السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أشكركم أولا على هذه الصفحة الجليلة، جعلها الله في ميزان حسناتكم إن شاء الله، لدي مشكلة هي مشكلة حياتي كلها، أنا أبلغ من العمر 21 عاما، وقد تعرفت على شاب في بداية المرحلة الثانوية حينما أبلغ من العمر 14 عاما عن طريق إحدى زميلاتي في المدرسة؛ فقد كان جارها، وهنا بدأت مأساة حياتي؛ فلن أتحدث عن الحب الذي ولد بداخلي، ولكني أتحدث عن إحساس راودني بأن هذا الشاب هو نصيبي، وهو من قدر لي أن أعيش حياتي معه، والغريب أنه لم يكن أول شاب أعرفه في هذه الفترة، ولكنه الوحيد الذي شعرت ناحيته بهذا الإحساس.
ومن هنا بدأت رحلة العذاب؛ ففعلت كل شيء لا يتصوره عقل حتى أحصل على قلبه وأنال حبه، وقد استنتج هو من خلال مكالماتي الكثيرة له مدى تعلقي به ومدى حبي له، فبدأ يصدني تارة برفق وتارة أخرى بعنف، وأنا لا أتنازل عن فكرة أنه نصيبي. وقد دعم إحساسي وقتها مئات الأشياء الصغيرة؛ ففي فترة من الفترات عرف حبيبي بنتا وأحبها حبا جما، وأراد أن يتقدم لخطبتها، وإذا بي أشعر أنه لن يكمل مع هذه البنت؛ لأنه في منتهي البساطة أنا نصيبه! واتهمني صديقاتي بالجنون، ولكن المفاجأة التي أسكتت الجميع هي أنه فعلا تركها وانتهى حبه. ومن الأشياء الأخرى التي أعجب لها أنى وجدت اسمه منقوشا على كف يدي اليسرى بوضوح تام؛ بحيث إن أي شخص ينظر لكف يدي يستطيع أن يرى اسمه في وضوح تام، والغريب أن اسم حبيبي اسم نادر جدا، حتى إنه من الصعب أن أعرف في حياتي شخصين يحملان نفس الاسم.
كل هذه الأشياء وغيرها الكثير دعمت إحساسي وساعدته أن يتطور، ربما تظهر هذه الأشياء صغيرة وليس لها قيمة بالنسبة لكم، ولكن بالنسبة لي شكلت تفكيري ووجداني، وقد قضيت كثيرا من سنوات عمري أشعر به، فأعرف أنه حزين أو سعيد دون أن أحدثه، وإلى الآن تأتي علي أيام لا أنام فيها ليلا لمجرد أنه يعمل في عمله بالليل! ولا أعرف تفسيرا لهذه الظاهرة العجيبة!.
ومما زاد تعلقي به أنه لم يحاول قط أن يستغلني أو يغويني رغم سهولة ذلك، وما كنت أرفضه، فوجدت فيه أخلاقا حميدة وطيبة، فأحببته أكثر، ومشيت وراء أحلامي، ومما يستدعي الذكر هنا أني نشأت في بيئة جافة نوعا ما؛ فأنا وأبي لا نكف عن الشجار بسبب أو بغير سبب؛ فنحن دائما الخلاف، وأمي تتمتع بطيبة يشوبها كبرياء يمنعها أن تبدي حنانها وحبها حتى لأبنائها؛ فلا أذكر مرة أنها حضنتني أو قبلتني، أما أبي فلا يلمسني إطلاقا!
كما أني كنت أعاني وحدة رهيبة؛ حيث إني سيئة الحظ في تكوين الأصدقاء رغم أني اجتماعية ولطيفة المعشر كما يقولون عني، ولكنني كتومة كثيرا، ولا أستطيع أن أبوح بما بداخلي بسهولة فأفضل أن أبتعد بروحي عن الناس، ولكني أتحدث وأضحك وأناقش في أي شيء آخر غير خاص بي!
