أعزائي القائمين على هذا الموقع الأكثر من رائع.. جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من جهد واضح، جعله الله في ميزان حسناتكم بإذن الله.
أعزائي.. اسمحوا لي أن أطرح بين يديكم هذه الفضفضة وكلي ثقة في رأيكم السديد.. شمروا عن أكمامكم لسماع ثرثرتي الطويلة، فهذه أول مرة أكتب لشخص ما عما يدور بخاطري.
أنا ريما، فتاة سعودية على وشك إكمال العشرين عاما، نشأت وتربيت على أيدي المربيات والخادمات، لم أذق حنان والدتي ووالدي أبدا.. ولكن الحمد لله لا أعتقد أن هذا الأمر كان له أثر سلبي كبير على نفسيتي، فمع إهمالهما العاطفي لي فوالدتي لم تهملني دراسيا فأدخلتني أفضل المدارس و أحضرت لي أفضل المدرسين وكان لها أثر كبير على ما أنا عليه اليوم، لذلك فانا أحبها كثيرا، أما والدي فكان دوره سلبيا جدا في حياتي، ولكن يكفي طيبته وعدم تدخله في حريتي ومستقبلي، لذلك فأنا أحبه أيضا، وكثيرا ما أحاول الآن أن أتعرف عليه وأتقرب إليه، نشأتي على أيدي الخادمات البعيدات عن الدين أثرت في كثيرا.
فأنا علمت نفسي الصلاة في مراهقتي، والله لم يقل لي أحد يوما في حياتي قومي صلي أو لماذا لا تصلين، ربيت نفسي بنفسي، دربت نفسي على الصلاة مع الصعوبات التي واجهتها في البداية.. دخلت دورات تطوير الذات وتعلمت اللغات وثقفت نفسي، وهكذا تربيت وعرفت الصح من الغلط، الحمد لله سعيدة بحياتي ومحبوبة من الجميع.. أعتبر نفسي مختلفة عن بنات بلدي ومحظوظة، لذلك والحمد لله لم أتعرض للقهر الذكوري، فإخواني طيبون.
عند دخولي الجامعة اخترت تخصصا بعيدا عن مدينتي، فانتقلت للعيش هناك.. وذاك أكسبني خبرة كبيرة وشعورا بالاستقلالية، والاعتماد على النفس.. قد تسألون إذن ما مشكلتي؟ بصراحة مشكلتي هي أولا شعوري بالغربة في مجتمعي.. فهو مجتمع غارق في العيوب والمشاكل والعادات والتقاليد البالية، أحزن كثيرا وأتعصب لظلم النساء في مجتمعي.. أقسم بالله في بعض الأوقات أكاد أصرخ يا ناس ألا توجد امرأة سعيدة هنا.. تلك معلقة منذ سنين تركها زوجها مع أطفالها.. وتزوج وعاش حياته.. وللأسف لم تجد من يقف معها، حتى القضاة هنا أستغرب من بعض أحكامهم وعدم تفهمهم لما تواجهه النساء هنا في بلدي من صعوبات، وتلك يضربها زوجها دائما بسبب وبدون سبب، تشكي لمن؟ لوالدها.. لإخوتها.. هم أشد وأشد.
أذكر في أحد المرات كنت أتحدث مع امرأة في أحد الأماكن العامة، وأثناء حديثنا قالت لي إن زوجها عندما يخرج للعمل أو عند الأصدقاء يقفل عليها باب الشقة بالمفتاح!! وعلى فكرة هذا الأمر منتشر كثيرا هنا، و.. و... إلخ، هؤلاء المتزوجات، أما اللاتي لم يتزوجن فيذقن ويلات الأهل وكلام الناس والمجتمع الذي لا يرحم أبدا، فإذا وصلت لسن محددة ولم تتزوج يبدأ الجميع بالتجريح.. والمطلقة أيضا.. كم هي مسكينة ومظلومة بمجتمعي، فهي ذنب زواج كله غلط في غلط لم يعرفا بعض هي وزوجها إلا أول يوم من الزواج!!!
