السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في البداية أشكركم جزيل الشكر على المجهود الذي تبذلونه في موقعكم الأكثر من الرائع، فأنا أستفيد كثيرا من زاوية مشاكل شبابية، مرة أخرى جزاكم الله كل خير.
في الحقيقة لا أدري كيف أقوم بعرض مشكلتي التي أعتقد أنها مشتتة ومعقدة قليلا.. أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، تخرجت في الجامعة وحصلت على لقب البكالوريوس، والآن أتمم تعليمي لشهادة أخرى، وفي نفس الوقت أعمل في وظيفة جيدة جدا، وأقوم بدفع أقساط التعليم من مرتبي حيث أدفع سنويا حوالي 3 آلاف دولار.
مشكلتي الأساسية هي أنني في أحيان كثيرة جدا لا أشعر بالراحة مع أهلي في البيت، فأحيان كثيرة لا أرى بالبيت والعائلة مكانا دافئا ألجأ إليه ليحميني؛ فأنا أشعر أن هم أبي الوحيد هو كيف يزوجني أنا وأختي التي تكبرني بعام واحد.. أبي يسمعني أحيانا كلاما بأن الزواج هو أفضل من التعليم، بأني قد أصبحت كبيرة في العمر لذلك عليّ أن أرضى بأي شاب يأتي ويطلب يدي، المهم يكون شابا مقبولا، لا يهم أن يلائمني في أفكاري وطريقة حياتي وثقافتي، وليس تعليمي؛ لأنه حسب رأيي هنالك فرق بين العلم والثقافة.
لقد أسمعني أبي هذا الكلام الجارح وشعرت في لحظة ما بأنه يريد أن يهم ليضربني لأني لم أرض بشخص يريد التقدم إليّ (من خلال الحديث بين أمي وأم هذا الشاب في التليفون عرفت أمي أن هذا ليس الشخص المناسب لذا لم تقبل بالموضوع وأنا أيضا لم أقبل به) .. أنا أشعر أنني حمل ثقيل جدا على العائلة ويجب التخلص منه.. مشكلة أخرى مع أبي أنه لا يقدر الأشياء التي قمت بها ونجحت بها في حياتي، فمثلا في حفل تخرجي من الجامعة كان أبي غاضبا، شعرت بأنه كان مجبرا على الحضور للحفلة وحتى كلمة "مبروك" شعرت أنه قالها باقتضاب.
أيضا أنا أرى نفسي ناجحة في عملي وأني أقوم بعمل جبار عندما أسافر إلى عملي وأعمل سبع ساعات متتالية وأدفع بمرتبي القسط التعليمي الباهظ، فعندما أقول لأبي إني قمت بدفع قسم من القسط التعليمي لا أشعر بأنه مسرور بإنجازي، لا يدعمني بكلماته إلا في مرات قليلة جدا، هو دائما يريدني أن أتقاضى أجري وأقوم بتخزين الأموال فقط، حتى أنه عندما أشتري لنفسي أي شيء من ملبس أو أي حاجة أخرى يقول لي أنت لست بحاجة لهذه الأشياء، وفري نقودك يكون أفضل لك.
أريد أن أنتقل الآن لأتكلم عن مشكلة عاطفية أعاني منها، فأنا في الحقيقة أشعر في أغلب الأحيان بأني أعاني من "نقص في الغذاء العاطفي"، سببه كان منذ صغري، حيث إني سألت أمي عن طفولتي فعرفت ما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الأشياء؛ فمرة عندما كنت في الثالثة من عمري تركني أبي لمدة خمس دقائق لوحدي في البيت في الظلام الدامس، وعندما فتح لي الباب وجدني في حالة ذعر رهيب.. أيضا خلال طفولتي اضطرت أمي لتركي فترة شهر كامل وفترة أخرى لعشرة أيام؛ لأنها اضطرت أن ترافق أخي المريض في المستشفى، في هذه الفترة كنت فقط أذهب إلى المدرسة، أعود إلى البيت وأتناول الغذاء الذي تعده جدتي وأمضي يومي لوحدي مع أختي بدون أي تعويض عن حنان الأم.
وهنالك أسباب أخرى كثيرة أعتقد أنها أدت إلى هذا النقص العاطفي أحدها وفاة أخي الصغير وهو في منتصف عامه الثاني، وكنت وقتها في الحادية عشرة من عمري، وأذكر أني لم أذرف أي دمعة ولم أجد من يحضنني ويضعني في الصورة وأحيانا عندما أذكره أشعر أني أريد أن أنفجر من البكاء..
ما كشف هذه المشكلة (النقص العاطفي) بقربي هو تعرفي إلى شاب بهدف الزواج، فقد طلب من صديقتي أن يتحدث معي في الجامعة لمدة ساعة إلى ساعتين، وبناء على الحديث يقرر هل يكمل في العلاقة ويطلب يدي من أهلي أم لا.