ويشاء الله العلي العظيم أن أتعرف في بداية المرحلة الجامعية على فتاة متدينة وقريبة من الله ساعدتني علي أن أرتدي الحجاب، وأن أقترب من الله عز وجل، وعن طريقها عرفت ديني أكثر، وعرفت أيضا الحديث الشريف الذي ينص على أن الدعاء يرفع إلى الله، والقدر ينزل فيتصارعان، والأقوى منهما هو الذي يكون بإذن الله، ومن هنا بدأت رحلة الدعاء، فقضيت ليلي ونهاري أدعو ربي أن يرزقني بهذا الرجل زوجا لي في الدنيا والآخرة، وكل هذا وحبيبي يصدني؛ لأنه لا يشعر بأي إحساس تجاهي، ولا أستطيع أن أصف لكم مدى شعوري بالانكسار، وقد قضيت كل هذه السنوات أستجدي عطفه ومحبته ولا أتمنى سواه!
ولن أطيل عليكم؛ فهذه المشكلة عمرها الآن 6 سنوات ونصف، وتحتاج إلى 6 سنوات ونصف كي أسردها لكم؛ فلقد عشت هذه السنوات دقيقة بدقيقة في صبر وعذاب أًحسد عليهما.. وأخذتني الأيام وأنا في دوامة الدموع والعذاب والحرمان، واضطرابات النوم التي كانت تدوم لأسابيع، وإحساسي ببعض الأعراض والوساوس، وقد أرسلتها إليكم في رسالة بعنوان "بين الوسواس القهري والفصام" في شهر 8/2003 عفوا -لا أذكر اليوم تحديدا-، وقد قمتم أنتم بتشخيص هذه الأعراض على أنها وسواس قهري وفصام وذهابي لطبيب نفسي للعلاج، ثم اختفاء هذه الأعراض تماما قبل تناولي للدواء، حتى إني بحثت عن هذه الأعراض، وفتشت عنها بداخلي كثيرا، ولكني لم أجد لها أثرا على الإطلاق، ولا أعرف من أين جاءت ولا كيف ذهبت!
وفي غمار كل هذا كنت أرفض كل من يتقدم لي سواء عن طريق الكلية أو عن طريق أقاربي وأنتظر فرج الله... وأخيرا حدثت المعجزة.
فقبل أيام من شهر رمضان الماضي قررت أن أكف عن الاتصال بحبيبي، وأن أتفرغ للعبادة والدعاء حتى يكرمني الله، وفعلا نفذت ما قررته، ولم يمض من الشهر الكريم سوى 17 يوما، وإذا بحبيبي يتصل بي على تليفوني المحمول، ورغم مرور 6 سنوات على معرفتي به فقد كانت هذه المرة هي المرة الأولى التي يتصل حبيبي بي! وقال: إنه لا يعرف ماذا حدث؟ فقد وجد نفسه فجأة يريد أن يتحدث معي؛ بل ويريد أن يراني! وقد كنت رأيته خلال كل هذه السنوات مرتين فقط، وقد وافق هو أن يراني فيهما على مضض بعد أن حادثته تليفونيا، وبكيت له، ورجوته أن يتركني أراه ولو حتى من بعيد!
ولم أصدق نفسي.. أخيرا أستطيع أن أتنفس وأخرج من الدوامة.. وانطلقت.. انطلقت في هذا الحب بكل عذاب وحرمان السنين، ووجدت نفسي أشتاق للحنان والحب الذي طالما تمنيته وتخيلته، ووجدت نفسي ذات يوم بدون وعي أو تفكير ألقي بنفسي في حضنه، وأضع رأسي المتعب على كتفه، وأرجوه أن يتركني في هذا المكان إلى الأبد!! وانتهت عصور وحدتي، وشعرت أني أخيرا وجدت أنيسا لروحي المحلقة بعيدا.. وجدت من أتحدث معه، وأبوح له بكل ما بداخلي، وقد ساعدني حبيبي كثيرا على هذا بعد أن عرف طبيعتي الكتومة؛ فأخذ يشجعني على الكلام، ويطمئنني أنه بجانبي ويحبني.
