السلام عليكم
أتمنى أن آخذ من وقت سيادتك دقائق لقراءة رسالتي هذه؛ حيث إنني ترددت كثيرًا في كتابتها، ولكن ما دفعني إلى ذلك هو ثقتي الكبيرة في الله ثم في سيادتكم.
إنني يا سيدي شاب في التاسعة والعشرين من عمري وأعمل مدرسًا مساعدًا في إحدى الجامعات، وأنا الابن الأوسط لأب لديه الكثير من الأولاد، وكان والدي رحمه رجلاً صالحًا وحافظًا لكتاب الله، وكان موظفًا صغيرًا وأسرتي أسرة فقيرة ماديًّا، ولكن كنا سعداء؛ حيث ربانا أبي على تقوى الله والقناعة والصراحة، وتعب كثيرًا من أجل تعليمنا. وتوفِّي أبي وأنا في بداية المراهقة، وكانت وفاته صدمة كبيرة لي حيث شاهدته بعيني عند وفاته.
بعد ذلك تولى أخي الأكبر مني مسؤولية البيت، شعرنا بالمسؤولية؛ حيث إنني كنت أعمل في فترة الإجازة الدراسية لأساعد أهلي وأتحمل تكاليف دراستي، وكنت أعتمد على نفسي في المذاكرة، ولم آخذ درسًا خصوصيًّا واحدًا، والحمد لله كنت متفوقًا طوال فترة دراستي وحصلت على مجموع عالٍ في الثانوية العامة أهلني لكي أدخل إحدى كليات القمة في إحدى الجامعات.
وفرح أهلي كثيرًا بتفوقي وكانت فرحتي حين أراهم فرحين، وبذلك كنت حريصًا على أن أستمر في تفوقي من أجل إدخال السرور على والدتي الست الطيبة وعلى جميع أهلي.
ودخلت الجامعة وكانت مرحلة جديدة في حياتي، ورغم كل المغريات فقد كنت حريصًا على أنني جئت من أجل هدف واحد هو الحصول على البكالوريوس، وكنت حريصًا على ألا أحمل أهلي فوق طاقتهم، والحمد لله كنت مجتهدًا طوال فترة دراستي في الجامعة، وكنت محبوبًا بين أصحابي وأساتذتي، وكنت أنجح بتفوق طوال فترة دراستي وتخرجت في الكلية بتقدير جيد جدًّا مع مرتبة الشرف، وتعينت معيدًا بالجامعة.
وبعد تخرجي دخلت الجيش، وكنت أنزل إجازات من الجيش لكي أزور أهلي وأطمئن عليهم من آن لآخر، وكنت ألح على أخي الأكبر أن يتزوج حتى يرتاح ويريح والدتي المريضة بالسكري من شغل البيت، وكان إخوتي يرشحون له، ولكنه كان يمتنع ويرفض، أحيانًا يقول لا تعجبه واحدة، وأحيانًا يقول إنه بعد أن ينتهي من زواج أخواتي البنات.
وبعد فترة من زواج أختي الصغرى من ابن عمنا الذي يعيش في الإسكندرية أعجبت أخي الأكبر أخت العريس، وتمت الخطبة بعد فرح أختي الصغرى بيوم، ولكن اشترط عليه أهل العروسة أن يعيش في مدينة أخرى، ونظرًا لأن أخي يحب العيش في مدينة أخرى وافق، ولكن بعد فترة عندما يرتب نفسه، وعرضنا عليه أن يبيع جزءاً من الأرض التي تركها لنا والدنا لكي يساعد نفسه (وهي كل ما نملك وهي حوالي 2/1 فدان)، ووافق أخي وباع جزءاً من الأرض، ورهن كل الأرض الباقية لكي يشتري بيتًا في إحدى ضواحي الإسكندرية، وتداينا ودخلنا جمعيات كي نساعده؛ لأنه تعب في تربية إخوتي وحقه أن يرتاح، وجهّز أخي شقته في هذا البيت تجهيزًا ممتازًا حتى يظهر أمام أهل زوجته الأغنياء أنه مقتدر، وتزوج أخي بعد أن استنزف كل ما لدينا وطلب من أهل زوجته أن يعيش فترة في الصعيد وبعدها ينقل شغله إلى الإسكندرية.
