الأطفال لا تنتهي عند الطلاق إلا في ظروف استثنائية ومصلحة ابنتك فوق مصلحتك ومصلحة مطلقتك ولا بد من الجلوس معها ومع أهلها والحديث عن رعايتها. في نفس الوقت لا بد من الانتباه إلا أن عمر ١٤ عاماً مرحلة انتقال في حياة الإنسان ويصاحبه تقلبات المزاج وتصلب الآراء. لا يوجد سر في تصرفات ابنتك فهي تعيش مع أمها وتعلقها بك ضعيف ومهما كانت أسباب الطلاق فأنت في رأيها أب غائب انفصل عن والدتها وعنها أيضاً. قبول الآباء والأمهات بالأبناء يتم بدون شروط ولكن في رأي الأبناء هناك أكثر من شرط وأولها وجودهم وأنت لا وجود لك في حياتها من وجهة نظرها الحالية. الرأي الأخير قد يتغير مستقبلا ولكن لا يمكن فرضه على ابنتك الآن ولا حتى في المستقبل القريب.
ما أنصح به هو:
١- الحديث مع والدتها حول مستقبل ابنتك.
٢- لا تتحدث مع والدتها ومع ابنتك حول سلوكها معك فهذا لن يتغير ولا فائدة منه.
٣- تسأل ابنتك إن كانت تحب الاتصال بك بين الحين والآخر ففي عمر ١٤ عاما رأي الطفل أهم من رأي الأب الغائب عن البيت.
٤- توقف عن إسقاط اللوم على والدتها فقد يكون هذا الرأي صادقاً ولكن لا فائدة منه.
٥- وأخيراً تمضي قدماً في بناء حياتك العائلية الجديدة.
وفقك الله.