في الحقيقة أنا شاب من السودان وعمري 19 عاما، وأدرس في الجامعة بكلية الطب تحديدا، وأكتب إليكم استفساري هذا ولا أدري إذا كان شيئا إيجابيا أم سلبيا:
في الحقيقة ليس لدي أي أصدقاء، وفي أحسن الأحوال لدي زملاء دراسة فقط وليس أصدقاء، وأعتقد -حسب نظرتي للصداقات - أن أصدقائي الحقيقيين هم أشقائي ووالدي فقط، هؤلاء هم أصدقائي الحقيقيون، وقبل أن أكمل تجدر الإشارة إلى أن والديّ يحثاني وينصحاني دائما بتكوين صداقات واكتساب أصدقاء وزيارتهم والالتقاء بهم، إلا أنني سعيد جدا بنظرتي هذه تجاه الصداقات، وسأستمر عاملا بها إلى أجل غير مسمى.
ومن أحد أسباب موقفي هذا هو أن الأصدقاء الحقيقيين المخلصين والأوفياء والصادقين أصبحوا من العملات النادرة جدا جدا هذا الزمن، كما أنني لا أقبل أن يقول لي أحد: صديقك فلان، كما أنني أعتقد أن مصادقة الغرباء فيها خيانة للعائلة وتفضيل للغرباء عليها، ومن الأشياء التي ترتبت ونتجت من موقفي من الصداقات أنني لا أحب السلام الحار بالأعناق والأحضان على الغير والغرباء؛ لأنهم حسب اعتقادي - أو غالبيتهم - لا يستحقون هذا السلام الحار، ولكن إذا قدم إلي شخص وبدأ بالسلام علي بالأحضان فإنني لا أستطيع إحراجه ورده، وعندما أسلم وأعانق شخصا غريبا أحس أنني قد ارتكبت ذنبا وخنت عائلتي خيانة كبرى.
وأنا والحمد لله متواضع وأكره التكبر والحمد لله.. أنا إنسان مسالم وعلاقاتي جيدة مع الجميع والحمد لله، ولكنها - كما أسلفت - لا تصل إلى حد الصداقة مطلقا ونهائيا، كما أنني أتحدث مع زملائي وأتسامر معهم وأضحك كذلك، لكن علاقاتي هذه لا تصل إلى حد الصداقة كما قلت، وأشعر أن الصداقات وعناق الأصدقاء والسلام عليهم منقصة لي وتنقص من وقاري واحترام الناس لي، ولكنني أعترف ولا أخفيكم سرا أنني عندما أرى شابا أو مجموعة شباب أصدقاء مع بعضهم في مثل سني، فإنني أحس برغبة قوية في معانقتهم والسلام عليهم بالأحضان سلاما حارا، هذا تناقض غريب في مشاعري أليس كذلك؟ ولكنني سرعان ما أغير تفكيري فورا، كما أنني عندما أرى مجموعة شباب أصدقاء في مثل سني مع بعضهم وهم يخرجون مع بعضهم ويمرحون ويستأنسون ويرتدون ملابس شـبـابـية فإنني أيضا أشعر برغبة قوية في السلام عليهم ومعانقتهم بالأحضان!!
الجدير بالذكر أنني عندما أكون بمفردي فإنني كثيرا ما أتحدث مع نفسي وأتكلم بمفردي وأناقش أموري، كما أنني والحمد لله أملك قلبا حنونا وطيبا. فما هو تفسير كل حالتي المعقدة هذه؟ هل هي شيء إيجابي أم سلبي؟ وإذا كانت مشكلة فما هي أسبابها؟ وما هو الحل؟ ولكم جزيل الشكر وجزاكم الله خيرا.
18/07/2024
رد المستشار
مرحبا بكم أخ "نور"، ودعني أتناقش معك من منطق الإحساس الذي شعرت به "شعور بالتناقض" لديك أفكار تدعم فكرة "لا أهمية للصداقة" وأفكار أو مشاعر "أرى الأصدقاء يستمتعون معا". هذا الشعور بالتناقض هو ما يزعجك وهو أيضا ما يمكن أن يكون مفتاح حل موقفك نحو الصداقة.
