مشكلتي تتلخص في التالي:
نحن أسرة مكونة من خمسه أفراد، أنا وزوجي وثلاثة أبناء، نحن الآن نعيش في مصر وأحوالها الخانقة وأصبحت ظروفنا لا تحتمل أكثر.. فطلبات الأولاد تزداد والأمور تضيق، ولا أرى مخرجا منها إلا بالسفر للعمل بدولة عربية أحمل جنسيتها، حيث إنني مزدوجة الجنسية.
المشكلة الآن أن زوجي ظاهريا يرى أن هذا هو الحل وليس له عمل ملائم هنا أو هناك، ولكن ربما وجد عملا هناك، وعند سفرنا فسأكون أنا من يعمل وهذا يسبب لي ألما، وأعلم أنه سيتضايق ولكن ما باليد حيلة، والداه هنا وقد كبرا وهما معنا في نفس البيت، ولكن يوجد أخوه وأخته أيضا هنا، ولا أرى مانعا من السفر، ولكنهم مترابطون جدا والحمد لله، ولكن أيضا ما باليد حيلة.
باختصار هم متضايقون من تفكيرنا في السفر، مع العلم بأنه أصبح عازما على السفر، ولكن بدون علمهم بعد، وزوجي أيضا مرتبط بهم جدا، ويعيش حالة من الاكتئاب من قبل أن نسافر بمجرد فتح حيثيات هذا الموضوع يكتئب، فهو شخصية حساسة جدا وطيبة جدا.. أخشى أن أعيش أياما سوداء هناك لا أتحملها.. هنا توجد راحته وابتسامته ولكن لا يوجد مال.
أمه تشترط أن يعمل هو الأول ثم أعمل أنا.. أرى أن هذا تدخل ولن يحدث لأنني أحمل جنسية هذا البلد وعملي مطلوب هناك، أما هو فلا، ولا أدري فالأرزاق بيد الله.
أحس هنا بالسعادة وضيق العيش الشديد، وأحس هناك بالسعة والمال والتعب النفسي الشديد، ولا أستطيع أن أحدد أيهما أولى؟ فالمال ضروري وأولادي يحتاجونه، وأكثر من ذلك ستغرقنا الديون إلى جانب انطلاق الأولاد هنا من المسجد للنادي للمدرسة إلى بيوت الأسرة معنا في نفس العمارة، وهو ما سيفتقدونه هناك نظرا لعملي وعمل والدهم بإذن الله.
أشيروا علي..
أرجوكم فأنا محتارة.
7/7/2024
رد المستشار
مشعلة للحرائق أنت يا صديقتي! فعلى من أسقط نيراني التي أشعلتها في جنباتي؟ أأسقطها على من ضيّع الأمانة فجعل عباد الله الموكول بهم يسعون خارج أوطانهم طمعا في حد أدنى من العيش الكريم؟ أم أسقطها على مجتمع متخاذل جبان لم يحو كتاب حياته إلا ثلاثة دروس "الصمت" و"التأقلم" و"السخرية"؟ أم أسقطها علينا نحن حين لا نشدّ من عزمنا راجين من الله القوة حين نستخدم قدراتنا العقلية والجسدية والإبداعية في خلق فرص من عدم؛ ونحت صخر أصم؛ من أجل حياة نستحقها، وحتى إن كان الثمن تعبا وكدا معظم سنوات العمر لأننا قد توكلنا بحق على الحي القيوم بعد أن استنفدنا كل الوسائل؟!
ولكن.. أعود فأقول إن الله عز وعلا علّمنا أن نختار حتى في عبوديتنا له أو لا!! على أن ندرس كل خيار بما يحمله من متعة نرجوها ومسؤولية نتحملها مقابل تلك المتعة، فنقرر من البداية أن نتحمل عن "يّنة ورضا" مسؤولياته ما دمنا نحتاج لمميزاته وهذا ما فعلته أنت! ولم يتبق لي سوى أن أشاهد معك عن قرب تلك النقاط:
* صورتِ لي كأن السفر "جنة" حف طريقها بالمكاره؛ والبقاء صار "نارا" حف طريقها بالملذات؛ فألمح منك صيغة مبالغة في وصفك الأشخاص والمواقف، وكذلك التوقعات فترين زوجك حساسًا جدا.. طيبًا جدا... العائلة مترابطة جدا، والسفر سعة ومالا وتعبا نفسيا شديدا... وقد تنتظرك أيام سوداء هناك، فأرجو مراجعة ذلك مع نفسك لتهوني عليها مشوار الحياة ولتجدي في نفسك رفقا يجعلك أقوى من الأيام والاختبارات، بل لتكوني داعمة أسرتك؛ فترين زوجك حكيما محبا على الرغم من حزنه بسبب قرار السفر.. وهكذا.
* لست معك في أن رأي والدة زوجك تدخل غير "مقبول" أو في غير "محله" .. فألف باء قوامة الرجل الإنفاق، وهي ليست حقا للزوج - كما يتصور البعض - وإنما هي حق للزوجة على الزوج، وهو شرع لله شرّف به الرجل ليدير دفة الحياة الزوجية ماليا ومعنويا، وتجارب الحياة علمتنا أن المال اختبار لمعادن البشر، فلعلها تخاف عليك من هذا الاختبار حين تتدفق الأموال بين يديك مقابل عملك، ويكون زوجك هو "ربة المنزل"، وهذا ما أكرهه أنا وهو وأنت وأمه، ولا تقولي لي إننا زوجان متحابان وذلك الأمر ليس له ثقل بيننا، "فقد" يصح ذلك حين يكون عملك وإنفاقك استثناء، لكن حين يكون هو الأصل فسيختلف الأمر حتما ولو بعد حين.
* غيّبت عني تفاصيل هامة كأعمار أبنائك، فلا يتساوى اغتراب الأبناء وهم صغار كاغترابهم وهم كبار، فسيختلف الأمر من حيث كيفية التعامل معهم والمشكلات التي يمكن توقعها في تلك السن أو تلك، وكذلك عدم توافر عمل مناسب لزوجك هنا أو هناك!! فما معنى مناسب؟ هل تقصدين يدرّ مالا كافيا؟ وهل السفر سيحل تلك المشكلة بعملك أنت؟ وكذلك البلد التي تحملين جنسيته، فسيختلف البلد من حيث الوضع الاجتماعي والمالي فيه والبدائل المتاحة للتعايش معه، فهناك بلاد مكلّفة تحقق مستوى معقولا من الناحية المالية والاجتماعية للعيش فيها دون انتظار مجرد توقع للادخار فيها، وهناك بلاد أخرى يمكنك تحقيق الادخار فيها، وهو ما يؤثر على الأقل في توقع سنوات الغربة عن الوطن.
* أرى من بين سطورك أن قرار السفر صار أكثر جدية، ولقد قمت بالاستشارة وتبقى الاستخارة، فلتستخيري حتى يقضي الله أمره، فإذا سافرتم فعليك التفكير فقط في كيف ستديرين حياتك بأفضل الطرق الممكنة هناك نفسيا وأسريا، وأن هناك بداية قرب جديد بشكل مختلف مع زوجك لتخفيف وطأة الفراق عليه وإيجاد عمل له.. وإذا لم يحدث.. فلتتذكري أن الإنسان ما سُمّي إنسانا إلا لأنه يستطيع أن يقاوم ما يحب ويتحمل ما يكره، حتى يخط بيديه حياة ارتضاها لنفسه حين يُعمل كل قدراته ولو بعد حين.