أكره الأقنعة والمظاهر والنميمة المنتشرة هنا.. كل شي عيب، احذري أن تدري فلانة أو علانة، والرجل للأسف فبغض النظر عن نظرته القاصرة للمرأة.. أعتبره أيضا هو ضحية تربية وفكر المجتمع، والله إني أرى شبابا لا يمت بأخلاقه للإسلام بصلة.. بكل صراحة سطحي، فارغ ومسعور، أنا لا أعمم فالصالح والطالح في كل مكان، ولكنه والله حال أغلب الناس هنا.. فنحن وللأسف أبعد ما نكون عن الإسلام وأخلاقه، ونفسره ونحلله مثلما نحب ونريد، أنا منذ صغري متاحة لي الحرية، بلا رقابة ولا حسيب من أهلي، فعندي الجوال والنت والسائق تحت أمري أفعل ما أريد وأذهب إلى حيث أشاء، لكني والله وإلى يومي هذا لم أتورط بأي علاقات تافهة مع شباب مثلما كن أغلب صديقاتي.
ولم أقم أي علاقة مع أحدهم، أولا لأني أحترم نفسي كثيرا وأريد أن أكون جوهرة غالية وثمينة لحبيبي وزوجي فقط.. وثانيا لأني أفهم شبابنا وتفكيره جيدا، لذلك فأنا لا أطيقهم، وأتمنى ألا أتزوج من هنا، ولا أعيش بقية حياتي هنا، لأن التقاليد البالية البعيدة عن الدين تخنقني، أما عن وضعي فالحمد لله سمعتي وسط العائلة طيبة جدا.. والجميع يتحدث عن تفوقي وتميزي، وعائلتي ناجحة ومحبوبة من الجميع والحمد لله.
وأنا كما يقول عني الناس شديدة الجمال والجاذبية منذ صغري، وأنا أخطب كثيرا، ولكني لا أستطيع التفكير مجرد التفكير بأن أحد هؤلاء قد يصبح زوجا لي، فأنا لا أظلمهم لكني أعرفهم جيدا، بكل بساطة لا أريد أن أتزوج ابن عمي أو ولد جاري أو ابن صديق والدي، ففي مجتمعنا المغلق دائرة الزواج تكون ضيقة جدا، ومن ناس قريبين فقط، أما أنا فهؤلاء لا يروقون لي أبدا ولا ينسجمون مع تفكيري.. أعلم أنه يوجد شباب هنا جيد وخلوق، ولكن ما السبيل لهم؟
في مجتمع مغلق مكبوت.. لا أريد ذكرا أريد رجلا يتحلى بالخلق، لا يهمني إن كان غنيا أم فقيرا أو إن كان وسيما أو من عائلة ذات حسب ونسب كما يريد أهلي، المهم أن يكون مسلما، وأنا والله هنا لا أجد الإسلام، فيكفي أن الحسد والسحر منتشرين بشكل كبير، والأفكار والاعتقادات الجاهلية موجودة وتكبر يوما بعد يوما، فأين يكون الإسلام؟
أنا تطوعت في عدد من المستشفيات والمراكز، وصدمت لما يوجد من تحرش من الأقارب وعنف وخيانة، والله أشعر بالكآبة.. لهذا الوضع، والله لم أستطع الاستمرار هناك؛ لأن حالتي النفسية ساءت مما أرى كل يوم، أنا أبدا أبدا لا أريد أن أعيش بقية حياتي هنا.. نعم أنا أحب هذه الأرض، ولكن أخلاق الناس ونفوسهم تغيرت.. أنا والله لا أطلب الكمال ولا أطلب فارس الأحلام المفصل على رغبتي، أنا أطلب أبسط حقوقي.
عن نفسي أشعر بأن الفراغ العاطفي يكاد يقتلني، أتمنى أن أحب وأحَب، أتمنى أن أكون أما لأطفال رائعين اليوم قبل غد.. تعبت بشدة من هذا الوضع.. والوحدة تقتلني، حاولت أن أشغل نفسي، تطوعت في عدد من المؤسسات، تقربت إلى الله أكثر، اشتريت الكتب وثقفت نفسي، لكن الشعور بالفراغ العاطفي والحاجة للحب ما زال يقتلني.
