آسفة لتعليقي على المشكلة بعد فترة من عرضها، ولكن لا أعرف لماذا توقفت عندها طويلا. البداية أنا من أسرة ملتزمة والحمد لله وطيبة جدًّا، ولكننا أسرة كبيرة العدد، وكلنا بنات وتربينا على الشرف والدين والحجاب والعفة والحمد لله، ولم يسبق لي أن تكلمت مع شاب إلا القليل من الأقارب، مع أننا في بلد منفتح جدًّا وصديقاتي أو زميلاتي يتكلمن مع شباب ويحببن، أما أنا فمفهومي للحب هو الزواج وعن طريق الأسرة، وتم تزويجنا جميعا قبل بلوغ العشرين ولم أكن أعلم عن الدنيا شيئا إلا عن طريق الروايات الرومانسية.
وكنت أحلم بفتى الأحلام، ولكن اختبرني الله في زوجي ولم نوفق، وحاولت الإصلاح ولكنه -سامحه الله- لم يتفهم، ولم يتكلم معي في المشكلة، وبالتالي لم أستطع الكلام مع أحد عنها فهي مشكلة جنسية وعاطفية، وأنجبت ولدين والله أعلم كيف ولكن هي النعمة التي أحمد الله عليها كثيرا من زواجي الذي انتهى بالفشل.
ولكن ما يحزنني أن الإنسان ضعيف جدا أمام ما حُرم منه، وكنت أدعو ربي دائما أن يخلصني من زوجي على خير ويعوضني بأحسن منه، وصبرت سنوات من العذاب النفسي والجسدي والدموع كل ليلة على ما يحدث، ولا أعرف لماذا؟ حتى بدأت أدرك المشكلة من الضعف الجنسي من ناحيته، وحاولت أن أجعله يذهب للطبيب ولكنه رفض.
وانتقلنا لدولة خليجية لا يوجد بها اختلاط بين الرجال والنساء، ولكني عملت في مستشفى به اختلاط، وأنا والحمد لله أعرف كيف أتعامل مع مَن حولي، واستمر عملي سنة ووقعت في حب مديري؛ فهو ليس كما كنت أحلم شكلا ولكنه ملتزم، ذكي، جريء، أمين.
ولا أعرف كيف تبادلنا الكلمات، وبدأنا نتكلم فترة طويلة عن حياتنا، ثم تطورت العلاقة إلى أن اعترف لي بحبه بعد أن أخبرته أنني أود الطلاق، وأقنعني بالخروج معه في السيارة ثم في منزله ولم يلمسني، ولكن تقابلنا أكثر من مرة ووقع الخطأ -سامحنا الله- ولا أطيل عليكم ولكن ما حدث للفتاة حدث لي، ولا أعرف كيف وأنا المحصنة بالتربية والدين والمجتمع الملتزم حولي.
ولكني أود أن أوضح أنني طلبت الطلاق من زوجي قبل معرفتي بحبيبي، ولكن زوجي رفض، وبعد معرفتي بحبيبي طلبت الطلاق مرة أخرى وصممت عليه، وفعلا تم طلاقي.
واستمرت علاقتي مع حبيبي بالهاتف وبعض المقابلات البسيطة جدا لمدة عام، ثم تقدم لأهلي وحاولوا منعي لأن زواجنا سيكون سريا، ولكني صممت، ولأن دولته لا تسمح بالزواج إلا بأمر سيادي تزوجت عرفيا عند مأذون وبحضور والدي ووالدتي، وأنا وهو متزوجان منذ بضع سنوات ونحب بعضنا جدا.
وحاولت الانفصال عنه؛ لأنه لا يرضى بإعلان زواجنا ولكننا لم نستطع، ولا أقول إنني غير سعيدة بل سعيدة معه جدا، ولكني أحزن أشد الحزن كلما تذكرت وقوعي في كبيرة من الكبائر لم أكن أبدا أتصور أنني سأقع فيها؛ ولذلك لا تظلموا الفتاة ولكن عسى ربي أن يغفر لها ولي ويرشدها للطريق الصحيح.
