الأعزاء موقع مجانين
السلام عليكم، يسأل ابني أسئلة عن كيف يأتي الإنسان؟ وما طبيعة العلاقة التي يكون ثمرتها؟ ويسأل: ما هو الزنا؟ ويسأل: ما هو الشذوذ؟ ويسأل: ما هو الجنس؟
ولا أدرى هل من المفروض أن أرد عليه بالضبط؟ أم كيف؟ علما بأني الأب وتربطني به علاقة قوية والحمد لله.
أفيدوني.. جزاكم الله الخير.
10/8/2022
رد المستشار
أخي السائل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أثني على أسلوب سيادتك في تربية ابنك واهتمامك بالأمر، والبحث عن المشورة، وأحب أن أطمئن سيادتك أن علاقتك الجيدة بابنك وقربك منه سوف تسهل عليك الكثير من الأمور بإذن الله.
سيدي الفاضل إن السؤال عن هذه الأمور أمر طبيعي، وفي الغالب يبدأ في سن مبكرة عن تلك التي بدأ فيها ابنك بالتساؤل عن العلاقة التي يكون الإنسان ثمرتها!!
وطبيعي أيضا أن يشعر الآباء بالحرج حينما يواجهون بهذه الأسئلة، ويطلب منهم الرد عليها، وقديما كان الكتمان والتهرب من الرد أو الحوار مع الأبناء في أمور الجنس هو السائد.
حيث كان الاعتقاد أن المعرفة بهذه الأمور قد تثير الرغبات وتؤدي إلى الانحراف، فكان لكل شخص مصادره التي يتعلم منها، "وكل واحد وحظه!" فيعرف أشياء ويجهل أشياء وقد يترتب على ذلك أشياء قد لا تحمد عقباها أحيانا.
سيدي الفاضل دعني أجيب على تساؤلاتك:
نعم يتعين عليك الإجابة على أسئلة ابنك، لماذا؟
دعنا نتصور أنك لم تجبه، ولم تشبع رغبته في المعرفة مع ما يحدث من تغيرات فسيولوجية في جسده وتأجج الرغبة في هذه المرحلة ماذا سيفعل؟ ربما يلجأ إلى مصادر أخرى للمعرفة كالأصدقاء – الإنترنت -الأفلام الجنسية - المجلات...إلخ.
الأمر الذي من شأنه أن يشعل الغريزة ولا يهذبها، ويعطي انطباعا للفتى في هذه المرحلة أن هذا هو الجنس فلا يعلم عنه شيئا سوى الرغبات والنزعات الحيوانية التي لا ترقى للممارسة الحقيقية للجنس في بني البشر، والتي تهدف إلى تأكيد مشاعر الحب والرومانسية، والتي جعلها الله غريزة من أجل استمرار الكون.
وربما لا يكون ابنك من هذا النوع، فإذا شعر منك استياء حيال أسئلته في هذا الموضوع، ولمس تهربك من الإجابة دعاه خجله لأن يطوي تلك الصفحة ملقيا بها في سلة مهملات في قاع العقل الباطن، تجنبا لذلك الموضوع الذي يكتنفه الغموض والقلق، محدثا نفسه بأنه لا داعي لهذا الحوار، وهو بهذا لم يؤجل معرفته ولم يقم بإلغائها، بل جعلها بمثابة مسمار يشعر بوخزه في قدمه كلما تقدم خطوات وخطوات في طريق النمو.
فهذا هو الكبت، وهو بركان يلقي بحممه من وقت لآخر في شكل اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب، واضطرابات جنسية فيما بعد، كعدم القدرة على الانتصاب مثلا أو الشعور بالحزن والذنب مع كل ممارسة جنسية مع زوجته؛ لأن في عقله الباطن اقترن الجنس بالرذيلة. وما أكثر الحالات التي نجد فيها أن الاضطراب الجنسي نتج عن جهل بحقيقة الجنس، وكيف أنه علاقة سامية ليست للمتعة فقط وإنما يثاب عليها المرء ما دامت في حلال.
والآن كيف تجيب عن أسئلته؟
سيدي الفاضل أقدر حرجك من الحوار مع ابنك لكن يمكن ذلك بجعل الحوار في إطارٍ علمي ذي صبغة دينية وبشكل تدريجي، وفي حوارٍ هادئ، أي لا ننهي الإجابة على كل الأسئلة دفعة واحدة، ولكن كيف ذلك؟ نبدأ من حيث وصلت معلوماته عن هذا الموضوع فهو يسأل ما هي العلاقة التي يكون الإنسان ثمرتها؟ ... ولتكن إجابتك مثلا هي علاقة جنسية بين الرجل والمرأة، وما معنى جنسية، وهنا يجب أن نتكلم معه بشكل علمي عن الأعضاء التناسلية، ويمكن الاستعانة بصور تشريحية لوصف الجهاز التناسلي لكل من الرجل والمرأة، مع الحديث عن التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في مرحلة البلوغ. والتي تشمل تغيرا في الأعضاء، وكذلك التغير في الصفات الثانوية مثل نمو الشارب واللحية وتغير الصوت، وكذلك الحديث عن الاحتلام ووجوب الطهارة، وأنه قد أصبح مكلفا شرعا.
