أنا أمر بمشكلة قد تبدو مألوفة في هذه الأيام ولكنني أظن بل متأكد أنها تختلف اختلافا جوهريا عنها لأنني قرأت عن هذا النوع من المشاكل كثيرا ولكنني لم أقتنع بأن مشكلتي هي من نفس النوع في جوهرها، لذلك أرجو من سيادتك أن تعطيني إجابة صريحة عنها وجزاك الله خيرا.
أنا شاب 23 سنة، من العراق وأقيم فيها، مهندس مدني، لقد تعرفت من خلال منتدى البرمجة اللغوية العصبية (NLP Note) على فتاة من الأردن قبل حوالي 7 أشهر، كانت مترددة في البداية أن تتكلم إلي بداعي أنني شاب، ولكن بعد أن دار القليل من الحديث بيننا حيث تكلمنا عن أفكارنا واهتماماتنا، تبين لي ولها أن أفكارنا ولو بشكل سطحي متقاربة من بعضها حيث إن كلينا متدين وأنا مهندس مدني وهي طالبة في هندسة العمارة، ولدي اهتمامات في التنمية البشرية وهي كذلك وأمور أخرى كانت متشابهة بيننا، فقررت أن أعطي المجال للتحدث ولكن في أوقات محددة وبحدود.
كان الكلام يحدث بيننا من حين لآخر ومع كل مرة يزداد انجذابنا لبعض حيث إن أفكارنا كانت مشتركة إلى حد كبير وصار بيننا انسجام وألفة كبيران، ومما أثر في ذلك أنني كنت حينها ولا زلت أعاني من مشكلة الصداقة، حيث إن أصحابي الذين كانوا معي في الجامعة اضطررت إلى تركهم لعدم تدينهم وأصحابي القدامى المتدينون سافرو للدراسة وبعد رجعهتم تغيروا أيضا وبعدوا عن الدين، لذلك كنت أحس أن هذه البنت قد سدت فراغا في حياتي، عندما كنت أواجه مشكلة أو يصبح عندي شيء كنت أخبرها فورا وهي تستمع إلي وتهتم بكلامي، وأنا من النوع الذي يستمع كثيرا للناس ولكن لا أجد وللأسف من يصغى إلي، فسماعها لمشاكلي جعلني أتعلق بها كصديقة.
دائما ما كان الحديث يدور بيننا إما عن التدين والكلام عن الدعاة أو البرامج والكتب الدينية ونوصي أحيانا بعضنا بالقيام ببعض العبادات أو كنا نتحدث عن الدراسة أو عن البرمجة اللغوية العصبية أو... لم نتطرق ولا لمرة لموضوع خارج عن الحدود الدينية.
مع الأيام تأكدت أنها متدينة جدا وأنها محجبة حجابا كاملا (جلباب) (مع أنني لم أرها) وازداد إعجابي بها بحكم طبيعتي حيث إني أعجب بالبنت المحجبة وأكن لها كل التقدير، وأصبحت أحس أنها أيضا متعلقة بي جدا. وبعد مدة من الزمن أحسست أنني إذا لم أكلمها لفترة من الزمن أشعر بشيء ناقص وتولد هذا الإحساس لها أيضا، وكنت أحس بذلك.
وقبل شهر تقريبا دار بيننا حديث لم نتمالك نحن الاثنان وأظهرنا مشاعرنا تجاه بعضنا. بعدها لم أقف مكتوف الأيدي وقلت يجب ألا تأخذ المسألة وقتا ولا نتبادل أي حديث خارج عن الدين، صارحت أهلي بهذا الشيء، لم أخبر والدي في البداية وأخبرت أخي الأكبر وزوجته في الأول (أهلي متدينون ومحافظون جدا، أخي الأكبر وزوجته عضوان نشيطان في الاتحاد الإسلامي الكردستاني الذي يمثل التيار الإخواني هنا ولهما مركز اجتماعي جيد) وسألتهما إن كان هناك مجال أخطب بنتا لا تعيش هنا وليست من مجتمعنا في بلد كالأردن، لم يرفضا الفكرة بشدة وقالوا سنفكر، وبعد مرور مدة من الزمن لم أصل إلى حل وأحسست بأن المسألة معلقة فأخبرت والدي بذلك فرفض أبي وقال انس هذا الموضوع بداعي أنها من مجتمع آخر ولا تستطيع العيش في العراق، فقلت له سأفعل ما تقوله يا أبي-أنا من النوع المطيع جدا لوالدي ووالدتي- ولكن لم أقتنع برأيه، ففي الليل كان شيء في داخلي يقول ما الذنب إن كانت بنفس مواصفات البنت التي تريدها والشيء الوحيد هو أننا من مجتمعين مختلفين؟
في اليوم التالي لم أستطع أن أقنع نفسي بهذا القرار وتراجعت ولكن لم أخبر والدي بذلك، وبعد عودة أمي من قريتنا إلى البيت -حيث كانت غير موجودة وقتها- أخبرتها أيضا بالتفاصيل وأحسست في البداية أنها ستقتنع. بعد مرور عدة أيام وحين عودتي من العمل قالت أمي إنها تريد التحدث إلي بانفراد، فأخبرتني أنها بحثت الموضوع مع والدي وأهلي وأنهم جميعا غير موافقين وأنا أيضا غير موافقة، قلت لها "لماذا؟" قالت: "من المستحيل أن أتركك تسافر وتعيش معهم بعد أن ربيتك وتعبت عليك، وأرى أنه من الصعب أن تتحمل هي العيش هنا في ظل ظروف العراق الحالية حتى وإن قالت ذلك، حتى إن تحملت عاما أو عامين فبعد خمس أو عشر سنوات لن تقدر على التحمل بعد وقد تتركك بعد إنجاب أولاد".