أنا من المقتنعين تماما أن المسلم يجب ألا يجهر بمعصيته وأن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، ولكننا بشر والذنب يأكل بصدرنا ويؤنبنا من حين إلى آخر، وبعد قراءتي لهذه الرسالة أحببت أن أعرض تجربتي، وأتمنى أن ترشدوني للطريق الصحيح الذي يريحني.
وأود أن أسأل سعادتكم هل سيغفر لي ربي خطيئتي أنا وزوجي الحالي، ولقد قمت بعمل عمرة أكثر من مرة في رمضان وتبت توبة من القلب وندمت، وأدعو ربي ألا أقع في معصيته مرة أخرى دائما.
وهل زواجي صحيح لأن ابن حنبل حرم زواج السر مع أن الشافعي حلله، خاصة أن عائلتي كلها تعلم الآن، أقصد أخواتي وأولادهن وحتى أولادي وبعض زميلاتي، وجزاكم الله كل خير.
11/8/2024
رد المستشار
الأخت المشاركة، شكرا على ثقتك، وأدعو الله أن يجزيك كل خير، وأن يغفر لك ولنا، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
بداية لم توضحي عن أي مشكلة من مشكلات صفحتنا تتحدثين؟!! وعن أي فتاة تتكلمين!! ولذلك سأتعامل مع رسالتك بوصفها خبرة وتجربة تهم الكثيرين بما تضمنته من دروس وعبر.
قلنا مرارا إن التربية السليمة تتضمن فقها ينبغي أن يصل إلى الأبناء والبنات، ليكون بمثابة تأهيل للتعامل مع الجسم بأحكامه الشرعية، وأحواله البيولوجية، وواضح أن هذه الناحية قد غابت عن تربية أسرتك لك، وهي التربية التي تصفينها بأنها كانت قائمة على الشرف والدين والحجاب والعفة... إلخ، ولا أرى أن التربية على الشرف والعفة تكتمل إلا بفقه الجسد والجنس لتعلم كل فتاة أحكام الطهارة، وإزالة الحدث، وكيف تثور شهوتها، وكيف تتعامل معها... إلخ، ولا أرى التربية الإسلامية تكتمل دون معرفة بأحكام الزواج، والعلاقة الحميمة بين الزوجين فلا تحتاج امرأة مثلك متعلمة -وربما طبيبة- إلى عشر سنوات!!!
لتكتشف أن زوجها مصاب بضعف أو عجز جنسي!! وأن ما تشعره في جسدها ونفسها ليس سوى أعراض حرمان وغياب للإشباع النفسي والعاطفي والجسدي، ولعلك لست طبيبة.
وقد يتعجب القراء، وأنا أشير إلى حالة فحصها أخي وزميلي د.عمرو أبو خليل، وفيها وقع الطلاق بين طبيبة وزوجها المهندس لعدم التوافق الجنسي، وتبين فيما بعد أنه كان يخطئ في إتيان الموضع والوضع الصحيح للمعاشرة، وأنها -أي الطبيبة- لم تكن متأكدة من أن هذا الذي يقع هو خطأ، وهي الدارسة للتشريح الفاهمة للأعضاء!! وقد استحت من فحص الأمر، ولم يطلب هو المشورة، وانهدمت الأسرة بسبب الجهل، فهل هذه هي العفة والشرف؟!!
ودون أن يكون هذا تقليبا وتأنيبا على ما قد مضى وفات ألا ترين معي أن تربيتكن "المغلقة" أسهمت بنصيب فيما وقعت به من فاحشة؟!!
فأنت كنت متشوقة للإرواء، وغير ذات خبرة كافية في التعامل مع الرجال، وبدلا من أن تطلبي المعرفة والمشورة المتخصصة أقمت العلاقة مع مديرك الذي كان الرجل الأول في حياتك، أو الاختبار الأول في ظل عجز زوجك، ورفضه للعلاج!!!
