بسم الله الرحمن الرحيم،
نشكر الإخوة القائمين على هذا الموقع المبارك، وأسأل الله أن يبارك في جهودكم. أولاً السلام عليكم ورحمة الله، قرأت كثيرًا في استشارات مجانين؛ وهذا ما دفعني للكتابة لكم عن مشكلتي والتي لم تعد مشكلة لي في الحقيقة؛ ذلك لأني تعودت عليها، ولم أعد أشعر بها، ولعل هنا يكمن حجم المشكلة.
منذ زمن حدث لي أن كُسِرت عاطفتي في حب لم يدم طويلاً مع شخص "قَلَب لي ظهر المِجَنّ" وأظهر لي جفاء بعد ود، وحوادث نظيرات لها، كل ذلك أورث عندي نوعًا من انعدام العاطفة أو قِلّتها على أقل تقدير؛ بحيث لم أعد لا أحس بعاطفة تجاه أحد.. أغيب عن زوجتي شهورًا فلا أشعر بعاطفة نحوها سوى الرغبة في قضاء الحاجة الجنسية.. لي أولاد أغيب عنهم دون أن أحس بالحنين تجاههم، بينما أجد أصدقاء كثيرين لا يكادون يطيقون فراق زوجاتهم وأولادهم.
ولا أخفي عليكم أني غير مرتاح عاطفيًا مع زوجتي، فزواجي كان تقليديًا، وهذا هو النطاق المسموح به في مجتمعنا.. فهل يمكن أن تساهموا في حل مشكلتي التي يمكن تسميتها بـ"البرود العاطفي"، وهل أنا رجل قاسٍ، علمًا بأني ملتزم بدين الله وأؤدي الفرائض التي أوجبها الله عليّ، أرجو بحث مشكلتي بجدية، حيث تتسم كل حلولكم بالجدية، لكن حاولوا أن تركزوا على أني استمرأت هذا الوضع، بل ربما البعض يسميه رجولة.
ولا أطيل عليكم، وعذرًا إن كانت الكلمات غير مرتبة، والحمد لله أن أوصلت لكم حجم المشكلة،
وأرجو ألا يكون قد اكتنف بعض عباراتي نوعٌ من اليأس والقنوط، وجزاكم الله خيراً.
18/7/2024
رد المستشار
R03;الأخ الكريم، ليس حاضر الإنسان ومستقبله مجرد صدى لأصوات حوادث ماضية، وليس سلوك الإنسان مجرد تقليد أعمى لسلوكيات مَن حوله.
بالطبع يبحث الإنسان عن شماعات يعلق عليها تقصيره وتكاسله عن تطوير حياته، وإصلاح سيرته، وقد تسعفه حادثة مرت به، أو بيئة يعيش فيها، ولكن تبقى هذه مبررات غير كافية؛ ولذلك يؤرقه ضميره من آن لآخر، وقد يكون الانتباه بداية، أو مجرد ومضة ما تلبث أن تنطفئ.
في حياة الكثيرين منا إحباطات وانكسارات وصدمات، وكثيرون كان زواجهم بالطريقة التقليدية؛ فهل يبرر هذا "انعدام العاطفة" كما تسميه، هل الإنسان تمثال من الخزف يتهشم من أول سقطة، ولا سبيل لعودته كما كان؟! وهل مسار النهر يظل محكومًا باعتبارات تفجر النبع؟!
لا يا أخي.. لا البدايات هي الحاكم الأهم على المسارات رغم أهميتها، ولا فشل مرة يعني إغلاق باب النجاح في وجه الناس إلى الأبد، ولا هذا وذاك يبرر ما أنت فيه وعليه.
البعض يتعامل مع أحداث الماضي، وكأنها أوتاد أو محاور تدور حياته حولها، لا بوصفها مجرد صفحات تنطوي لتُنْشر صفحات جديدة، رغم أن مناديًا ينادي من قبل السماء كل يوم قائلاً: "يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
كل يوم جديد هو صفحة جديدة بيضاء ناصعة تنتظر ما تكتبه فيها إن خيرًا فخير، ولو كانت غير ذلك فأنت الملوم، وليس الماضي.
ومن الفوارق بين البشر أن بعضهم يستسلم لأسباب القعود، فيقول: فعلوا بي كذا وكذا، وآخرون ينهضون فيقولون: بل نفعل نحن، ونكون غير الناس. والنصيحة واضحة: "لا يكن أحدكم إمّعة"، ومدارج الكمال لا تنتهي، والإنسان بما يعمل، لا بما فعله به الآخرون.
إن زوجتك هي من أنجبت لك الأولاد، وهي من تصبر على برودك العاطفي، وتصبر على هجرك لها بالشهور، فلماذا تراها تفعل ذلك، ولا تضج ولا تشكو؟!
هل قالت هي الأخرى: لقد كان زواجنا تقليديًا، لم أره صاعقًا للقلب، أو سارقًا للروح، ولذلك ليس له عندي سوى اليسير من الود!!
زوجتك أحكم منك، رضيت بما يتيحه الواقع، ورأت فيك دنياها وآخرتها، وأحبتك بالمعنى الحقيقي والعملي للحب، وليس الحب مجرد خفقة قلب، واحمرار وجه، وتلعثم لسان.. الحب الحقيقي أن تتحمل المسؤولية، وتبذل في الرخاء والشدة، والصحة والمرض، وتصبر لأنك تحب.
أنت – ومثلك ملايين – وكلنا نعيش أحيانًا أسرى تصورات غريبة تقيّدنا، وتمنعنا من الاستمتاع بنعم الله التي بين أيدينا، إننا حتى قد لا نراها، وهي أمام أعيينا!!
زوجتك المحبة الصابرة، وأولادك زينة الحياة الدنيا، ورزق من الله العلي القدير، وتحتاج إلى إعادة اكتشاف للسعادة بأنواعها، وتحتاج قبل ذلك إلى الكف عن التحليل النفسي الخاطئ الذي تستخدم فيه "حوادث السير" لتبرير قصور "نظام المرور" في شوارع حياتك.
دعك من خرافات الانكسار العاطفي والزواج التقليدي فكلها حوادث عارضة تقع كل يوم بالملايين، وتأمل لتجد أن هناك شموسًا وأقمارًا في بيتك يمكن أن تضيء حياتك ليلاً ونهارًا، صيفًا وشتاء لو أنك بددت سحب الكسل، وشبهات الفهم الخاطئ، ومشاعر اليأس غير المبرر.
جدد حياتك وتحبب إلى أولادك كما كان الرسول يفعل مع أحفاده من "فاطمة" رضي الله عنها، وابحث عن موضع العيب وأسبابه وعالجه متعاونًا مع هذه الزوجة الصبور التي تحتك، وكما صبرت معك في الضراء ستشكر في السراء.
ولا يحتاج الأمر سوى الإرادة والرغبة في التغيير، وإلى عزم في المبادرة، وبرامج بسيطة بحسب الإمكانات المتاحة، لتأخذ السعادة أنت وذووك من دفء الأسرة، متطلعًا إلى جراح الماضي بوصفها ندوبًا قد التأمت، وأطلالاً مررتَ بها ثم حللتَ بديار عامرة غيرها، وأنت في مرورك بهذه أو تلك مجرد غريب أو عابر سبيل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أبشر يا أخي.. إن ما تعاني منه هو حال الكثيرين، وهو ليس بمعضلة، فقط يحتاج إلى إرادة وتغيير، وأنت أهل لها بإذن الله ولكنك لا تعرف قدر المخبوء فيك من قدرات وطاقات.