في الحقيقة عندما أخبرتني صديقتي بالأمر فرحت جدا وشعرت أنه من الممكن أن يكون هذا الشاب هو فارس أحلامي، وهذا ما شعرت به عندما تحدثت معه مع العلم أنه شاب ملتزم ومحترم للغاية.. انتهى الحديث وأنا متفائلة جدا، ولكنني كما يبدو تفاءلت كثيرا وبنيت قصورا في الأحلام (أحيانا أشعر بأني غبية لبناء هذه القصور)، فقد رجع الشاب لصديقتي بجواب يقول فيه بأنه "لا يوجد نصيب" فكانت هذه الإجابة كطعنة خنجر في صدري فهذا أول شاب يتحمس للقائي بعد أن سأل عني وعن أهلي، باقي الشباب الذين تقدموا لي لم يكونوا جادين ولم أهتم بهم.
أنا شعرت بأنه ينقصني "غذاء عاطفي" ويمكن تعويضه عن طريق الارتباط بهذا الشاب، ولكنني صدمت بالنتيجة وبدأت بتأنيب نفسي بأني لم أعرف كيف أتحدث معه، ولم يكن عندي فن في إدارة الحديث ووووووضعت كل الأسباب في نفسي.. مر علي أسبوعان صعبان جدا حتى تأقلمت قليلا مع الموضوع ورتبت أفكاري وقررت التوجه إلى معالجة نفسانية، فقد فتح علي هذا الأمر نافذة إلى شخصيتي ونقاط الضعف فيها.
حتى اليوم أجريت لقاء واحدا مع الاختصاصية النفسية وكان لقاء تعارف، وحتى هذه الساعة أنا أنتظر بداية العلاج بشكل منتظم وذلك لكثرة الضغط في العمل في مركز العلاج النفسي الذي توجهت إليه.. في الحقيقة أحيانا أمر بأوقات صعبة وأنتظر بداية العلاج بفارغ الصبر، أتذكر أشياء محزنة في حياتي، ولكن ليس دائما، كلما تذكرت قصة الشاب أحزن، ولكنني أنسى بعد ذلك والمعالجة النفسية تتصل بي أحيانا لتطمئن علي وتعطيني نصائحها.
معلومات إضافية عني:
أنا منتظمة في تناول طعامي، أمارس الرياضة بشكل شبه منتظم، أنام بشكل جيد، مسرورة في عملي، تحصيلي ممتاز في دراستي، صديقة وفية، حنونة، متسامحة، أجد صعوبة في بناء العلاقات الاجتماعية، أحب المطالعة، أحيانا أشعر بثقة عالية بالنفس وأحيانا العكس تماما.
كيف أستطيع تغيير شعوري تجاه عائلتي؟ ما هي برأيكم أهم الأمور التي يجب أن أتناولها خلال العلاج؟ بماذا تنصحونني؟
شكرا لكم على المساعدة.. وجزاكم الله كل خير على ما تقومون به وجعله الله في ميزان حسناتكم.
2/9/2022
رد المستشار
أهلا ومرحبا بك على موقعنا.. الحمد لله أن الجهد الذي نبذله يفيد قراء الصفحة وأصدقاءها..
رسالتك الطويلة آنستي كشفت لي عن تفاصيل مهمة، وسوف أرد على تساؤلاتك وأعلق على نقاط وردت في رسالتك برغم أنك لم تسألي بخصوصها؛ لأنها تستحق التعليق والإفادة:
في الجزء الأول من رسالتك تتحدثين عن رؤيتك للزواج ورأي والديك في هذا الموضوع، وأعتقد أن ما يدور في بيتكم يحدث في بيوت كثيرة في بلادنا العربية، فالاهتمام بتزويج الفتيات بأي طريقة هو ثقافة تسود في كثير من المناطق، إن عمرك صغير ولم تتأخري في الزواج خاصة أنك تكملين دراستك إلى الآن.
أعلم من صديقة فلسطينية مقربة أن الحال في فلسطين يختلف عن غيرها من البلاد، ذلك أن معظم الشباب أصبحوا من الشهداء ومن ثم تكون فرص اختيار شريك الحياة المناسب أقل!!
وفي كل الأحوال نحن نتخذ القرار وندفع ثمن هذا القرار.. فإن اخترت الزواج من أي شاب يتقدم بهدف إرضاء والدك فأنت تدفعين ثمن هذا الاختيار، وإن كان قرارك هو اختيار الحياة بمواصفات معينة ترينها مهمة بالنسبة لك ولا يمكنك التنازل أو الاستغناء عنها فستحصلين على ذلك بإذن الله تعالى، وفي نفس الوقت تدفعين ثمن هذا القرار حين تواجهين والدك وحين تنتظرين وجود هذا الشخص، ولكن ما أراه أمرًا إيجابيًّا هو وجهة نظر والدتك ومقدار تفهمها واتخاذها موقفا مناسبا ووقوفها بجانبك.
أما فيما يتعلق بمعاملة والدك ورأيه في طريقتك في الإنفاق فإن له وجهة نظر حاولي تفهمها، الظروف التي تمر بها بلدكم تجعله يرى أنك ما دمت تكسبين المال فمن الأفضل أن تحتفظي به ليساعدك في مصاريف الزواج وفي المستقبل؛ ففي كثير من الأحيان لا يكون العمل بوظيفة ثابتا؛ لأن كثيرا من الأعمال ترتبط بمشاريع وهذه المشاريع لها مدد زمنية محددة.
أنتقل إلى الجزء الثاني من رسالتك، والذي أفضت فيه عن أسباب "نقص الغذاء العاطفي" .. وقد أعجبني هذا المصطلح الجديد الذي ابتكرته.. فكل منا يتعرض في طفولته لمواقف معينة يبقى أثرها في الذاكرة، ولكن إذا نظرنا من حولنا فسنجد من عاش بالفعل هذا النقص، بل لنقل "الحرمان العاطفي" نتيجة فقدان أحد أو كلا الوالدين أو فقدان أسرته بأكملها.
ما حدث لك أود أن أوجه نظر الأهالي إليه فكثير من الأسر حينما يمرض أحد الأفراد بها ينشغلون بهذا الأمر ويفكرون في التعامل مع الموضوع بشكل مادي، ولا أقصد بذلك الجانب المالي، ولكن أعني كيفية ترتيب الأمور فيكون من المهم أن تجد والدتك مكانا آمنا ومناسبا لتتركك فيه، ومع قلق جدتك على أخيك المريض بالمستشفى وعدم الوعي الكافي باحتياجك العاطفي جرت الأمور على هذا النحو.
إن ما تمرين به حاليا هو أمر طبيعي؛ لأننا في مرحلة الشباب نحتاج إلى دفء وحنان من شخص من الجنس الآخر بغض النظر إن كانت الطفولة مشبعة عاطفيا أم لا.
أود هنا أن أعلق على موضوع وفاة أخيك الصغير، وكيف كان لهذه الوقعة أثر صادم، هذا الأثر جعلك لا تذرفين الدموع.. لقد تخصصت في مجال علاج الصدمات وأنا أدرك كم الألم الذي مررت به ولم تعبري عنه في ذلك الوقت، لذا أقول لك ما تعلمته في آخر مؤتمر حضرته لتقديم الدعم النفسي لأهل العراق، حينما تشعرين بأنك تريدين البكاء.. ابكي.. وحين تحسين أنك تريدين أن تحكي لأحد فاختاري من تطمئنين إليه واحكي له.. ولا مانع من أن ترسلي لي مرة أخرى رسالة حول هذا الحدث.
بالنسبة للشاب الذي تقدم إليك، فاعلمي أنه ليس أول ولا آخر شاب في هذا العالم، كما أنه ليس آخر المتقدمين.. فالفكرة أنه ما دام من حقك أن ترفضي أنت ووالدتك ذلك العريس الذي حكت والدته مع والدتك هاتفيا، فإنه من حق الآخرين أيضا أن يرفضوا..
كما أنني أرى الرفض أمرا إيجابيا وخيرا.. أتعرفين لماذا؟ لأن أحد الطرفين حين يرفض فإن هذا معناه أنه يبحث عن مواصفات معينة ولن يرتاح سوى لذلك الشخص بتلك الصفات، فلماذا نصر أن نعيش مع أشخاص لن يشعروا بالراحة معنا، هل يمكن أن تعيش أي واحدة منا سعيدة وشريك حياتها غير راض بها؟
ثم إن المقابلة الأخيرة هذه كانت بمثابة "بروفة" لمقابلة أخرى أكثر نجاحا –بإذن الله- نعم لقد اكتشفت أنك في حاجة للاستعداد للمقابلة القادمة مع العريس الجديد.
أنت في حاجة إلى تطوير بعض المهارات الخاصة بإدارة الحديث والتعبير عن الذات شفهيا، وعليك الآن أن تبدئي في تحسين هذه المهارات الاتصالية، وهذه المهارات يمكن أن يدور حولها العلاج، إضافة إلى البحث عن نقاط القوة بداخلك، وكيفية تكوين علاقات اجتماعية، إضافة إلى اكتساب مزيد من الثقة بالنفس.
وتابعينا بأخبارك.
في أمان الله.