الحب الإلكتروني: حقيقة أم سراب؟
السلام عليكم
مشكلتي قصة طويلة.. أنا فتاة في العشرينيات، متعلمة وجيدة الشكل، ومن عائلة مسلمة محافظة ومحترمة. والقصة التي أرويها لكم بدأت منذ ما يقرب من عام، وهي مشكلة: الحب الإلكتروني: حقيقة أم سراب؟.
أحببت شابًا قابلته على الإنترنت، وكان يقطن في أمريكا بينما أعيش أنا في كندا، ولكنني كنت وقتها في أمريكا، وأقطن في ولاية أخرى تبعد عن ولايته ست ساعات بالطائرة!! وبالمناسبة هو من نفس بلدي العربي الأصلي. ولم نتقابل في البداية لأنه لم يكن بمقدوره الحصول على إجازة، ولو لأيام من عمله. المهم لا أعرف كيف أحببته، ربما لأنني كنت أعاني من وحدة قاتلة، وأحتاج إلى من يعطيني وأعطيه مشاعر الحب التي عندي منها الكثير بالفعل مثل أي فتاة طبيعية.
تبادلنا الصور، وكان كل شيء على ما يرام، ثم تحادثنا على الهاتف مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، ثم مرة يوميا، وكانت بعض المكالمات تستمر لمدة ثلاث ساعات، وأحيانا نقوم بعدها إلى "الشات" عبر الإنترنت، وكنا نظن أن هذا هو ما يسمونه "الحب"، بل كنا متأكدين ومعتقدين ذلك، وتواعدنا أن نتقابل في بلدنا الأصلي في العطلة السنوية ويتقدم لي رسميا بصحبة أهله، وتتم الخطبة هناك بحضور الجميع.
ومنذ ستة أشهر قررنا السفر إلى هناك معا، وتقابلنا في "روما" لأول مرة لنكمل السفر على نفس الطائرة المسافرة إلى الوطن، وكنا سعيدين للغاية باللقاء الأول، وشعرنا بنفس المشاعر الطيبة التي تعودنا عليها طوال فترة تعارفنا واتصالاتنا السابقة. وفي مطار الوصول كانت العائلتان في الانتظار ولم نكن قد أخبرناهما بعد، ولكننا أجرينا تعارفا سريعا، وتواعدنا على أن يزورنا الشاب بعد ثلاثة أيام من وصوله إلى مدينته، وافترقنا كل إلى حيث يقطن في مدينة مختلفة عن الآخر على وعد باللقاء.
ومرت الأيام الثلاثة ولم يحضر ولم يتصل!! فأرسلت له رسالة بالبريد الإلكتروني وكان رده متجاهلا تماما لأي وعد قطعه، ثم رد مرة أخرى لاحقا قائلا بأنه غير مستعد حاليا لأي نوع من الالتزام أو الارتباط.. هكذا دون إبداء أسباب!!! ولا يمكن أن أصف مشاعري وقتها، غير أنني كنت مصدومة ومبعثرة ومحطمة ومجروحة ومشدوهة ومذهولة.. إلخ الكلمات التي يمكن أن تعبر عن هذه المشاعر الأليمة التي اجتاحت نفسي وقتها حتى كدت أفقد صوابي، وثقتي في ذاتي، وشعرت كم هو مؤلم أن تشعر أنك مرفوض أو منبوذ، فقد كنت أثق فيه أكثر من نفسي ويمكن أن أتوقع الإيذاء من أي إنسان غيره، وكنت أظنه ذلك الفتى البريء فكان رده هذا سببا كافيا لحالة انهيار عصبي رقدت على إثرها لمدة ثلاثة أيام في المستشفى.
وبعد أن أخبرت والدي ووالدتي بالقصة اتصلت الوالدة به لتسأله لماذا فعل هذا؟! ولم تكن تقصد شيئا غير المعرفة فعلا، فسألته: هل ظهر لك أن شكلها مختلف عن الصورة التي أرسلتها لك؟ فقال: بالعكس.. لقد بدت أجمل.. فسألته: هل وجدت أنها تحمل شخصية مغايرة لمن كانت تتصل بك، وتتصل بها؟! قال: لا، بل أنا أحببت شخصيتها أكثر حين تقابلنا، فسألته: لماذا فعلت هذا إذن؟! فقال ربما الروح.. أي إنه لم يحب روحي!!
وقضيت بقية الإجازة على نفس الحالة من الألم حتى عدت إلى أمريكا، وكان قد سبقني إلى هناك، وبدأ يعاود الاتصال بي عبر رسائل البريد الإلكتروني في المناسبات، والدخول في الشات أحيانا، وحاولت الضغط عليه بشتى الوسائل لمعرفة سبب ما جرى منه ولكنه رفض الإجابة تماما، وقال بأنه يرغب أن نكون أصدقاء، ولكنني رفضت وقطعت الاتصال به لمدة تقارب الشهور الأربعة حتى رأى اسمي في شاشة الشات، وبدأ في التحدث معي بلطف وهدوء.
