أنا فتاة أبلغ من العمر 18 عاما، عانيت في طفولتي من معاملة قاسية جدا من أمي، لم أرَ منها حنان مادي أو معنوي، لا أنكر أنها عانت في طفولتها. فمن الممكن أن قسوتها هذه نتيجة قسوة والدتها عليها في صغرها ولكن ما أستفسر عنه هل هذا سبب كافي لأتعلق بأي شخص يهتم بي أو يشعرني بأنه يحبني..؟
والمشكلة أنني دائماً حين أتعلق بمن يحبني تكون النهاية أن نفترق، لأنني أهتم به إلى درجة لا توصف وأقدم له كل ما بوسعي فكأنني أود تعويض حرماني بأن أعطي وأقدم وأحب...
لقد تعلقت بعمر الخامسة عشرة بشاب وأحببته حباً لا يوصف وقدمت له اهتمام ومحبة لم يقدمها له والداه وقد أحبني وقد أعترف بهذا، إلا أنه كان يجرحني بطريقته فأنا أهتم وهو يرفض اهتمامي، كان يغضب فيفرغ انفعاله بوجهي لأنه على يقين أنه لن يتحمله أي شخص سواي.. وصلت الأمور بيننا لدرجة أنه طلب مني أن نبقى أصدقاء، وقد انفصلنا لمدة سنة ونصف.
ولكن ما يحصل الآن أن هناك شخصا أحبني وتعلق بي كما كنت أنا متعلقة بذلك الشاب ويقدم لي كل ما أريد إلا أنني الآن أرفض ما يقدمه لي ولا أشعر به أساساً...
فأين تكمن المشكلة؟ أنا الآن أجرح هذا الطرف كما كان يجرحني الطرف السابق.
أرجوكم أين الخلل؟؟
6/7/2024
رد المستشار
أصبت يا ابنتي بسهامك الصغيرة في معرفة السبب الحقيقي فيما تمرين به من قصص حب يختلف فيها دورك.
فلقد وفقك الله عز وجل في معرفة شيئين في منتهى الأهمية؛ أولهما أن الشخص الذي ينشأ محروما من الحب والحنان وفاقد لتلك المشاعر غالبا ما يقع في "فخ" التعلق وليس الحب، والفرق بينهما كبير.
فالحب علاقة ناضجة فيها تبادل وتكامل وتواصل بين كيانين مستقلين يربط بينهما الود والاهتمام بمصلحة الآخر، لكنها علاقة لا تجعل أحدهما ذائب في الآخر، وتستطيع علاقة الحب أن تتحمل الفراق بين الطرفين رغم وجود ألم للفراق.
إلا أن المحب يستطيع أن يحيا ويعيش ويتم مشوار حياته بشكل طبيعي، أما التعلق فهو ذوبان طرف في شخص طرف آخر حيث يصبح جزء منه وكأنه جزء من جسده، وفي تلك العلاقة نجد المتعلق يجعل وجود المحبوب في حياته قضية حياة أو موت.
فإن غاب عنه حبيبه غاب عنه الوجود كله، فلا يقوى على التعايش وحيدا أو أن يتأقلم مع الانفصال بسهولة وقد تصل في بعض الأحيان لدرجة أن يصاب الشخص المتعلق بما نسميه "قلق الانفصال" ويتم التواصل معه على عدة مستويات معرفية ونفسية ودوائية.
للدرجة التي تجعله يتحمل ما لا يتحمله الشخص العادي من هجر، أو إهانة، أو عدم اهتمام، أو غيره.
وقصة الشخص الأول هي قصة تعلق وأرجو أن تكوني الآن في أحسن حال بعد أن اكتشفت أنه لا يهواك كزوجة يريد أن يتم حياته معها، أما ما أنت فيه الآن فقد يكون بسبب أو بأثر من قصة تعلقك الأولى.
ففي بعض حالات التعلق تقرر الشخصية المتعلقة أن تنتقم ولو باتفاق ضمني مع نفسها أن تأخذ حقها من الشخص الأول في شخص الثاني، أو أنك لم تحبينه فلا تستطيعي أن تعطيه مشاعر أو اهتمام، وحينها أذكرك ألا تلعبي بمشاعره وتربطينه بك دون جدوى والابتعاد عنه هو الصواب، حتى وإن راودتك نفسك بألا تتركينه لإرضاء غرور الأنثى بداخلك فأنت أفضل من ذلك إن شاء الله.
وعموما أنا لست قلقة عليك لسببين أحدهما أجمل من الآخر؛ الأول: لأنك منتبهة لنفسك وتتعهدينها فترين كيف حالها وأين كانت وأين ستذهب وهذا يطمئنني جدا.
والثاني أنك رغم ما قلتيه عن قسوة والدتك إلا أنك تحملين لها في قلبك عذرا وإن لم تفصحي عنه صراحة، والآن عليك أن تنتبهي لدورين مهمين تأخرت عليهما كثيرا.
أولهما: القرب من والدتك ولا تقولي لا مجال، فأمك تحبك ولا شك، ولكن قد يخونها التعبير عن ذلك الحب بما تتطلبينه فلتبادري أنت، فبالحنان يأتي الحنان وبالاهتمام يأتي الاهتمام فلا تيأسي صغيرتي أبداً، وان فاتك الحنان وأنت صغيرة فبعقلك الناضج وفهمك للحياة يمكنك بالإرادة أن تجعليه في نفسك وفي حياتك مع أمك وأصدقائك وغيرهم.
وثانيهما: أن تؤجلي قصة الحب حتى يأتيك الشخص المناسب في الوقت المناسب، فالحب ليس طفلا تائها نبحث عنه أو نتسوله فالحب علاقة جميلة تربط بين قلبين ناضجين يتفقا على أن يكملا الحياة معا بنفس القوة تحت مظلة الشرع ومباركة الأهل ورضا الطرفين كل منهما على الآخر.