السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنها المرة الأولى التي أكتب فيها إليكم؛ لأنني في أمس الحاجة إلى استشارتكم في تلك المشكلة التي سوف أقوم بطرحها عليكم: أنا فتاة تجاوزت العشرين بقليل، بدأت تلك المشكلة مند سبع سنوات وبالتحديد عندما كنت في الصف الثاني الثانوي.
فقد أحببت شابا، كان زميلي في تلك المرحلة الثانوية، ولكنه التحق بكلية بينما التحقت بكلية أخرى. أصدقك القول يا سيدي الفاضل إنني لم أر في حياتي كلها من هو أخجل وأكثر أدبا منه ولعل هذا هو سر حبي الشديد له. وكما سبق وقلت لك بأنني قد أحببته مند سبع سنوات، ولكنني لم أسع إلى إقامة أي علاقة معه لعدة أسباب أولها أنني أخاف الله وأتقيه وأعرف أن إقامة أي علاقة عاطفية مع أي شاب هي حرام، وثانيا لأنه كما سبق أن أوضحت أنه شاب خجول ومتدين ولا علاقة له بالفتيات، وثالثا لأنني كنت أقول لنفسي إن هذه فترة حرجة، وكنت أقول لنفسي إن هذه فترة مؤقتة وستنتهي عندما يلتحق كل منا بكلية مختلفة، وسوف أنفتح على عالم أكبر من العالم الذي كنت فيه وسأقابل أشخاصا آخرين.
ولكن بالعكس، فقد التحقت أنا بالجامعة وتخرجت فيها والتحق هو بكليته، وتخرج فيها هذا العام، وكل يوم يمر علي يزداد حبي له رغم أنني كنت لا أراه، وإذا رأيته يكون ذلك مرة أو مرتين على الأكثر في العام، وتكون بالصدفة من غير تبادل أي كلام أو حديث.
ولكن هناك بعض الأمور كانت قد حدثت في الثلاث السنوات الماضية والتي أحسست أنها قد أنعشت الأمل في قلبي، وأن الله قد استجاب لدعواتي التي ظللت أدعوه بها طوال السنوات الماضية.
ولكن قبل أن أعرفك تلك الأمور أود أن أعرفك بعض الأشياء: زميلي هذا يسكن بالقرب منا، ويعرف أخي الذي يكبرني، فهما أصدقاء، فأخي أيضا متخرج بنفس الكلية التي تخرج بها زميلي. وفي نفس الوقت فإن لزميلي أختين تصغرانه، هما في نفس الوقت زميلات لشقيقتي الصغرى.
منذ ثلاث سنوات تقريبا، وفي يوم جمعة كنت قد توضأت وصليت الظهر، ودعوت الله بعد صلاتي -كعادتي- أن يجمع شملنا على خير، وكنت في ذلك اليوم على موعد مع مكتبة من المكتبات لأصور بعض الأوراق المطلوبة مني في الكلية.
وحينما انتهيت من صلاتي دعوت الله من أعماق قلبي أن أراه في ذلك اليوم، حيث إنني لم أره منذ مدة طويلة جدا، وبالفعل رأيته في نفس الشارع الذي كانت توجد فيه المكتبة التي كنت ذاهبة إليها مع أحد أصدقائه، فتعجبت وقلت يا سبحان الله.
وفي العام الذي يلي تلك الواقعة علمت أن واحدة من شقيقاته قد تمت خطبتها، وقبل موعد الزفاف بأيام قام هو بدعوة شقيقي الأكبر، واتفقنا في المنزل بأننا سوف نذهب إلى ذلك الزفاف. ولكني فوجئت في يوم الزفاف باتصال هاتفي من شقيقته العروس تريدني أن أذهب معها إلى الكوافير فتعجبت من هذا لأن علاقتي بها لم تكن قوية كما ينبغي لكي تطلب مني ذلك.
ولكني طبعا ذهبت، ولا أستطيع أن أصف لك الحفاوة التي استقبلنني بها، أعني بالطبع شقيقاته ووالدته فقد عاملنني كأنني واحدة من أصحاب الفرح. وفي ذلك اليوم قالت لي شقيقته الأخرى بعض الكلمات التي ما زلت أذكرها حتى الآن، وفي حفل الزفاف كانت دائما ملازمة لي وأصرت أن أكون معهن في الصور الفوتوغرافية.
وفي مثل هذا اليوم بعدها بعامين كنت صائمة كما تعودت أن أصوم كل يوم اثنين وخميس، وكنت قد خرجت من المنزل لأبتاع بعض المشتريات للمنزل، وقبل خروجي دعوت الله أن أرى شيئا يسرني ويبهجني في ذلك اليوم بالذات، وبالفعل تقابلنا، ولكننا لم نتبادل أي حديث؛ لأننا كنا نخجل من ذلك.
والآن يا سيدي الفاضل بعد هذا التفصيل الدقيق للمشكلة هل تعتقد أن الله يدخر لي الخير مع هذا الشاب في النهاية. لقد دعوت الله خلال السنوات الماضية أن يجعله من نصيبي، ولقد اتقيته، فقد أخبرتك أنني لم أقم أي علاقة معه، ولكن قلبي متعلق به بشدة، وهذا ليس بيدي يا سيدي الفاضل.
فأرجو منك أن تخبرني بعد كل هذه الدلائل التي قصصتها عليك: هل أتمسك بأمل أن يكون هذا الشاب من نصيبي؟
أرجو سرعة الرد، كما أطلب منك أن تخبرني بدعاء أقوله كي يرزقني الله بالفرج القريب. وشكرا.