وتوالت الأيام، وفي كل مرة أراه فيها كنت أرجوه أن يحضنني، لا أريد شيئا، فقط أريد أن يضمني إليه لأشعر بكل هذا الدفء والحنان بعد كل هذا العذاب الذي عشته، وقد كنت أفتقد الحنان في حياتي كثيرا؛ لدرجة أني في بعض الأحيان كنت أتخيل أني سأعترض طريق أي شخص في الشارع، وأطلب منه أن يحضنني، أو عندما أكون في المواصلات العامة كنت أود بشدة أن أضع رأسي على كتف من بجانبي بصرف النظر عن كونه رجلا أو امرأة!! وقد كنت أحتاج كثيرا لأنيس لروحي يستطيع أن يحس بي ويريحني من نفسي، وفي الحقيقة أن حبيبي كان كثيرا ما يرفض أن يفعل أي شيء حرام معي مخافة من الله وحفاظا علي، ولكنه كان يدرك مدى احتياجي لحنانه بعد كل هذا الجفاء، وكان ينتهي بنا الأمر بأن يضمني إليه بشدة وهو يستغفر الله لي وله.
وكنت كثيرا أتساءل بيني وبين نفسي: هل أنا محقة؟ هل سيسامحني الله علي شدة ضعفي واحتياجي للحنان؟ هل سيغفر لي؟ ... وجاءت إجابة سؤالي بل وجاء أيضا العقاب؛ فبعد شهور قليلة من مكالمة حبيبي لي أخبر والدته أنه يريد أن يخطبني، وأخبر أخاه الكبير، وأخبرت أنا أمي أن هناك عريسا هدية من عند الله سيأتي قريبا ليخطبني، ولم يتبق شيء سوى الخطوة الأخيرة وهي صلاة الاستخارة، وقد كنت صليتها، وشعرت بانشراح صدري، وجلست أفكر بحياتي مع حبيبي التي طالما انتظرتها وتمنيتها، ولم أشك لحظة واحدة أن حبيبي أيضا سيستريح وسيشعر بنفس الانشراح بإذن الله؛ لأنه على قدر علمي قد جاءني بعد أن استجاب الله لدعائي، ولكن يفعل الله بقدرته ما يشاء؛ فقد صلى حبيبي الاستخارة ولم يسترح مطلقا؛ بل وشعر أنه حتى لا يتقبل فكرة أن يتحدث معي مرة أخرى، على حد قوله!
يا ربي.. ماذا فعلت بنفسي؟؟ أدركت هنا فقط أن الله جازاني بقبيح عملي، وأنه لم يسامحني على ضعفي واحتياجي للحنان.. وصدمت صدمة أستطيع أن أقول: إنها صدمة عمري كله.. ولكني تماسكت وأخذت أبحث عن حلول لهذه الأزمة، فأقسمت بالله العلي العظيم أن لأفعل ما فعلته مرة أخرى، ولو كنت سأموت وأحتاج لحضن، فإني سأفضل الموت على حرماني، على أن أغضب الله مرة أخرى، وشرعت أصلي صلاة قضاء حاجة لييسر الله لي أمري، وسألت العديد من أهل الذكر لأعرف معنى الاستخارة، وقمت بزيارة لموقعكم حتى أعرف أكثر، وعرفت أنها ليست مرتبطة برؤية أو بإحساس معين؛ بل معناها أن يصليها المرء ويتوكل على الله متخذا الأسباب الدينية والاجتماعية عونا له، وفرحت، وحمدت ربي كثيرا، وشعرت ببارقة أمل تحوم حولي، وقلت: لعل وعسى يسامحني الله، ويرد لي روحي التي رحلت عني برحيل حبيبي.
واتصلت بحبيبي بعد حوالي شهر من الاستخارة الأولى وبشرته بما بشرني الله به، فإذا به يقول إنه صلى الاستخارة مرة أخرى ولم يسترح أيضا؛ بل لا يستطيع تحمل أن يسمع صوتي مرة أخرى، وأنه لا يعرف ماذا حدث له فجأة؟ وكان يكلمني بالضبط مثل أيام زماااان عندما كان يرفضني ويصدني بشتى الأساليب! وهنا انهارت كل قوة باقية في نفسي وقلبي، وشعرت أني سقطت في بئر سحيقة مظلمة وحدي والألم يعتصرني.. ماذا جنت يداي؟ ماذا فعلت بنفسي، وبما مَنَّ الله عليه به؟؟ وازددت حزنا وانطوائية؛ فالأحزان الصغيرة تبكينا، أما الكبيرة فتفقدنا النطق! .. فبعد أن توهمت أني لمست أملي بيدي أجده وقد صار مرة أخرى ضمن دروب المستحيل! وكل ذلك بسبب حمقي وضعفي الشديد!