ومر عام وأراد أخي الأصغر مني الزواج ليساعد والدتي الست المريضة ولا يوجد في البيت شيء غير المعاش الذي تركه أبي ومرتب كل واحد منا نحن الثلاثة، ووقفنا بجوار بعض وكان أخي الأكبر يعمل في عملين، وكنت أساعدهم بجزء من مرتبي على قدر ما أستطيع، وباقي المرتب يكاد يكفيني كي أكمل باقي الشهر، حيث كان عملي في محافظة أخرى بعيدة عن قريتي، ويكاد باقي المرتب يكفي نفقاتي من الأكل والشرب وشراء بعض الكتب التي أحتاجها.
وتزوج أخي الأصغر ودخلنا بعد ذلك في ديون لكي نسدد ما علينا، وكنت أعمل ليل نهار كي أنتهي من الماجستير، حيث كان المشرف من الدكاترة الصعب جدًّا معاملتهم، لكنه كان رجلاً عالمًا، ولهذا اخترته كي أتعلم منه رغم أن كثيرًا من زملائي لامني على اختياري له، وقالوا حرام عليك هذا لن تنتهي إلا بعد 5 سنوات مثل من قبلك.
وتعبت كثيرًا معه، وكنت أحاول أن أرضيه وألا أتأخر عنه حينما يطلب مني أن أعمل بحثًا معينًا، وكنت أسافر إليه مسافة 500كم حينما كان يريدني في مكتبه، وتعبت نفسيًّا معه حيث لا أجد منه كلمة تشجيع واحدة على ما أفعل حينما اكتشف طريقة جديدة في عملي لم تذكر من قبل. وكان لا يتورع أن يحرجني أمام باقي الأساتذة، ومن الممكن أن أسافر كل هذه المسافة ويقول لي ليس عنده وقت.
ولكني كنت لا أيأس وكنت مواظبًا على العمل في الماجستير رغم كل ما أجده من مشاكل مادية في البيت ومشاكل مع المشرف الذي لا يعلم بمتاعب الآخرين. وعلى الجانب الآخر أجد باقي زملائي مرحين لا يعملون كثيرًا في الماجستير، وأجد مشرفيهم قريبين منهم "fresh"، وكنت حينما أرى ذلك أتعب نفسيًّا رغم أنني أكثر منهم تفوقًا وعملاً ولكني أحب لهم الخير... ورغم كل ذلك كنت أضحك وأمرح؛ فأنا والحمد لله محبوب جدًّا بين كل زملائي وكنت أساعدهم في حل مشاكلهم، وكنت مشهورًا بينهم بالابتسامة الصافية والقلب الأبيض، وكذلك الطلبة كنت محبوبًا لديهم جدًّا وكانوا يفرحون حينما أعطيهم مادة في التيرم، وكانوا يحبون طريقتي في الشرح ويتمنون أن أعطيهم كل المواد التي يدرسونها، وكنت معروفًا بتديني وأدبي بينهم، وأيضًا بقوة شخصيتي بين زملائي وكذلك حرصي وعدم صمتي إذا رأيت شيئًا لا يمكن السكوت عليه.
والحمد لله بعد فترة من العمل في الماجستير استطعت أن أنشر بحثي في إحدى المجلات العالمية، وبعدها انفرجت أسارير مشرفي الذي أبدى إعجابه بما أنجزته من عمل، وكان فرحًا بي، وعرفت بعد ذلك أنه كان يقدرني وكان لا يظهر إعجابه بشغلي طيلة تعاملي معه حتى يحصل مني على الأفضل، وبعد ذلك طلب مني أن أكتب رسالتي وأستعد لمناقشة الماجستير، فرحت بذلك لأنني أول واحد أنهي مع هذا المشرف في وقت قياسي وهو سنتان بدلاً من 5 سنوات.