21/7/2024
رد المستشار
منذ فترة قريبة كنت ألقي محاضرة عن الدوافع النفسية، وكنت أتحدث عن تأثير هذه الدوافع النفسية على إدراك الإنسان للأمور، ومما تحدثت عنه ما يسمى بالإدراك الانتقائي، واجتهدت في ضرب الأمثلة التي توضح للمستمعين ماذا يعني الإدراك الانتقائي، وكيف أننا ننتقي ما ندركه بحيث يكون موافقا لدوافعنا ومشاعرنا وما نتمناه وما نرغبه.
ولو كانت رسالتك بين يدي في ذلك الوقت لكانت أصلح نموذج لتوضيح هذا الأمر وشرحه بصورة لا يمكن نسيانها أو الخطأ فيها؛ لأنها ليست فقط إدراكا انتقائيا في موقف واحد، ولكنها حياة كاملة تعيشينها لمدة 7 سنوات تختارين فيها المواقف المختلفة وتعيدين ترتيب الوقائع للتوافق مع ما تتمنين حدوثه.
والحقيقة أن ما تثيره إفادتك هذه أيتها الابنة الكريمة يشترك مع مسألة شائعة تحتاج إلى بيان وتوضيح أنها من التجليات الواضحة لخلل عميق عند كثير من الناس وهم يحسبونه من الالتزام، وقد عالجنا أسئلة مشابهة وتساؤلات بعضها مباشر حول هذه النقطة.
يا إخواننا ويا أخواتنا: المؤمن يوقن بالقدر، ومعنى ذلك أنه لا يقع في كون الله سبحانه شيئا خارج قدرته أو دون علمه، والرزق والأجل مثل الصحة والمرض كلها في أقدار الله. وأتفق مع القائلين بأن الزواج رزق مثل كل الأقدار، ولكن بعضنا -وأخشى أنهم أغلبية- قد انحرفوا بهذا المفهوم إلى الابتذال إلى نراه في التعري والتغنج لاصطياد الزوج الفريسة، وهي مغامرة ومخاطرة قلنا فيها قبل ذلك الكثير، ولعل العودة إلى سيكولوجية الرجل الشرقي تفيد هنا.
وبالمقابل نجد الفتاة المحافظة تجلس تنتظر "رزقها" مثل ابنتي التي تشعر بالميل تجاه هذا الزميل، ولا تريد أن تتصل به أو تقيم علاقة لأن ذلك حرام، وأستغرب من أنها أيضا لا ترى أن هذا العجز والقصور في طلب الرزق هو من الحرام أيضا! هل يجلس أحدنا في المساء وينتظر السماء أن تمطر عليه ذهبا أو فضة بمقدار الزرق الذي يقدره الله له، وهل هذه هي مقتضيات الإيمان بالقدر؟
قد يحدث بعض هذا الجمود عن طلب الرزق أن يتجه الهدف المقصود -وأعني به الشاب المنشود- إلى اتجاه آخر لأن صاحبتنا لم تتحرك ولم تظهر على شاشة حياته أو اكتفت بلعب دور هامشي في زاوية المشهد بدعوى انتظار النصيب، وعندما يحدث هذا الاتجاه إلى أخرى تجلس فتاتنا تندب حظها وتلوم الزمان أو تجد من يقول لها هذا نصيبك يا ابنتي فلا تعترضي على الأقدار؛ لأن "الزواج رزق" ... فما كل هذا الخلل الذي نعيشه؟! وهل هذا هو دين الله ومراده من البشر أن يحولهم إيمانهم إلى دراويش بلهاء؟! وأنا أنتقد هنا ظاهرة واسعة، وليس مسلك السائلة. إن مثل هؤلاء هم الذين سألوا الفاروق عمر، وهو يهرب من أرض فشا فيها الطاعون: هل تفر من قدر الله؟! فرد عليهم: أفر من قدر الله إلى قدر الله.
وفي حالتنا أقول: إذا رأت الفتاة من الشاب ما يعجبها منه ويرغبها فيه فلا بأس من أن تجمع عنه معلومات أكثر من مجرد "خجول ولا يحادث الفتيات"؛ لأن الزواج علاقة أكثر تركيبا من هذا، ثم إذا تأكدت نظرتها فلا بأس أن ترسل إليه من يحثه على التقدم لها. ولنا في هذا تفصيل ينبغي الاطلاع عليه، فإذا نجحت هذه الوساطة قلنا الحمد لله وتمنينا الخير للطرفين، وإذا حدث غير ذلك قلنا الحمد لله والخيرة فيما اختاره الله، وقدر الله وما شاء فعل. هذا هو الإيمان واليقين والسعي لطلب الرزق مع التسليم بأنه لا يصيب الإنسان -وهو يتحرك ويسعى- غير قدر الله في كل الأحوال. اللهم رحمتك بالمسلمين.
ينبغي لاكتمال الفكرة أن أؤكد أن للوساطة التي أقترحها هنا أصول ومواصفات، وإلا فقدت الغرض منها، وقد تنقلب مشكلة؛ ولذلك أرجو مراجعة إجاباتي السابقة حول هذه المسألة ومنها: راغبة في "أخينا" ..فكيف تخبره.
ويتبع>>>: زواج الأقدار: تنتظر أخاها، والعريس سيطير!! م