هل تتفق معي أنه يمكن أن تشعر بإحساس ما "جيد" ولديك أفكار سلبية في نفس الوقت؟ ربما تراه تناقضا، فهل تتقبل وجوده؟ هل يمكن اعتباره طبيعي والمهم هو كيف تتصرف بغض النظر عن الفكرة التي تدور في ذهنك والإحساس الذي بداخلك؟
عندما ترى الشباب معا تشعر بلهفة إلقاء السلام عليهم وفي نفس الوقت لديك فكرة سلبية عن الصداقة والعناق. أليس كذلك؟!! إذا كنت ستختار فأي جانب تختار: المشاعر أم الأفكار؟
يبدو أنك تميل دايما لتصديق الأفكار، لأنك قلت أن تغلبها وترجع لها، وهذا جيد لكن ماذا لو كانت الأفكار نفسها بداخلها أقسام وأنت تعاملها كأنها أفكار مطلقة وواحدة، فمثلا "أعتقد أن مصادقة الغرباء فيها خيانة للعائلة" هل كل الغرباء على درجة متساوية؟ هل بعض الأقارب على نفس الدرجة يعني أخيك وابن خالك على نفس الدرجة، أبوك وأخوك على نفس الدرجة من القرابة ومسؤوليتك نحوهم، فماذا إذا فرقنا بين الزملاء والأصدقاء، وبين الأصدقاء أنفسهم هذا صديق قريب جدا وهذا صديق قريب وهذا زميل قريب وهذا مجرد زميل.
ألا تتفق معي أنك أخذت كل من خارج العائلة ووضعته في سلة واحدة، وجعلت مقابلتهم تفضيل على العائلة بل وخيانة؟ ألا يمكن أن يكون لك عائلة وأصدقاء؟ هل لو قابلت أصدقاءك ستتهم بالخيانة ممن تعتقد أنك خنتهم "العائلة"؟
إذا كنت تعتقد في ذلك فهل هذا سيجعلك مستريح عندما تلتقي الأصدقاء؟ بالطبع ستشعر بمشاعر مؤلمة. ومن الطبيعي أن تقع في التناقض، لكن هل من الممكن أن تترك الأفكار التي تخطر ببالك وتعتبرها مجرد أفكار، هل عندما تشعر بالخيانة أو المنقصة تعتبر ذلك فكرة أو شعور أيا كان وتتركه لحاله وتتصرف فقط بما يتوافق عليه الناس أنه صواب.
هل هذه الأفكار "الصداقة منقصة – خيانة" ساعدتك وجعلت مزاجك أحسن؟ هل تأخذ وقتا كبيرا في التفكير في هذه المسائل؟ هل وصلت لحل قاطع؟ هل يمكن أن يجيبك أحد على هذه الأسئلة بشكل قاطع؟ فأنا مثلا ليس عندي إجابة سوى دع نفسك تذهب للأصدقاء ولا تجعل مشاعر الخيانة تتحكم فيك لكن كن واعيا بها واتركها ربما تذهب بنفسها.
ربما تترك أفكار ومشاعرك وتتصرف بشكل طبيعي، اجعل إحساس التناقض موجود، ربما يتلاشى مع الوقت لكن فقط تصرف كما يتصرف الجميع وكما ينصحك والداك، فالصداقة مكون اجتماعي في حياتنا، ربما تبدأ صداقة وتنهيها في وقت قصير أو وقت طويل، لا تهتم بتصنيفها والتأمل في علاقتها بمكونات اجتماعية أخرى كالأقارب والرحم، دع نفسك للحياة فترة ثم قيم التجربة لاحقا إن شئت.
بالتوفيق والمرة القادمة تخبرنا بعدد أصدقائك وعدد زملائك.