في هذه الفترة قلت خلاص الحمد لله سوف أنتهي من الماجستير، وفي نفس الوقت أبحث عن الإنسانة التي تشاركني حياتي، وكانت معي بالكلية طالبة غاية في الأدب والاحترام؛ فهي متدينة ومن أسرة كريمة، وكنت أدعو من الله أن تكون من نصيبي، وكنت أحلم بها في أحلامي، وكان هناك شيء غريب يجذبني إليها لا أعرفه، ولكني أشعر أنني أعرفها منذ زمن طويل، ولكني قلت ليس بعد، وتركت هذا الموضوع من دماغي حتى أنتهي من مناقشة الماجستير الأول، ثم أنا ليس معي شيء غير مرتبي.
وأردت أن آخذ رأي أحد أصحابي القريبين مني في ذلك الموضوع، ولأن هذا الشخص يستطيع أن يحضر لي معلومات عن أهلها لأنها من نفس بلده... وكنت أعلم أن صاحبي هذا يحب فتاة أخرى كما صرح لي من قبل، وحينما أردت أن أقول له إني معجب بواحدة وأريد رأيك فيها، قال لي أتمنى ألا تقول فلربما تكون التي في باله، ورفض أن يستمع لي.
المهم نسيت الموضوع وخلصت السنة الدراسية، وكنت منهمكًا في الإعداد لمناقشة الماجستير، والحمد لله ناقشت رسالتي وحصلت على تقدير المحكمين على مجهودي في الرسالة. وكانت فرحة مشرفي بي كبيرة وأصبح متوددًا لي، وطلب مني أن أحضر معه في الدكتوراة فتذكرت تعبي النفسي والعصبي معه فاعتذرت له بأدب.. وفرحت بحصولي على الماجستير وفرح لي أهلي كثيرًا وكذلك أصحابي، واتصل بي صاحبي مهنئًا لي أول واحد، وبدأ العام الدراسي الجديد، وكنت منتظرًا أن أرى فتاتي التي لم أصارحها بإعجابي لها مطلقًا بسبب خجلي الشديد.
وحين بدأت الدراسة ورأيت صاحبي هذا مهنئًا لي بحصولي على الماجستير وقال لي سأخطب؛ ففرحت له وقلت له مبتسمًا يا ترى الجماعة إياهم؟ قال لا! وإذا به يفاجئني بأنه تقدم لخطبة من أحبها أنا؛ فكان الخبر كالصاعقة عليّ، ولكني تمالكت نفسي وهنأته بذلك، وقال لي إنه منتظر الرد ويعتبر الموضوع رسميًّا، وأشاع زميلي الخبر بين كل الزملاء بأنه خلاص وافقوا عليه والخطوبة في آخر السنة.. وبعد ذلك قررت أن أنسى من أحببت وأفكر في حياتي وشغلي، وبعد فترة عرفت من بعض الزملاء أن زميلي هذا رُفض من الفتاة وكذلك من أهلها، حيث كان زميلي دائم الوقوف مع الطالبات ومعروف بين الطلبة بأنه إنسان غير سوي.
ولكن زميلي هذا لم يعترف أمام الناس أنه رفض وأقنع كل الزملاء بذلك، بل وكان ينادي على هذه الفتاة أمام زملائها وأكثر من مرة يطلبها في مكتبه لكي يعرف رأيها، ولكن من خجلها وأدبها ترفض ذلك أن تقولها صريحة أمامه، وسبب لها مشاكل كثيرة حتى إن كل الكلية طلبة ومعيدين عرفوا بذلك وشوَّه سمعتها، وسبَّب لها مشاكل مما كانت بعض الطالبات تضايقها في المدينة الجامعية. ومرت الشهور وأنا أحاول أن أنساها، ولكنها دائمًا تأتي في مخيلتي وفي أحلامي.
