الشكوك والريب في الدين
السلام عليكم ورحمة الله حفظكم الله عندي شكوك وريب في تحريم السحر وتحريم الربا متردد ومحتار رغم وجود الأدلة على تحريم ذلك لأقتنع وأنا أريد أقتنع لأقتنع وخائف أن هذه الشكوك أكون مرتد بسببها وأخاف من الردة وأخاف أن تدخلنا في الردة والكفر.
بارك الله فيك دكتور رفيف الصباغ
الجواب مع التفصيل المقنع في ذلك.
30/7/2024
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك
بداية أود أن أسألك:
-هل عقلك مقتنع بأن الأدلة واضحة وصريحة ومنطقية، ولكنك تشعر أن قلبك لا يطمئن وتشك في تحقق اليقين بها عندك؟
-أم أن عقلك غير مقتنع بالأدلة أساسًا، تجدها غير قوية، ولا تدل على التحريم؟
-أم أنك مقتنع بثبوت الأدلة ودلالتها على حكم التحريم، ولكنك غير مقتنع بأن هذين الفعلين يستحقان التحريم، فليس بهما من بأس؟
إن كان حالك كالاحتمال الأول، فما تعاني منه وسواس قهري لا أكثر، ولا يؤثر لا على إيمانك، ولا على يقينك، وليس عليك إلا أن تتجاهل الأمر، فأنت في الحقيقة مؤمن لا يشوب إيمانك شيء...
وإن كان الثاني، أو الثالث، فهذان يحتاجان إلى ذكر الأدلة وشرحها...
وأنت على كل الأحوال غير كافر، لأنك تسعى لحل الشبهة التي أصابتك، ووقت السعي هذا لا تؤاخذ خلاله على ما في قلبك من شبهات، ولا تعتبر مرتدًا...
والذي يبدو من سؤالك أنك إما موسوس، أو من أصحاب الاحتمال الأخير، أي أنك مقتنع بثبوت الأدلة ودلالتها على التحريم، ولكنك لا تعرف العلة ولا الحكمة من التحريم. ولعل الأمر برمته هوى نفس لا أكثر، ترغب نفسك بفعل هذين الأمرين، وبين صراع النفس والعقل تشعر بما تشعر به.
وكما قلت لك: الوسوسة دواؤها الإعراض عنها، ولا داعي لشعور الموسوس باليقين حتى يكون مؤمنًا، فهو مريض لن يستطيع أن يشعر بذلك مهما فعل، وكلما حاول أن يتحقق من شعوره ضاع أكثر، وشك أكثر...
أما أدلة تحريم السحر فهي كثيرة، وسأختار بعضها:
1-قوله تعالى: ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ)) (البقرة:102). أي أن هاروت وماروت اللذين علمهما الله السحر وجعلهما فتنة واختبارًا للناس، يقولان قبل تعليم أحد: أن هذه فتنة من الله، فلا تعمل بالسحر حتى لا تكفر... وكذلك قوله تعالى: ((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ)) وهذا ظاهر في تحريم السحر حيث لا يأتي منه إلا الخراب والضرر، وما كان ضررًا لا نفع فيه، فهو محرم.
2-قوله تعالى: ((إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)) (طه:69). فمن عمل السحر لا يفوز ولا ينجو، وهذا الخذلان إنما يكون لمن يعمل المحرمات.
3-قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ". (متفق عليه).
لن أكثر من هذه الأدلة لأنك تعرفها كما تقول، وتعرف كيف يستدل بها العلماء...
وأما أدلة تحريم الربا، فهي كثيرة أيضًا، وسأختار لك بعضها:
1-قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون)). (البقرة:275). وهل تريد أصرح من هذه الآية في التحريم؟!
-فآكل الربا كما قال القرطبي في تفسيره: (يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتًا عند جميع أهل المحشر).
-التصريح بالحرمة بنص القرآن الكريم ((وحرم الربا)).