عندما أقرأ عن بعض الرجال الناجحين أقول يا الله ارزقني بمثل هؤلاء الرجال، قررت بعد تخرجي أي بعد سنتين تقريبا إن أحياني الله، أن أكمل الماجستير في تخصصي في أمريكا لأحقق نفسي وطموحي أولا، ولأهرب من هذا الجو الخانق ثانيا، والأمر الآخر والذي حدث لي مؤخرا.. قبل فترة كنت أقرأ عن عائلة عربية مسلمة هاجرت لأمريكا منذ سنين طويلة، الرائع في الأمر أن هذه العائلة مع انفتاحها وتطورها استطاعت أن تتمسك بالإسلام وتعتز به، أعجبني ذلك كثيرا، هي عائلة مشهورة ليس لغنى وجاه، بل بنجاح واعتزاز بالإسلام.
وقرأت بالتحديد عن شاب من هذه العائلة أيضا ناجح كما هي العائلة، قلت في نفسي يا الله ما أروع هذا الشاب والعائلة، أحببت بشدة أن أتعرف عليه عن قرب، دخلت النت وقرأت عنه أكثر، أعجبت به بشدة، لا أسميه حبا فأنا لم أعرفه وهو كذلك بالتأكيد، ولكني أعجبت به، ولا أعلم ماذا حدث لي بالضبط، كم هي رائعة بساطتهم وطريقة عيشهم التي أفتقدها كثيرا، لذلك قررت أنه عندما أذهب إلى هناك لإكمال دراستي أن أتعرف عليه أولا، ثم لأني معجبة بهم وبأفكارهم عموما.
وهو الآن في منتصف الثلاثينيات، أحدث نفسي بأن فكرتي هذه مجنونة وخيالية، ولا أعلم كيف سيطرت علي، هل أنا ساذجة في تفكيري هذا؟! أم أجرب حظي وأتعرف عليه عن قرب، فقد يعجب بي كما هو حال كل من يعرفني عن قرب، ولا يوجد هناك مستحيل، أول مرة أجد نفسي أفكر في شخص ما، هل هذا لشعوري بالفراغ؟! مع أنه تماما مثلما أتمنى، حدثت أهلي عن رغبتي في إكمال دراستي هناك، ولم أجد معارضة والحمد لله، فثقتهم زادت بي بعدما تغربت، حيث أعجبت والدتي بقدرتي على مواجهة الحياة وتدبير نفسي.
اعذروني كثيرا على الإطالة وتشتت أفكاري بالرسالة، فأنا كتبتها على عجل ولم أصدق أني أخيرا استطعت أن أصل لكم،
أكتب سطوري هذه وأنا كلي شوق لقراءة ردكم علي، ولا تنسوني من الدعاء، وجزيتم خيرا.
16/6/2024
رد المستشار
أختي الكريمة.. السلام عليك ورحمة الله وبركاته.. بداية.. أسأل الله تعالى أن يبارك فيك.. وبعد:
اسمحي لي أن ألخص رسالتك في أربع نقاط:
1- مجتمعنا مليء بالسلبيات، مما يجعلك نافرة منه نفسيا، وتودين الهجرة منه.
2- قلقك الطبيعي تجاه العثور على شريك مناسب في ظل انغلاق مجتمعي وتخلف ظاهر في نظرة الرجل إلى المرأة.
3- حديثك عن الشاب الذي أعجبت به، ومدى واقعية فكرة تعرفك عليه، لعله يعجب بك فتتزوجان.
4- رغبتك في الحياة في مجتمع آخر لا توجد فيه السلبيات التي في مجتمعك.
أما النقطة الأولى فأحيلك فيها إلى أمرين:
أولهما الموضوعية في الحكم على الأمور، فرغم قولك إنك لا تعممين، فقد وقعت في التعميم نفسيا، وإن حرصت على تجنبه لفظيا، ومن ثم حصل لك هذا النفور، حسنا.. لك عذرك من حيث كونك عايشت وقائع عبر عملك التطوعي، لكن أريدك ألا تحصري نفسك في الوقائع السلبية التي مرت عليك، تعلمين كما أعلم أن في مجتمعنا أيضا خيرا كثيرا، ونشاطات تطوعية يقوم بها أشخاص حريصون على الخير، فلمَ نظرت إلى الوقائع السلبية ولم تنظري إلى الجهود الحثيثة، لا سيما من الشباب لأجل النهضة بالمجتمع؟!