وفي أحد الأيام قال لي صديق آخر إنه سمع من إحدى صاحبات هذه الفتاة أنها رفضت الشخص الأول، وأنها بتعزني أنا، ولو تقدمت لباباها في البيت راح يوافق عليه.. وحينما علمت بهذا الخبر طرت فرحًا حينما علمت أنها تكنّ هذا الحب لي وتخبئه.. ولكني حينما أفكر فيما فعله صديقي الأول والتشهير بها أتردد وأحاول أن أنساها، ولكني أشعر أن شيئًا لا أعرفه يجذبني إليها. وفي أحد الأيام حلمت بها تأتي إليّ وهي تبكي وتطلب مني أن أخلصها من مشاكلها واستيقظت على هذا الحلم، وكان حلمًا غريبًا. بعد هذا الحلم بدأت أفكر جيدًا فيها وعلمت من أحد الزملاء أن كثيرًا من الناس والزملاء يريدون التقدم إليها. وفي أحد الأيام قررت أن أفاتحها في الموضوع، ولكن ذلك صعب جدًّا لما بهذا الموضوع من حساسية وخاصة في الكلية ومعرفة كل الطلبة والمعيدين بالموضوع الأول، وكذلك بسبب خجلي الشديد؛ لأنني لم أكلم فتاة في حياتي قط.
ولكني قلت أفاتح صاحبي الأول في هذا الموضوع، ولكني أشعر أن هذا به حساسية شديدة وجرح لمشاعره، حيث إنه ما زال يقول للناس إنه خلاص في الإجازة سوف تتم الخطوبة، وأردت أن أعرفه بذلك من خلال أحد الزملاء كوسيط. وقرّر صاحبي أن يأخذ رأيها ثاني يوم وقوبل بالرفض من خلالها. وبعد فترة من خلال أخت أحد زملائي استطعت أن أبلغها بذلك وطلبت أن أتحدث إليها من خلال التليفون؛ لأني أريد التحدث معها أولاً وأخذت إذن والدتها ووافقت والدتها بأن أحدثها. وحينما حدثتها على الموبايل كانت مفاجأة لها، ولم تصدق ذلك، وطلبت مني أن تصلي صلاة الاستخارة أولاً وترد على بعد ثلاثة أيام، وردت عليّ بالقبول بعد ثلاثة أيام وكانت فرحتي كبيرة، وطلبت منها أن تخفي ذلك الخبر عن باقي زملائها حتى يتم الموضوع.
وفي هذه الفترة كنت خائفًا من رد فعل الناس لو خطبتها وكنت كل يوم أصلي صلاة الاستخارة، ولا أشعر بشيء إلى أنني في أحد الأيام حلمت بالرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقول اسم من أحب، ويقول إن هذا الاسم من أحب الأسماء إلى قلبه، واستيقظت من النوم وكنت فرحًا بذلك، وشجعني هذا على المضي في الخطوبة ولا أعير أي شيء اهتمامي. بعد ذلك أخبرت أمي في البيت بذلك وفرحت لي، ولكن وجدت الاستغراب على وجوه إخوتي، ومنهم من قال إنه لسه بدري عليّ، وأن البيت مافهوش فلوس، ولكنهم تظاهروا بإرضائي بعد ذلك.
وكانت أختي أقرب واحدة لي في البيت، وكانت تقول لي "طالما بتحبها وبتحبك تعيشوا سعداء مع بعض وإوعى تفرط فيها". وبعد ذلك كنت أتحدث مع حبيبتي في التليفون وأحكي لها ما أشعر به فهو إحساس جميل لأول من يحب، وكانت هي سعيدة جدًّا وكانت تحبني كثيرًا، وأنا كذلك تعلقت بها؛ لأنني فعلاً أحببتها دون أن أسأل عن أهلها من هم. وبعد ذلك قلت لها إنني سوف أتحدث إلى والدك وتحدثت مع والدها وكان مرحبًا بي، وعرفت أنها من أسرة كريمة وميسورة الحال، وأهلها ناس متدينون وأعجبت بهم، وقررنا أن تكون الخطبة في الإجازة الكبيرة. وخبأت ذلك عن كل زملائي حتى يكتمل الموضوع.