-التصريح بعقوبة آكل الربا في الآخرة: ((فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون))، فمن كان كافرًا فمعنى الخلود بالنسبة له حقيقيًا، ومن كان مؤمنًا فذكر الخلود بالنسبة له للمبالغة، أي سيبقى وقتًا طويلًا كما ذكر القرطبي.
2-وأما الأحاديث، فمنها ما ورد في الحديث السابق أن الربا من السبع الموبقات، أي المهلكات.يبقى الاحتمال الثالث: وهو أنك مقتنع بثبوت الأدلة ودلالتها على حكم التحريم، ولكنك غير مقتنع بأن هذين الفعلين يستحقان التحريم، فليس بهما من بأس، أي أنك تجهل الحكمة من تحريمهما.
وتعال نناقش الأمر سويًا...
فلنفرض أن السحر حلال، هل ترضى أن يأتي من يسحرك فتطلق زوجتك؟ نرى بأعيننا بين الفينة والأخرى حالات تفريق بسبب السحر مصداقًا لقوله تعالى: ((فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)). وهل ترضى أن تسحر كنتك المستقبلية ابنك، فيقاطعك ويمتنع عن الكلام معك لسنوات، كما في حالة أعرفها؟ وهل ترضى أن يطعم أحدهم ابنك سحرًا فيمرض ولا تجد له دواء؟
قد تقول: ولكن هناك حلات زواج بواسطة السحر، وهناك سحر لتحبيب الزوجين ببعضهما، وهذا فيه تأليف بين المرء وزوجه. والجواب: أولًا: من المعلوم بالتجربة والواقع، أن الزواج القائم على السحر لابد أن ينتهي بالطلاق، فلا يدوم ولا يبارك الله فيه.
ثانيًا: إن من يجرب السحر، ويمارسه أو يستعمله كثيرًا، يستحليه، ويدمن عليه، إذ يرى نفسه يتحكم بالآخرين، وعندما يدمن، لن يتوقف أمره عند عمل الخير، بل سيتعداه إلى كل ما يرغب به من شرور، أصلًا إن التحكم بالآخرين عمل غير أخلاقي، حتى لو كانت النتيجة خيرًا، وهل ترضى أن يتحكم بك أحد؟؟
ثالثًا: اعلم أن لكل سحر شيطان مقترن به يقوم على إنفاذه، فهل ترضى أن تصاحبك الشياطين أو تصاحب غيرك؟
رابعًا: الدافع لعمل السحر خبث في النفس، وضعف إيمان بقدر الله وعدم رضى بقضائه...، فيحاول الإنسان أن يحقق ما يريد بهذه الوسيلة الدنيئة... وعلى كل حال، فالواقع يذخر بالحوادث والقصص الشنيعة المأساوية التي يسببها السحر، خراب بيوت، فقدان عقل، أمراض لا علاج لها، وعدد ما شئت...
أما الربا، فهو أكبر باب للاستغلال والأنانية، ولنهب الأغنياء أموال الفقراء. فالفقير الذي يستدين لفقده ما يكفيه لحاجاته الأساسية، كيف سيتدبر أمره ويوفي دينه إذا كان كلما سدد منه شيء، عاد فزاد؟ ما رأيك؟ هل يرضيك أن تقف هذا الموقف؟
الإسلام جاء لتهذيب النفوس، وتعليمها البذل والرحمة، لا ليعين الجشع على جشعه، والاستغلالي على استغلاله، فيزيد الغني غنًى والفقير فقرًا، وتضعف القوة الشرائية بسبب الفقر، فتخسر تجارات ويتراجع اقتصاد دول، وتتراكم الديون الفردية والدولية، وتصبح الدنيا فوضى مقننة كما هي الآن!
لا أظنك أبدًا لم تقرأ مثل هذا الكلام الذي ذكرته لك بل أكثر منه. وهذا يجعلني أميل إلى كونك موسوسًا بوساوس الكفر والردة أكثر منك جاهلًا بالحكم أو بالحكمة.
وستجد في الموقع كثيرًا من الاستشارات المتعلقة بالموضوع والتي ستساعدك في التجاهل...
وفقك الله