والنقطة الثانية أننا كيف سنسأل عنها وعن أهلها؟ هي في عمان ونحن في دهوك –مدينتي- لا نستطيع أن نجازف في مسألة كهذه، والنقطة الثالثة أن هذه المسألة ستتكلف كثيرا ولا نستطيع تحمل التكاليف حتى إذا حللنا المشكل الأخرى.
أنا بطبيعتي لا أستطيع حتى أن أناقش آراء الوالدين وقلت لها بقلب حزين سيكون مثل ما تريدين أمي ولن يكون إلا ذلك ولكني أحسست بألم كبير في داخلي، فلم أستطع أن أقنع نفسي بأن مجرد الظروف يكون عائقا بينك وبين من تريد أن يشاركك حياتك، فلم أتعلق بهذه البنت لجمالها أو لغرض شخصي أو لإضاعة وقت، بل تعلقت بها لتدينها وللانسجام الكبير والتوافق في الآراء بيننا، حيث إنها أكثر الأشخاص التي تفهمني بسرعة وأشعر أن تفكيرها طبق الأصل من تفكيري.
أخبرت البنت بالتفاصيل التي حدثت معي، طلبت مني ألا أتركها هكذا وأن أحاول مع أهلي مرات أخرى بعد فترة، وبالنسبة لسبب تمسكها (وهو نفس سبب تمسكي بها) قالت: "إن الزواج في مجتمعاتنا يتم بطريقتين: إما أن تتخالط مع الجنس الآخر بكثرة وترتبط ارتباطا غير شرعي حتى تعرف إن كنتم متوافقين ومنسجمين أم لا وهذا مستحيل أن أقوم به، وإما تتم بواسطة المعارف والأهل ومن خلال جلسة واحدة قد تكون غير كافية جدا لتعرفه جيدا ولا أريد ضربة الحظ هذه أيضا، أحس أنني وجدتك بنفس تفكيري ونفس مواصفاتي ولديك نفس اهتماماتي ولم تحصل بيننا لقاءات غير شرعية أو كلام غير شرعي، من الصعب أن أحصل على نفس الفرصة ولا أظنك ستحصل عليها مرة ثانية، حينها يجب أن نقبل بالطريقة الثانية ونجرب حظنا، إما نسعد أو لا والحظوظ متساوية لذلك، فأرجو ألا نتنازل عن مسألتنا بهذه البساطة ولا بد أن نضحي لبعضنا، من جهتي أنا مستعدة أن أعيش عندكم طول حياتي وأنا أتحمل مسئولية كلامي ليس سنة أو سنتين بل طول العمر".
لم أستطع بعد أخذ القرار بالانفصال، وأرى أن مواجهة أهلي وإقناعهم مسألة صعبة، وأنا لست من هؤلاء الذين يضعون أهلهم في الأمر الواقع ولا البنت تقبل بذلك فهي عاقلة جدا وتريد أن تحل المسألة بسلام.
سيدي الكريم أرجو منك أن توجهني إلى الطريق الصحيح وأن تمدني بمعرفتك إلى ما يجب فعله فأنا أمر بأزمة نفسية كبيرة. لا أريد أن أعلق المسألة كثيرا، البنت تقبل بذلك ولكنني أفكر أنه يضر بمصلحتها أيضا، لا أريد أن أربط بنتا بي ولا أستطيع أن أكون متأكدا من أن أفي بوعدي وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أتخلى عنها بهذه السهولة وليس لدي أي سبب يقنعني لتركها.
*قد تنصحني بأن أملأ وقتي وألا أهدره وأن ألعب الرياضة وأرتاد المسجد كي لا يلهيني هذا الشيء.