وفي أحد الأيام كان معي أحد أصدقائي وأثناء الحوار أتى الكلام عن صاحبي الأول وقال لي "عارف ليه اترفض؟ قلت له ليه؟ فقال لي علشان البنت دي بتحب طالب في الكلية يعرفه زميلي وهو اللي حكى له، والطالب ده كلمها في التليفون وكانت بتضحك وهي بتكلمه، وإذا بي أهب في صاحبي هذا وأقول حرام عليك الواد ده كداب علشان البنت دي مؤدبة وأنا أعرفها وأعرف أهلها كويس". وصارحتها وكانت صريحة معي بأن هذا الطالب كان يريد خطبتها وعلمت بذلك من إحدى الفتيات ورفضته.. وكان صاحبي الأول قد حصل على منحة للحصول على الدكتوراة، وسوف يسافر في خلال أسابيع قليلة، وكنت أود أن أقوم بالخطبة قبل أن يسافر حتى لا يفهم أحد الموضوع غلط.
ولكنه سافر ونحن لا نتحدث إلى بعض. ومرت شهور وتمت خطبتي على من أحببت وكان أهلها متعاونين معي ولم يثقلوا عليّ في الشبكة وغيره، وقد تداينت حتى أكمل ثمن الشبكة وأتم الخطبة حتى تمت، ولكني لمحت أن أهلي غير فرحين بهذه الخطبة وبدءوا يظهرون العيوب في خطيبتي بأنها غير جميلة وفمها واسع ورفيعة... ولكني كنت غير مهتم بما يقولون ولم يحضر الخطبة إلا ثلاثة من أصحابي في الكلية.
وبعد فترة بدأت تظهر المشاكل في البيت وأخي الأكبر بدأ يشكو للناس بأن خطبتي قد جاءت في وقت غير مناسب، "وأن إحنا لسه ما خلصناش الديون اللي علينا"، وأخذ قرضًا كي يسدد باقي الديون، في حين أنه السبب في هذه الديون؛ وذلك بسبب شرائه للبيت الذي في المدينة الأخرى والذي لم يسكنه أحد منا حتى الآن. وبعد فترة قد علمت أن أخي الأكبر حينما اشترى البيت كتب العقد باسمه وحينما واجهناه بذلك قال إنه سوف يغيره ويكتبه بأسمائنا كلنا، وحينما نطلب منه ذلك كان يتهرب ويقول "بعدين"، وفي نفس الوقت علمت من بعض الناس أنه يقول إن "ده حقه علشان هو تعب وشقي وعَلم أخواته ودلوقتي هم في مناصب كويسة، وهم كانوا بياكلوا ويشربوا وهوه عمال يشتغل ليل ونهار".
كان ذلك الخبر كالصاعقة عليّ حينما علمت بذلك، حيث إن "نسايبه اللي في المدينة الأخرى أثروا على دماغه وقالوا له إن ده حقه وشقاه"، وبدأت المشاكل تدخل بيتنا، ولكني كنت لا أحدثه في ذلك لأن حيائي يمنعني أن أقف في وجه أخي الأكبر الذي رعانا بعد وفاة أبي. وبعد ذلك غرقت في دوامة وأنا لا يوجد معي غير مرتبي وجزء منه يذهب للبيت ويكاد الباقي يكفيني باقي الشهر. حتى إن أحد زملائي قال لي "إدي كورسات"، ولكني ذو مبدأ ورفضت هذا مطلقًا في حين أن أغلب زملائي يفعلون ذلك. ورغم كل هذه المشاكل كنت أخبئها عن خطيبتي وعشت معها أجمل أيام الحب حتى إنه لا يمر يوم إلا وأتحدث معها في التليفون مرتين وكانت خطيبتي تسكن في محافظة أخرى تبعد عن محافظتي ساعتين بالقطار مما كان يرهقني ذلك عن الذهاب إليها، حيث لا أجلس معها إلا ساعتين حتى ألحق أرجع محافظتي قبل الساعة الواحدة صباحًا... وانتهت الإجازة وبدأت الدراسة وذهبت إلى الكلية وأنا متوجس من رد الفعل الذي سوف يحدث لدى زملائي والطلبة، حيث انتشر الموضوع في الكلية وأصبحت سيرتي على كل لسان.