وقد أظهر إصراره مجددا على الحفاظ على صداقتنا، وكانت جروحي قد تماثلت للشفاء فتجاوبت ورددت عليه كأن شيئا لم يكن، وتحدثت إليه بالشات كأخ وصديق ليس إلا، واتصل بي هاتفيا في عيد الفطر ليقول لي كل عام وأنت بخير.. كل هذا وأسرتي لا تعلم بالمستجدات ثم بدأ يدعوني لإعطائه فرصة ثانية لاختبار مشاعره تجاهي، وقال لي بأنه يكون سعيدا وهو يتصل بي ولكن عندما يكون وحيدا لا يشعر بنفس المشاعر ولا يدري.. هل هذا هو الحب أم ماذا؟! ولا يعرف لذلك اسما مناسبا، ولذلك حين جرحني المرة السابقة فقد فعل هذا لأنه لم يكن متأكدا من مشاعره تجاهي، وحين سألته مجددا عن الأسباب الحقيقية، قال: أعدك بأن أخبرك يوما ما.
والآن.. الشاب يتصل بي ثانية، ويطلب أن نعطي فرصة ثانية لأنفسنا لفتح صفحة جديدة مبنية على الصراحة والوضوح والإخلاص والوفاء لنختبر مشاعرنا، ونرى هل نحن في حب، وبالتالي ندخل في عمق أكبر، وإذا لم نكن فلنتوقف ولا نتورط مثل المرة السابقة. وسألته أن يترك لي بعض الوقت للتفكير، وأنا ضائعة ومشتتة ومتعبة، ولا أعرف كيف أتعامل مجددا مع هذا الرجل: هل أثق فيه بعد الذي وقع؟! حين كنت أستعد لحفل عرسي فدخلت المستشفى منهارة؟ هل أعطيه فرصة أخرى؟ وإلى أي حد؟ وماذا أقول له؟!
نعم أنا ما زلت أحبه، ولكنني خائفة، ولا أريد تكرار نفس الخبرة مرة أخرى، وفي نفس الوقت هناك شاب يطلبني للزواج: متعلم ومن أسرة محترمة، ويعيش في أمريكا أيضا.. فماذا عساي أن أفعل؟! هل أترك صاحبنا الأول يأخذ فرصة ثانية أم أنه يلعب ألعابا رخيصة ويحاول التغرير بي؟! ولماذا يفعل هذا؟! إنه ليس من هذا الصنف الشرير كما أعتقد. وأحيانا أتساءل: هل الوحدة والغربة هي التي جعلته يرتبط بي ثم لما وجد أسرته نسي كل شيء؟! هل هي الوحدة وآلامها؟!
أعتقد أنكم الآن شعرتم كم أنا مبعثرة ومشتتة.
حاولوا الرد عليَّ بسرعة لأنها حالة عاجلة كما ترون.
24/8/2023
رد المستشار
أختي الفاضلة، عندما استلمت رسالتك عزمت على الرد عليها بسرعة كما طلبت، ولكنني بقيت حائرا معك – وما زلت حائرا إلى حد بعيد – فماذا يمكن أن أقول لك؟!!!
دعينا نتناول الأمر خطوة خطوة لعلنا نصل إلى قدر من الوضوح:
* مشكلتك الأساسية أنك تعيشين وحيدة بعيدة عن الأسرة والأهل والأصدقاء في الوطن، ويبدو أن وقت دراستك أو عملك - وبالمناسبة نسيت في غمرة التفاصيل أن تخبرينا عن طبيعة حياتك في الغربة - يجعلك تقضين فترات طويلة أمام الكمبيوتر، وهذا في حد ذاته خلل وخطأ.
ونؤكد مرارا أن الترفيه الإلكتروني والصداقات الإلكترونية، والعلاقات الإلكترونية – بغض النظر عن المحتوى – هي ضارة للغاية حين تكون بديلا عن العلاقات الاجتماعية الطبيعية الحية، فهل لك أنشطة من هذا النوع الحي "غير الإلكتروني"؟.
* أرجو أن تكوني من أصدقاء صفحتنا الذين قاموا بالاطلاع على معظم المشكلات الموجودة لدينا؛ لأن لنا إجابات سابقة تقدم إضاءات مفيدة على جانب أو أكثر من جوانب مشكلتك، وطالما لديك وقت يمكنك قضاؤه أمام الكمبيوتر؛ فأنا أدعوك لقراءة مشاكلنا السابقة خاصة العاطفي منها، والمتعلق بتحليل تصورات الجنسين عن الحب والزواج
* لا أدري عن أي صفحة جديدة يتحدث هو، وتتحدثين أنت أيضا.. فتقولين: يرغب في فرصة مبنية على الصراحة والوضوح والإخلاص، إلخ.. فهل كانت السابق مبنية على الكذب أو الغموض أو الخيانة؟!
يريد أن يختبر مشاعره ثانية، فما الذي سيختلف حتى يخرج بنتيجة أوضح هذه المرة؟!