لا أعرف.. ولكني أود أن أذكر أن حبيبي كان محبطا جدا ومتشائما قليلا من أن هذا الموضوع لن ينتهي النهاية التي نريدها وهي الزواج، وقد كنت متفهمة هذا الإحساس لديه؛ وذلك بسبب قصة الحب الأولى التي عاشها، والتي أشرت إليها في بداية هذه المشكلة، والتي تعب هو بعدها كثيرا، وما زالت تاركة آثارها بداخله حتى الآن؛ كما أنه يوجد بيننا فرق اجتماعي طفيف لا يذكر، ولكن من شدة خوفي من أن يفكر في هذا الفرق بشكل يعيق الزواج فقد تحدثت معه في هذا الأمر، ورغم أنه طمأنني وقتها وقال: إنه لا ينظر للأمور من هذا المنظور فإني شعرت أني "زدت الطين بلة" كما يقال عندنا في مصر، ولا أعرف حقا هل هذه الأشياء كافية للتأثير على الاستخارة أم لا؟
والآن أنا أشعر باضطراب نفسي رهيب، ولا أعرف هل ستفهمونني أم لا؟ فأنا أريد هذا الرجل وقد اخترت هذا الطريق منذ أكثر من 6 سنوات، وأريد حقا أن أمضي فيه حتى نهايته، ولا أخفي عليكم أني لا أستطيع أن أصدق أن هذه هي النهاية، وإلا فماذا أستفيد غير العذاب المرير؟ ولكني في الوقت ذاته أشعر بمرارة جراء إهانتي لنفسي كثيرا وأنا أستجدي الحب؛ فأجد نفسي أريده أن يعود، وأريده أن يعوضني عن الإهانة والانكسار، بالذات في آخر مرة لنا، عندما حادثته لأخبره بالمعنى الحقيقي للاستخارة، فإذا به يقول لي في سماجة في حاجة؟!، ولا أعرف إذا كان يمكن للاستخارة أن تغير ما بداخله للنقيض تماما كما حدث معه؛ فقد كان ممكنا على الأقل أن يدرك مدى حزني على فراقه لي، ويحسن لحظة الوداع الذي أتمنى أنا أن يكون مؤقتا، ولا أعرف كيف يراه هو وماذا يتمنى؟.
وأنا أيضا خائفة لا أريده أن يتركني؛ فأنا لا أريد أن أخرج للعمل، ولا أريد أن أمكث في البيت، خاصة أنني تخرجت في كليتي هذا العام؛ فبجانب أن هناك بعض الجفاف في البيت؛ فأيضا هم يضيقون علي بعض الشيء حلقة الخروج ومقابلة أصدقائي؛ مما يزيدني ضيقا ووحدة، ولا أريد أن أنتظر شخصا يأتي على حصان أبيض ليخطفني من كل هذا.. فما أبشع الانتظار!! خاصة في ظل نظرية التخبط الشهيرة التي تنص على أنه كلما رأيت شابا أتساءل بيني وبين نفسي: هل هذا هو من أنتظره؟ وأبني أحلاما بداخلي، ثم أدرك بعد حين مدى قصر نظري وتفكيري، وأنا أعرف كثيرات وقعن في شباك هذه النظرية، وقد كن يستدررن عطفي وشفقتي أكثر من شفقتي على نفسي!