كنت مؤهلة إذن بحكم خلفية نشأتك، وضعف تكوينك الشخصي والاجتماعي -بالأخص من ناحية الرجال- لتقعي في أول مطب قابلتِه، وتصلي إلى قعر الحفرة، وهذا في رأيي كان متوقعا، وهو وارد ومتوقع دائما في مثل حالتك رغم أنك تقولين معقبة:
"ولا أعرف كيف -وقعت في الفاحشة- وأنا المحنة بالتربية والدين والمجتمع الملتزم من حولي"، وما أروع كلماتك البسيطة التلقائية الكاشفة دون عناء عن جوهر مأساتنا في علاقتنا بالأخلاق والدين والالتزام؛ فالقيمة الحقيقية لهذه الأشياء تأتي حين تستقر مفاهيمها وضوابطها، ومقاصدها وأهدافها بوضوح "في الداخل"، وتختلط باللحم والعظم، والفهم والسلوك، والشخصية والتفكير، ومأساتنا أن هذه الأشياء كلها تظل خارجية شكلية مظهرية غالبا، ولا نصمد في الاختبارات لأن إيماننا هش، وتكويننا ضعيف، ولم تستقر في عقولنا ونفوسنا مقاصد الشرع وأخلاقه فيسعنا ما وسع "عبد الله بن عبد المطلب" والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دعته في الجاهلية إحداهن ليضاجعها لما رأت في جبينه من نور، وعلمت أن هذا إنما هو لنطفة شريفة يحملها، فأرادت أن تستأثر بها، فدعت "عبد الله" لتنال هذا الشرف زواجا أو سفاحا، فرد عليها:
أما الحرام فالممات دونه *** والحل لا حل فأستبينه
وفازت بالشرف "آمنة" زواجا شريفا ليكون نسب الحبيب المصطفى نكاحا عن نكاح لا سفاح فيه ولا مخادنة، فيجتمع له شرف الأصل والمآل، اللهم ألحقنا به غير خزايا ولا مفتونين، واحفظ أعراضنا وأعراض أبنائنا وبناتنا، كما حفظت عرضه الشريف، فأنت خير حافظ.
يا أختي ليس لنا في هذا العالم أي أمل أو بشرى بمستقبل مشرق مختلف عن هذا التخلف والحضيض إلا بأن تكون بواطن أمورنا مثل ظواهرها، ومكنونات نفوسنا مثل مظاهر أشكالنا، ولن يحدث هذا إلا إذا كان اهتمامنا بالالتزام الداخلي مثل اهتمامنا بالخارجي وأكثر، لأن الخارجي سهل، والداخلي أصعب لأن حظوظ النفس فيه أضعف، والله أعلم.
ولا أمل لنا ولا مستقبل ما لم يصاحب توجيهنا الديني، ووعظنا الدعوي برامج للتكوين النفسي والشخصي والمهاري والاجتماعي والمعرفي حتى يكون المسلم عالما بدينه ونفسه وجسده وعالمه من حوله، ولا يغني ميدان عن ميدان فكلها أساسية ولا مفر من استكمال النقص وسد الثغرات.
أكرمك الله سبحانه إذ رزقك التوبة ووفقك لها، ووفقك للحصول على الطلاق، والخلاص من مأزق الزوج العاجز، وأكرمك بأن مديرك لم يهرب ولم ينكر ما حدث بينكما، ولعل ظروف بلده، وربما يكون لديه أسرة وزوجة سابقة، فلا بأس من إخفاء هذا الزواج حتى تتعدل الظروف، ولا أحسب أن زواجك هو زواج السر الذي تقولين إن الإمام ابن حنبل يرى حرمته، والشافعي يرى بخلافه؛ فأركان زواجك من إيجاب وقبول وإشهاد متوافرة، وللمزيد من الوضوح يمكنك مراجعة موقع للفتوى.
أما سؤالك الأصعب فهو قولك:
"هل سيغفر لي ربي خطيتي أنا وزوجي الحالي... إلخ"؛ فالمغفرة هي شأنه جل وعلا يستقل به ولا يطلع عليها أحد، وإذا كنت صادقة في توبتك فأحسبه يقبلها... اللهم تب عليها وعلى زوجها، وتب علينا أجمعين، يا رب نشكرك ونؤمن بك، فما تفعل بعذابنا، وأنت الغني الحميد؟!!!