وكنت لأول مرة أخجل وأنا ذاهب إلى الكلية، وكنت أطلب من ربنا أن ما فيش حد يشوفني، وحينما أمر في الكلية أجد الطلبة والطالبات يتهامسون وينظرون لي نظرة استغراب وتعجب لما صدر مني وخطبتي لطالبة كان زميل لي يريدها بعد أن كثر الكلام عليها، ولماذا أنا المعروف بالهدوء وقوة الشخصية يصدر مني كل ذلك. أم أنني "واد حبيب ورميو ومبصبصاتي ومفيش غير الطالبة دي اللي اختارها" وناس كانت بتقول "إنه خطبها بعدما تأكد أن زميله سافر... أما إنه إنسان انتهازي"... كل هذي الأقاويل تمر بذهني حينما أرى طلبة أو طالبات يتهامسون وينظرون لي، ونظراتهم هذه كانت مثل السكينة التي تذبح كنت أشعر بالموت في كل لحظة أراهم يحملقون في.
حتى أصبحت في أحلامي أشعر بكوابيس مقلقة، وتحولت حياتي كلها إلى جحيم. وفي بعض الأحيان أثر ذلك علي وأصبحت أهمل حبيبتي وهي ليس لها ذنب، فكانت هي التي تهون عليّ حين توقظني بالتليفون كي أصلي الفجر وكنت أحب هذه العادة فيها. ولكن شيئًا فشيئًا بدأت تقل هذه العادة فيها. وكنت أرفض أن أقابل خطيبتي في الكلية حتى أمنع أي كلمة تقال عليّ وعليها، وأحيانًا أتجاهلها حينما أراها أمامي في الكلية، وأحيانًا كنت أتكسف منها أن تمشى معي... لكنها كانت بتزعل مني ونفسها تعرف كل الناس أنها خطيبتي وتطلب مني أن أمشي معها أمام الناس في الكلية، ولكني كنت أرفض فهي رومانسية وتحبني جدًّا ونفسها تسعدني.
وشعرت أنني غير خاطب وغير سعيد مثل باقي الناس اللي بشوفهم خاطبين وفرحنين أنهم رايحين يقابلوا خطيباتهم. ومن كثرة المشاكل اللي حوالي في الكلية وبعض زمايلي اللي علاقتي بهم تغيرت بعد خطوبتي وكثير من زمايلي بره مصر قطعوا صلتهم بي، والمشاكل اللي بيني وبين أخويا الكبير في البيت، وفي نفس الوقت الكوابيس التي أحلم بها كل يوم، وكذلك بعض الحاجات اللي لقيتها تغيرت في خطيبتي كل ذلك جعلني في دوامة مستمرة لا أفيق منها أبدًا، وكنت أظهر أمام الناس قويًّا، ولكني حينما أخلو إلى نفسي أبكي مثل الأطفال لما أنا فيه من مشاكل وهموم، وكثيرًا أتمنى الموت حتى أرتاح من كل هذه المشاكل.
ولكني كنت أصبر وأقول ما ذنب هذه المسكينة التي ظلمتها معي. وكثيرًا أفكر في أن أتركها وأتخلص من هذه المشاكل، ولكني أخاف عليها لأنها حساسة وأخاف أن أجرح مشاعرها، وكانت تراني أذبل أمامها مثل الزهرة المقطوفة، وتسألني ما بي وتريدني أن أشركها همومي ولكني كنت أرفض أن أثقلها بهذه المشاكل ماذا أقول لها؟ ... أقول لها إن خطبتي لها هي أساس كل المشاكل التي أمر بها. وكنت أخاف عليها؛ لأنها لو عرفت أنني أريد أن أتركها ربما فعلت شيئًا في نفسها وأثر ذلك على دراستها، وأكون أنا السبب في ضياع مستقبل فتاة بريئة، كما أنني أشعر لو تركتها أن الكلام لن ينتهي وسوف أكون لبانة في فم أي أحد مرة ثانية. كما أنني لن أجد أحدًا في طيبتها وتدينها وعائلتها؛ لأن في هذا الزمن من الصعب أن تجد فيه فتاة على خلق.