سيدي الكريم، والله أنا شاب واع.. أبقى منشغلا بعملي للخامسة عصرا أو مرات أكثر إذا طلب العمل، وبعدها آخذ القليل من الراحة وأشغل نفسي في بقية اليوم إما بالمطالعة فأنا أحب القراءة كثيرا وأقرأ القرآن، أو ألعب الشطرنج وأتمرن كثيرا حيث إني لاعب شطرنج وأعطي الكثير من وقتي للشطرنج.. ولا أشغل نفسي بالمكوث أمام التلفاز أو الخروج مع أصحاب السوء، لدي عدد معين من الأصدقاء أخرج معهم أحيانا كي أغير الجو.
أقصد أنني لا أجعل هذه المسألة تطغى على طاقاتي أو تحدني من العمل للوصول إلى أهدافي الأخرى ولكن تشغل جزءا من تفكيري، واعتقد أن التفكير في الحياة الاجتماعية أمر مهم وهو من الأسس المهمة للسعادة في الحياة.
أرجو أن تأخذ الموضوع باهتمام وتعطيني الرد السليم وأنت أهل لها إن شاء الله..
وجزاكم الله خيرا.
29/5/2024
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله بني وأرضاك إن شاء الله وبارك في برك لوالديك وحرصك على رضاهم وتأدبك في نقاشهم وهو لب البر. هناك مقولة: إن في البطن لخلوة لا يملؤها إلا الحلوى... وكذلك النفس البشرية مهما شغلتها أمور الحياة تبقى بحاجة للاستقرار مع شريك كما فطرها رب العالمين فلا تلوم نفسك بانشغال بالك بأمور قلبك ورغبتك في الاستقرار.
يجب أن تضع في اعتبارك نقطة هامة عند نقاشك مع أهلك أنك لا تعرف الفتاة معرفة كاملة ولا هي كذلك بل هي حوارات عقلية وإن كانت منسجمة إلا أن الزواج لن يكون علاقة معرفية فأنت تحتاج لتنقل معرفتك بالفتاة إلى أرض الواقع وتتعرف على أهلها وإن كنت ترضاهم لولدك فإعجابك بها ومعرفتك لها ناقصة ما لم تتم أيضا على أرض الواقع. لا أقصد فقط شكلها والذي هو مهما أنكرت ضروري بالنسبة لك كرجل كي تقر عينك بها كما تستريح نفسك معها وأنت بالطبع حر فيما ترضى من معايير الجمال ولكن لا بد لك من رؤيتها قبل اتخاذ القرار النهائي بالارتباط وكما تعرف أنها وصية الرسول عليه الصلاة والسلام: انظر إليها فأنه أحرى أن يؤدم بينكما.
عند مقابلتها سترى كيفية تفاعلها في الحياة الحقيقة لا من وراء حجاب الشاشة ولوحة المفاتيح التي لها دور في تشويه وتجميل الأمور في الزواج هناك ما يسمى القبول وهو أمر أساسي للاستقرار وقد تجد أنك عند مقابلتها لا تشعر بهذا الهدوء والاستمتاع الذي تجده معها على النت وهي كذلك.
الخطوة الأولى أن تحاول رؤيتها على أرض الواقع وإذا وجدت أنك ما زلت مقتنعا انتقل لإقناع والديك بالحسنى وإظهار تعلقك بها وطلب دعم إخوتك، وإن كانوا رافضين فعليك بمحاولة إقناعهم ولا تيأس إن كنت راغبا فما نيل الأماني بالتمني ولكن بالعمل، فاعمل على إقناع أهلك بوجهة نظرك، والنقاش لا يعني شق عصا الطاعة أو عقوق الوالدين فأنت كبالغ من حقك أن تكون لك كلمة في اختيار زوجك.
موافقة الأهل ضرورية جدا لتحقيق الانسجام والاستقرار في الحياة الجديدة ولكن لا بد أن تكون القناعة مشتركة بينكما فلا يفرض طرف على الآخر رغبته دون اعتبار لوجود الآخر. ما يطرحه والداك فيه الكثير من الصواب ولا أعرف إمكانية دخول عروسك من الناحية القانونية إلى ديارك ولكن إن كنت واثقا من مشاعرك ورغبتك بها بعد مقابلتها فثابر في المطالبة بأن تعيش مع اختيارك من الناس ولكن ادفع بالتي هي أحسن.
واقرأ أيضًا:
القصة المكررة تحبه وأهلها يرفضون!
علاقتنا كالأزواج: والأهل يرفضون!
تعجبني وأهلها يرفضون: حاول مجددًا
أحبها وتحبني وأهلها يرفضون!