الأمر الثاني: لو سلمنا أن الفساد قد عم بالشكل الذي ذكرت، وأثبتت لنا ذلك دراسات منهجية، أليس هذا أدعى لبذل الجهود من أجل الإصلاح، لا سيما من شخصية مثلك ثرية قيما وعلما؟! وهل تنهض المجتمعات إلا بإحساس قوي بالمسؤولية تجاه الإصلاح يتبعه تفكير وعمل؟!
البيئة خصبة يا ريما وتنتظر من هم مثلك ليبذروا فيها الخير والحق، وأنت في عمر يجعلك في سعة أن تقطفي ثمار عطائك، فأسأل الله لك طول العمر في عافية.
كوّني مجتمعك الخاص، وهذا ليس متعذرا، وقوموا بنشاطات جماعية معا، أنا لا أنكر عليك حقك في اختيار المكان الذي تعيشين فيه، لكني آمل أن أكون قد قلبت معك أوجها تحتاج منك إلى وقفة متأملة.
النقطة الثانية: فقد ذكرت لك أن قلقك طبيعي، وأراني أفكر أحيانا بالطريقة التي تفكرين بها، ثم أقول لنفسي: هل أنا وحدي من يفكر بطريقة أراها مختلفة؟! المنطق يقول: لا بالطبع، إذن ما نراه سائدا لا ينفي وجود شريحة تلائمنا فكرا، ثم هناك نقطة مهمة، هل الأمر مرتبط بالفكر وحده حقا أم هو مرتبط بالخلق والسماحة؟ بمعنى أن تفكيرا منغلقا لا يظل كذلك مع نفس طيبة سهلة وتعامل ذكي ومهارة في إدارة العلاقة مع الطرف الآخر.
أمر آخر وهو توسيع مساحات التطوع في حياتك، فإن لذلك دوره في تحقيق قدر من الانفتاح المتوازن على التواصل مع الجنس الآخر.
ذكرت أن معرفتك عن الشاب الذي أعجبت به من خلال ما قرأت عنه، وأنا لا أرى هذا كافيا أبدا، فالتواصل المباشر يكشف الكثير، وقد يكون إنسانا رائعا فعلا لكنه لا يلائمك، ولا تستطيعان التعايش معا وأنتما مختلفان على المستوى النفسي وفي نظرتكما للأمور، وبالتالي لو حصل وتعرفت عليه فربما يخفت إعجابك به، أو يتوقف عند كونه إعجابا، لكن لا تتقبلينه حينها كشريك حياة، كل هذه الاحتمالات واردة وتحتاج منك إلى جعلها أصلا في تفكيرك حيال كل الشخصيات التي تبدو لك رائعة؛ لأنك لم تكتشفي بعد تواؤمها معك.
خلي بالك من قلبك الغض... وخلي بالك من الصور المبهرة؛ لأن ظاهرها فعلا غير كاف، وتعاملي بنفس التحفظ الذي تتعاملين به مع الشباب الذي ترينه سطحيا فارغا. وعليك بالتأني، حفظك الله من كل سوء.
أعيدك هنا إلى نفس الموضوعية التي تحدثت عنها في النقطة الأولى، قطعا ستوجد سلبيات أخرى في مجتمعات نراها أفضل حالا من مجتمعنا، فكيف سيكون رد فعلك تجاهها؟؟ وهل ستفارقك الغربة أم ستتولد بداخلك غربة من نوع جديد؟ وكيف سنفلح في علاج غربة أرواحنا إن لم نفعل ذلك في وطننا وبين أهلنا؟
ختاما... سطوري السابقة محاولة لاستيعاب فضفضتك عقلا وقلبا، والتفكير معك بهما، وأنتظر تواصلك ومتابعتك. والله يوفقك ويسدد خطاك ويحميك. ولا تنسيني أيضا من صالح دعائك.