ولكنني قررت أن أتركها بعد أن تنتهي الدراسة، وهاأنا أتحمل كل هذا من أجل ألا أكون السبب في ضياع مستقبلها وأتحمل الشهور التالية. وكما أنني علمت أن والدها سوف يترك الصعيد بعد المعاش ليعيش مع أهله في إحدى محافظات الدلتا، وهذا ما يرفضه أهلي بسبب أنني لو تزوجت، وإن كل بيت مهما كان لا يخلو من المشاكل كان لزامًا عليّ أن أسافر في المناسبات والأعياد وهذا سوف يمثل عبئًا عليّ لا أتحمله. وهذا كله لا أضعه في الحسبان من قبل، وأصبحت المشاكل تأتي لي من كل مكان وكأنها تواعدت أن تأتي متجمعة وأثقلت بها.
ومما أتعبني كثيرًا أنني قلت بعد مرور الوقت سوف ينسى زملائي ما حدث، ولكن الظاهر أن هذه الأشياء لا تُنسى، وقد علمت أن زملائي ليس بينهم سيرة غيري أنا وخطيبتي، حتى إن بعضًا منهم يحاول جرح إحساسي بذكر صديقي الأول. وآخر يقول أنا ما اعرفش خطيبتك أو ما سمعتش عنها إلا من خلال الطالب اللي كان يكلمني عنها. وآخر يقول إنه كان فيه معيد تاني كان نفسه يخطبها، وكذلك كلام إخوتي أنها مش حلوة وفمها واسع، وجعلني هذا أركز في عيوبها ويجعلني ذلك حساس لأي موقف معها، وأصبحت أهملها ولا أكلمها حتى إنني لا أجيب عليها حينما تسألني عن مستقبلنا.
ماذا أقول لها؟ أكذب عليها أم أخدعها؟ كل ذلك تراكم عليّ وجعلني أحدث نفسي كثيرًا كالإنسان المجنون. وأقول لنفسي كيف حدث ذلك لي، وأشعر أنني في كابوس لا أستطيع أن أفيق منه أبدًا، كما أثر ذلك عليّ وأصبحت إنسانًا غاية في العصبية حتى إنني أخسر من أمامي بكل سهولة، وأحيانًا أخاف على نفسي من الجنون؛ لأنني وصلت إلى مرحلة أكون فيها لا أدرك ما أفعل، وأصبحت أنسى كثيرًا وبطريقة غير طبيعية ممكن أن تصل إلى أن أنسى رقم تليفون بيتنا، وأصبحت أنام كثيرًا للهروب من المشاكل التي أمر بها حتى إنني حينما أستيقظ أنام مرة ثانية، وممكن أن تصل ساعات نومي إلى 13 أو 15 ساعة أحيانًا، وأثر ذلك على عملي وتعطلت كثيرًا بدلاً من أن أكون متفوقًا، وأهملت في نفسي وفي لبسي ومظهري، حيث إنني كنت مثل الوردة المفتحة التي تبتسم دائمًا وتمشي مرفوعة الرأس.