وأن هذه المرحلة تعني الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الدخول في عالم الرجال، ولابد أن تشعره بأن ذلك فخر له ولك، ويمكن أيضا أن نتحدث عن معنى اشتداد الرغبة في هذه الفترة، وأن الهرمونات الذكرية تلعب دورا هاما في ذلك. وأن الأفكار والخيالات الجنسية قد تطارده بين الحين والحين، وعليه أن يروض تلك الرغبة بإطلاق طاقته في ممارسة الرياضة أو الهوايات المحببة له، وأن يتعلم ما يجنبه تأجج الرغبة بغض البصر وعدم اجترار الشهوات بمشاهدة الصور أو الأفلام أو الدخول على المواقع الإباحية؛ لأن في ذلك معصية تغضب الله ... لابد أن يعرف أن هذه المرحلة ومعرفته بأمور الجنس مسؤولية مع تعزيز إرادته بكلمات مثل "أنا أعرف جيدا أنك جدير بأن تعرف، وأنك أهل للمسؤولية".
ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن العلاقة، وأنها في الأصل تأكيد لمشاعر الحب بين الزوجين، وسبحان الله الذي جعل الحب بين الزوجين يقودهما إلى تلك العلاقة التي يقتربان فيها إلى أبعد الحدود، لتثمر إنسانا يشهد على هذا الحب من أجل تعمير الأرض... وكما تلاحظ سيادتك أنني أكثر من الحديث عن أن هذه العلاقة هي في الأصل علاقة حب ورومانسية حتى يترسخ في ذهن الفتى سمو هذه العلاقة.
ولا تتأصل في عقله أنها مجرد شهوة تؤتى؛ لأن في ذلك عون له لتأجيل الرغبة، وبما أننا قد تحدثنا معه من قبل عن الصفة التشريحية للذكر والأنثى فأصبح يسيرا أن نحدثه في تفاصيل العلاقة، وأنها تحدث بإيلاج العضو الذكري في فتحة المهبل ويحدث القذف، ويحدث التقاء للحيوان المنوي مع البويضة، ويبدأ بذلك تكوين الجنين الذي يكتمل نموه في تسعة أشهر هي فترة الحمل.
ويمكن أيضا أن ندخل معه من هذا المدخل إلى معنى الزنا، كأن نقول: سبحان الله الذي حدد هذه العلاقة في إطار شرعي بين الزوجين، والزنا هو حدوث هذه العلاقة بين رجل وامرأة غير متزوجين –أعوذ بالله- وهذه الكلمة من شأنها أن تشير إلى أن هذه العلاقة المحببة إلى الإنسان لها ضوابط، فيدرك الفتى أنه لا ينبغي ترك العنان لهذه الشهوة تلعب برأسه.
وسبحان الله فإن لهذه العلاقات الآثمة عقوبة الجلد أو الرجم حتى الموت، فالله بهذا ينهانا عن علاقة تضيع فيها الأنساب، وتنتشر فيها الأمراض التي تفتك بصحة الإنسان ...
ويمكن أيضا أن نتحدث عند هذه النقطة عن "الشذوذ" وهناك يا بني آفة كبرى فعلها قوم لوط، الذين فضلوا الرجال من دون النساء لإتيان شهواتهم، مخالفين حدود الله، متبعين لشهواتهم، ونسوا أن لهذه العلاقة هدفا أسمى من مجرد إتيان الشهوة، وهو بقاء الإنسان وتعمير الأرض. فالرجل يمارس الجنس مع الرجل، أو المرأة مع المرأة، وهي علاقة لا تثمر بالطبع، لكن من شأنها أن تنقل الأمراض التناسلية التي قد تودي بحياة الإنسان مثل الإيدز، إنها آفة يا بني وقانا الله شرها، وحفظك من أصحاب السوء.
سيدي الفاضل كلما كان الحديث جادا هادئا وبشكل علمي كان أسهل لك وأخف حرجا، واعلم أن المعلومات التي ستصله بهذا الشكل ستعلمه وتهذب اتجاهه نحو الجنس في آن واحد بإذن الله.
بارك الله لك في ولدك وحفظه من كل سوء.