هل كتمت عنه شيئا مما يلزمه معرفته؟! أو كتم هو شيئا؟ فليخبرك عنه دون الحاجة لفرصة أو صفحة.. ما هو المزيد الذي يمكنك تقديمه أكثر مما فعلت؟!
أخشى أن يكون المطلوب تنازلا ربما يحاول التلميح إليه، وربما يريد استمرار التواصل الدافئ تحت دعوى التجريب، واختبار المشاعر، والبحث عن تسمية للشعور "المجهول" الذي يكنه تجاهك!!
ألا يكون من المناسب أن يبدأ هذه الصفحة المطلوبة بمبادرة تثبت حسن النية فيخبرك عن سبب موقفه السخيف "أقل وصف ممكن" الذي صدر عنه في وقت الحاجة للجدية والإقدام؟!
هذا إذا كان لديه ما يقوله أصلا، وهناك أمور لا ينفع فيها الكتمان، إذا كنا نريد صفحة جديدة على الأقل.
نقطة الضعف أنك ما زلت تحبينه يا أختي.
والأمور عندك واضحة مثل الشمس المختفية وراء سحب نيويورك، وناطحات السحاب فيها، ولو صعد فوق مبنى "الأميار ستيت" مرتقيا فوق تفكير الرجل الشرقي التقليدي، ومتواصلا مع العاطفة الراقية الجياشة المتدفقة منك تجاهه لحدد هل يريدك زوجة أم خليلة، وهل يتسرى بك في أوقات الفراغ أم أنه لا يستطيع الاستغناء عنك رفيقة لما تبقى من العمر؟!
إذا أراد فرصة فليعطها لنفسه يسألها وتجيبه، يحسم أمره، ويحدد اختياره، أما أنت فليس لديك جديد تقدمينه في هذا الشأن، وإياك أن يتلاعب بك الغادر الصغير النابض بين ضلوعك
* ليس صوابا أن تفتحي أي موضوع ارتباط آخر حتى ينتهي هذا الموضوع تماما، وتمر فترة كافية لاستعادة توازنك النفساني والعاطفي، ولذلك فإن الحديث عن شاب آخر مرفوض شكلا وموضوعا حتى نفرغ من هذا الشاب، ونصل معه إلى بر؛ لأننا مازلنا في عرض البحر تتلاعب بنا أمواجه فتارة نعلو وتارة نهبط!!
وأحب أن أذكرك هنا بأمر لعله لم يغب عن ذهنك، وهو الجانب الإيماني والديني، ولم تذكري شيئا عن دين هذا الشاب والتزامه الأخلاقي، ونحن لا نقصد هنا التفتيش في ضمائر الناس، وأحسب أنكما مسلمان لأنك ذكرت شيئا عن التهنئة بعيد الفطر.
ولكنني في الوقت ذاته أتعجب وأتساءل عن محتوى المكالمات، والشات لهذه الفترات الطويلة، وأخشى أنه يقع فيها ما يغري الشاب بالحصول على أكثر من مجرد الكلمات، وهو لم يكتف بالصور، ولم يكتف باللقاء المباشر الذي كان، وما زال يريد المزيد.
أعرف أن الاتصال الهاتفي وحديث الشات لا بأس به من حيث المبدأ، ولكن بين شاب وفتاة ولكل هذا الوقت، والأهداف غامضة، وهل يمكن أن تبقى العلاقة هكذا مفتوحة على كل الاحتمالات؟! وإذا كنا نفهم الحب في إطار التمهيد للزواج، فماذا عن هذا الذي بينكما: مجهول النسب، مجهول الاسم، مجهول المصير، وأخشى أنه ليس مجهول الحكم الشرعي.
فهذه الصفحة الجديدة التي توشك أن تفتح – مرة أخرى – بعيدا عن معرفة الأهل وتستقلين وحدك بإدارة شئونك فيها، فحالك حال من لا يعرف ماذا يحدث؟ ولماذا؟!
إلا إذا كنت تريديننا معك فيها، وعندئذ يكون علينا تجاهك عبء كبير، ولنا عليك حقوق كثيرة!!
* خلاصة القول يا أختي أنك في حاجة لحساب دقيق مبني على مراجعة صارمة لما حدث حتى الآن، وفي حاجة لاتخاذ القرار المناسب في ضوء رغبتك في استمرار العلاقة بهذا الشاب مع ما تحمله من مخاطر تعرفينها، وفي ضوء قدرتك على التماسك، وعدم التورط في أية مخالفة أخلاقية ستسقطك من نظره، وإن كان هو الذي قد يطلبها ويلح فيها، وأعتقد أنك يمكن أن تعطيه مهلة يحسب فيها حساباته، وتبقين فيها على صلة محدودة، وأؤكد "محدودة"، لا تتعدى تبادل التهاني في المناسبات والاطمئنان على الأحوال العامة بالبريد الإلكتروني، ولينقطع اتصالكما الهاتفي تماما، ويحسب هو أمره ليعطيك قراره الأخير؛ فأنت ما زلت راغبة فيه، وهو عليه أن يحسم رغبته فيك زوجة من عدمه.