وأشعر أنني قد انتهيت وضاقت بي الحياة. حيث إنني كرهت أن أذهب إلى بيتي، وكرهت أن أذهب إلى بيت خطيبتي وتوترت العلاقات بيني وبين خطيبتي، حيث إنني أهملها ولا أكلمها، وأعاملها معاملة سيئة، وفي نفس الوقت أتحمل أشياء كثيرة حتى تنتهي من الامتحانات، وكذلك لا أكلم أهلها وهم ناس طيبون أحبوني مثل ابنهم وفضلوني على كثير من غيري وفتحوا لي بابهم. ما ذنب هؤلاء أن أكسر فرحتهم بأول بنت في حياتهم وأول فرحة لديهم. وهم يشعرون أني أتهرب منهم ولا يعرفون السبب، وقد أوشكت امتحانات خطيبتي على الأبواب وأخاف عليها فهي في آخر سنة دراسية لها.
كل هذه المشاكل قتلت حبي لخطيبتي وقتلت فرحتي بها وقتلت عندي حماسي المعروف، وأصبح شكلي الآن كرجل عنده ستون عامًا، وأصبحت مثقلاً بالهموم التي جعلتني كسيحًا أتمنى نظرة رضا من الناس. وكثيرًا أريد أن أترك الجامعة وأبحث عن عمل آخر لكي أهرب من نظرات الوجوه التي تلاحقني في العمل. وأصبحت كالثور المعصب العينين الذي يدور حول نفسه ولا يرى ما أمامه. أستحلفك بالله أن تقترح عليّ حلاًّ لمشكلتي هذه وفي أسرع وقت.
هل أستمر معها وأتحمل ما يقال عليّ على الرغم من أنني لا أستطيع أن أنسى كل ما حدث وأن الناس لا تنسى؟ كما أن وجودي بالكلية سوف يذكرني بهذه المأساة أم أتركها حتى لا أعيش في دوامة ممكن أن تقضي على حياتي؟ حيث إنني قد وصلت لمرحلة أخاف على نفسي فيها، فأنا أشعر كأنني فقدت كل شيء في الحياة فقدت أهلي وأصحابي وفقدت نفسي التي لا أستطيع أن أعيدها مثل الأول، وأشعر أنني في عزلة تامة أكره أن أتحدث مع أحد.
أتمنى إلا أكون قد أثقلتك بهمومي،
ولكني واثق تمام الثقة أنك لن تخذلني.
19/07/2024
رد المستشار
صديقي
إنك تهتم بكلام الناس ورأيهم أكثر من اللازم وتحمل المواضيع أكثر وأكبر مما تستحق.
خطيبتك وأهلها رفضوا زميلك المسافر وقبلوا بك... ليس هناك ما يشينك أو يشينها في هذا... رسول الأمة محمد عليه الصلاة والسلام تزوج من زينب التي كانت زوجة ربيبه زيد وبالتالي ليس هناك حرج في الزواج من طليقة زميلك أو صديقك برخصة إلهية، فما بالك بخطبة فسخت؟
إذا كنت لا تريدها أو اكتشفت أنك لا تحبها حقيقة فاتركها.. هذا أكرم لك ولها... ليس من شأنك ما يحدث بعد ذلك.. فقط كن صادقا مع نفسك ومع الله.. ستنتهي كوابيسك متى كنت صادقا.
إن كنت ما زلت تحبها وتريد الزواج منها فكل الأشياء أو العقبات التي ذكرتها لا وزن لها ولا أهمية.. إن كنت تحبها فلا تهملها وتتجنبها بسبب رأي الآخرين أو كلامهم.. خجلك ومحاولة إخفاء علاقتك بها يجعلك تبدو مذنبا وهي أيضا.. مع أنكما لم ترتكبا ذنبا بارتباطكما.. وفي أسلوبك ظلم بين لنفسك ولها... لن تحصل على رضا كل الناس أو موافقتهم... ليس كل الناس راضين أو موافقين على الله أو الأنبياء فلا تطلب المستحيل وكأنك أفضل من الله والأنبياء ومن الممكن أن يجتمع الناس على موافقة شأن يخصك.
ليس هناك ما يمنع أن تعطي دروسا لمن يحتاجها لزيادة دخلك.. يمكنك أيضا التفكير في شىء آخر لتحقيق هذا بدلا من الاهتمام بما فعله أو يفعله أخوك.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب