السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أهنئكم على هذا الموقع الرائع الذي بدأ يجد الكثير منا متنفسًا لمشاكلنا الاجتماعية المتراكمة في ظل رأي إسلامي واعٍ وناضج، وفقكم الله على مجهودكم العظيم.
في الحقيقة أنا أتصفح هذه الزاوية منذ بدايتها، ولم يخطر ببالي مطلقاً أن أكون يوما صاحبة مشكلة؛ فقد رضيت بحظي في هذه الدنيا منذ زمن بعيد، وقبلت ما قسمه الله لي، واستسلمت لواقع مر. أنا سيدة على قدر من الجمال الداخلي والخارجي - كما يقولون -، ملتزمة والحمد لله، ومثقفة وناجحة بعملي.. هذا الظاهر لكل إنسان. أما في الداخل فأنا كنت متزوجة من أصعب رجل في هذا الكون، ولي منه أولاد، وهو دائم الضرب والسب والقذف والإهانات، ومهما حاولت معه فبدون جدوى، حتى إنني فقدت الأمل أن يأتي اليوم الذي ينصلح حاله -وبشهادة أهله قبل أهلي-. وتم الطلاق والحمد لله على ما أنعم علي، وبدأت أشعر أنني إنسانة في هذا الكون.. لي الحق أن أكون سعيدة، وأعيش حياة طبيعية بعيدة عن الظلم الذي ذقته.
ولكن المشكلة: هل تعتقد أننا في مجتمع يسمح لإنسانة مثلي أن تحيا هذه الحياة؟ وتعرفت على رجل يعرف كافة ظروفي، واعترف لي بأنه يحبني، ويريد الزواج مني، وتقربنا من بعض، وتفاهمنا على أمور كثيرة، وظننت أن الدنيا تضحك لي من جديد، وإذا به يأتي ليقول: إن والده رفض الزواج من مطلقة أكبر منه في العمر مهما كانت الظروف! هو يطلب مني أن أنتظر لعل الله يغير أمرًا، ولكن لا يريد أن يعدني ولا يفي بوعده، وأنا محتارة من أمري.. أعرف أن مجتمعنا قاسٍ، ولكن أليس القرار بيده؟ أليس هو الذي اختار منذ البداية؟
أفكاري مشوشة.. فأنا أحبه، وأحس بالأمان معه، ولكني لا أريد أن أفقده أو أتعلق بوهم.
أرجو منكم إسداء نصيحة أخوية تكون منارة لعقل ضاع في متاهة الحياة، ولكم الشكر الجزيل.
23/7/2023
رد المستشار
أختي الكريمة.. أنا مثلك أتمنى أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه نظرة مجتمعاتنا للمرأة المطلقة، وإن كنت أعتب عليك؛ لأنك ذكرت بلدًا لإقامتك لا أتوقع وجود هذه النظرة فيه.. قد تكونين صادقة في ذلك، وتكون هذه النظرة سائدة في الجالية العربية هناك، وقد يكون ذكرك لهذا البلد كنوع من التمويه، وهنا يكون العتاب؛ فنحن إخوتي الكرام نعتبر أنفسنا إخوة وأخوات لكم، ونحرص عليكم أكثر من حرصكم على أنفسكم، ونعتبر أسراركم التي تستأمنوننا عليها كأنها أُلقيت في بئر سحيقة، ولكن المعلومات التي وضعناها لكم في خانات إرسال المشكلة تعتبر هامة جدا لنا، وتساعدنا كثيرا في وصف الحلول الملائمة حسب السن والمؤهل ومكان الإقامة، وكما تعلمين فقد تغيرت فتوى الإمام الشافعي في بغداد عنها في مصر، وهذا في أمر فتوى شرعية؛ فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بعلاج لمشكلة اجتماعية؟!!
وبعد هذه الاستطرادة اللازمة أقول لك: إنني مثلك أحلم باليوم الذي تتغير فيه نظرة مجتمعاتنا للمرأة المطلقة، وأن نكشف عن تحميلها وزر زيجة فاشلة أيًّا كانت أسباب الطلاق، ولكن ما هي المجتمعات؟ أليست هي: أنا وأنت وصديقتي وصديقتك؟ أنت اليوم امرأة شاءت الأقدار أن تُبتلى بزوج أذاقها صنوف العذاب، ثم أنعم الله عليها بنعمة الخلاص منه، وتريد وتتمنى زوجًا يعوضها عن أيام الشقاء، وهذا حقك الذي كفله لك الإسلام، ولكنك غدًا أو بعد غد أمٌّ تريد أن تزوج ابنها وتريد أن يحصل على الأفضل.. فهل ستقبلين أن يتزوج من امرأة مطلقة؟
لو نظرت كل امرأة للأمور نظرة أخرى لوجدت أنها من الممكن أن تصبح هي أو ابنتها مطلقة لولا فضل الله عليها ورحمته، أفلا نشكر الله على نعمته علينا بتجنب ظلم امرأة شاءت لها الأقدار أن تحمل لقب مطلقة؟
وإذا نظرنا للأمور بنظرة أكثر عمقًا، وتساءلنا: من هي المطلقة؟ هي امرأة شاءت لها الأقدار أن ينفصل عنها زوجها لأسباب راجعة لها ولعيوب في شخصيتها أو لعيوب في شخصيته هو أو لاستحالة العشرة بينهما.. فهل تضمن من يصرون على رفض زواج الأبناء من مطلقة أن المرأة التي لم تتزوج من قبل لن تحمل نفس العيوب الشخصية؟ ومن أدراهم؟ فقد تكون المطلقة أحرص على البيت والزوج تجنبا لتكرار تجربة الفشل السابقة.
أختي الكريمة.. كلماتي هذه قد تجد صداها عند بعض القراء، وحتى يحدث هذا، وحتى يأذن الله لك بأن تقابلي من يعوضك عن أيام الشقاء السابقة.. تحتاجين لمراجعة عدة أمور ونقاط هامة في حياتك:
هذا الإنسان الذي ارتبطت به مؤخرًا ورفضك والده.. هذا الإنسان هو الوحيد القادر على اتخاذ القرار بشأن علاقتكما، وهو القادر على إقناع والده، وتقصيره في هذا الشأن لا يعني وجود أي عيب فيك، ولكن عليك أن تُبقي التمادي في العلاقة معه خارج إطار الوعد الرسمي بالزواج، فإذا قصر في مجاهدة والده واستسلم فلا تندمي عليه، وسيرزقك الله بمن هو أفضل منه.
أختي الكريمة ... ما موقع أولادك من زوجك الأول بعد الانفصال؟ هل ما زالوا يعيشون معك أم مع والدهم؟ وهل تولينهم الرعاية والاهتمام بما يعوضهم عن حرمانهم من الحياة المستقرة بين والديهم؟ وإذا كانوا معك فهل تسمحين لوالدهم بتقديم الرعاية الأبوية لهم؟ وهل يحرص كل طرف منكما على سلامتهم النفسانية بتجنب ذم شريك الحياة السابق؛ مما يؤدي إلى تحطم أجمل قدوة في حياة الصغار؟
لقد ذكرت أختي الحبيبة المميزات العظيمة التي تتمتعين بها، وذكرت العيوب الرهيبة التي تجمعت في زوجك السابق، وكأنه بلا ميزة أو حسنة، ومعذرة، وأرجو ألا تغضبي مني إذا قلت لك إن تجارب الحياة وعلاقاتي الواسعة واحتكاكاتي بالكثير من مشاكل الحياة في الواقع علمتني أن هذا التصور غير موجود في الحقيقة، فلا يوجد الإنسان الملاك الخالي من العيوب، ولا يوجد الإنسان الشيطان الخالي من جوانب الخير، في كل منا الملاك والشيطان والخير والشر، ومهمة شريك الحياة وبالذات الزوجة لما حباها به الله من قدرة على التدبر والتخطيط، حيث قال "إن كيدهن عظيم" أن ترفع وتزيل الغبار عن جانب الخير؛ وذلك باستخدام كل أسلحتها، بالحب والتفاهم ولين الجانب والصبر، وباستخدام كل أسلحة الأنثى الكامنة فيها، فأعيدي حساباتك أختي الكريمة، وحللي أسباب فشلك في تجربة الزواج السابقة بكل موضوعية وبينك وبين نفسك، وبعيدا عن أي تعصب للذات، والهدف من هذه المراجعة وكذلك من نقد الذات أن تتعرفي على معاول الهدم التي حطمت زواجك السابق حتى تزيليها من قاموس تعاملاتك قبل أي ارتباط قادم.
يفيدك أن تعملي على توسيع دوائر اهتماماتك بحيث لا تظل محصورة في دائرة العريس المنتظر، ودوائر الاهتمامات هذه قد تكون اجتماعية تشمل الصديقات والأهل والجيران، وقد تمتد بحيث تنخرطين في عمل خيري أو عمل مؤسسي من خلال الجمعيات الأهلية، ومنظمات المجتمع المدني.
وقد تكون دوائر مهنية ومعرفية وتنموية لشخصيتك؛ وذلك بالعمل على امتلاك الأدوات والمهارات التي تمكن لك عملك، وتطوِّر شخصيتك، ومن ذلك اللغات والكمبيوتر، ومهارات الفنون المختلفة أو المهارات والقدرات الإدارية أو غير ذلك مما يستهويك فإن أكثر ما يحزنني الطاقات المهدرة للملايين من النساء المسلمات والعربيات، لقد حضرت فعاليات قمم عمالة الشباب التي عقدت في الإسكندرية هذا الشهر، وهذه القمة تهدف إلى تجميع وتضافر كل الجهود من أجل توفير فرص عمل للشباب، وذلك بتشجيع الشباب أنفسهم على خلق فرص العمل هذه من خلال تبادل الخبرات أثناء المؤتمر وبعده، ومن المؤسف والمحزن حقا أننا لاحظنا غياب المرأة العربية الفاعلة، وغياب النماذج العربية المؤثرة، وفي المقابل كان هناك حضور قوي للمرأة من مختلف القارات والبلدان، من الهند وبنجلاديش، ومن دول أفريقيا المختلفة، وطبعا من دول أوروبا والأمريكتين، فمتى نفيق من سباتنا العميق؟ وندرك أن العالم حولنا يموج بالحركة وبالروح الوثابة؟ ومتى ندرك أننا نحن أولى الناس بهذه الحركة لأننا نعلم أن الغاية من خلقنا هي الاستخلاف في الأرض؟ ومتى ندرك قيمة ومعنى حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو يرشدنا فيقول: "إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها".
أختي الكريمة.. أجمل التجارب الناجحة وأنضج الشخصيات تخرج من بوتقة الألم، فاجعلي آلامك الشخصية جسرا تعبرينه لاكتشاف ذاتك، اجعلي من هذه الآلام بلسما يداوي جراح غيرك، ولأننا نحبكم ونشعر أنكم جميعا أهل لنا، نحب أن نسمع منهم وعنهم فلا تترددي أن تتابعينا بالتطورات، وأن تشركينا في قصة نجاحك بإذن الله.
واقرئي أيضًا:
أزمة الطلاق النفسانية والعاطفية .. ماذا بعد؟
الطلاق ليس نهاية العالم!
لا أجد الراحة في زواجي! وأريد الطلاق!
مشكلة الطلاق وعقابيله!