فأنا أجد الأمان في انتظاره هو وحده؛ أجد الأمان في وسط الخوف والترقب المستمر للأيام، وما تحمله لي، وأستمر في دعائي، وسأظل أدعو حتى يستجيب الله لي، ويسامحني، ويرد لي ضالتي رغم اهتزاز ثقتي بنفسي ودعائي، وأتساءل كثيرا: هل يرفع دعائي إلى الله بعد ما اقترفته من ذنوب؟؟ هل سيستجيب الله لي مرة أخرى؟؟ هل يمكن أن تحدث المعجزة مرتين؟؟ فالأمل ما زال يراودني أني سأنال ما أتمناه، ولن أعيش طويلا خائفة من ألا يأتي مرة أخرى أو يأتي، ولا يستطيع أن يزيل مرارتي التي تراكمت مع الأيام؛ فأنا حقا خائفة من كل النتائج بجانب إحساسي بالأمان وأنا أنتظره هو وحده؛ أحاسيس مضطربة ومعادلة صعبة.. هل فهمتموها؟؟
وأود أن أقول: إني حقا أحمد الله كثيرا على ما حدث؛ لأنه نبهني وأيقظني حتى لا أستمر في فعل الحرام؛ فأنا متأكدة أنه لو لم يحدث ما حدث لكنت رجوت حبيبي في كل مرة أراه فيها أن يضمني إليه، وقد قال الله في كتابه العزيز: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، وأنا أحمد الله أنه لم يتركني لأكون من الأخسرين أعمالا.
وأنا أواجه الآن مشكلة ليست صغيرة؛ فأنا أريد أن أتوب حتى يكرمني الله ويستجيب لي، وأنا أعرف شروط التوبة؛ فأنا حقا نادمة لأني أغضبت الله وقمت طبعا بإيقاف الذنب، وعزمت على عدم تكراره مرة أخرى، ولكن عندما يشتد جفاف الأيام أستعيد الذكريات، وأستعيد إحساسي بالدفء وأنا في حضنه، هل هذه الذكريات حرام؟؟ علما بأنها ملاذي الوحيد عندما أشعر بمدى الحرمان والوحدة التي تعشش بداخلي!
وأنا الآن أقف بين يدي الله وقلبي يقطر دما، أرجوه وأتذلل له أن يستجيب لدعائي، ويعيد لي حبيبي، ولا يتركني أعيش عمري كله نادمة على ما فعلته؛ فأكره نفسي وأتكبد الآلام.. فأنا أريد هذا الرجل، وأريد حياتي معه، لا أريد حياة ليس هو فيها، ولا أستطيع أن أتخيل أن أعيش بدونه؛ فهناك العديد من الروابط الداخلية، وتدفعني إليه دفعا التي تشدني إليه؛ فكيف يعيش رجل ولد ضريرا عاش عمره يتمنى أن يبصر لدقيقة واحدة، فأبصر لمدة شهر كامل، ثم أخذنا منه بصره مرة أخر؟! كيف لهذا الرجل أن يعيش ضريرا مرة أخرى بعد أن عرف حلاوة النور، وأدرك لأول مرة في حياته معنى الألوان؟!!
والآن أعتذر كثيرا كثيرا على الإطالة، وشكرا لاتساع صدركم وأطلب طلبا... بل أرجوه.. هلا دعوتم معي! هلا دعوتم لي أن يغفر الله لي ويرد النور لحياتي الضريرة!
أسأل الله أن يغفر لكم ذنوبكم، ويقضي حوائجكم، ويطمئن قلوبكم.. آمين يا رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
15/8/2024
رد المستشار
السلام عليكم
أدعو الله أن يرزقك الرضا والبصيرة؛ فليس الإبصار يا بنيتي بأهمية البصيرة، والفرق بينهما كبير كما تعرفين؛ فما نفعُ عيونٍ مبصرة بلا بصيرة تعي ما ينقل لنا من إشارات كمدخلات للتعلم؟؟ يجب أن تحسني استثمار ما لديك من وعي ومعرفة.
يبدو أنني وقعت في شر الطلب الذي نلح به عليكم من ذكر التفاصيل لما تحويه من علامات هامة، ولكن مع محاولة السرد تشطح الأقلام في أيدي الناس الحالمة والرقيقة؛ فتختلط علينا الرؤية لحجم المعاناة الحقيقية؛ حيث لا سبيل لدينا سوى التركيز على كلمات.
لا يترك كلامك في استشارتك الأولى مجالا للشك في أعراض الوسواس والأفكار الاندفاعية، ووجودها قد يدفعني للقول بأن ما تعانينه ليس حبا حقيقا بل هو فكرة أخرى مرضية تقع ضمن دائرة الوسواس القهري، وهي وسواس الحب والمحبين، واقرئي عنها على موقع مجانين فيما يلي:
طيف الوسواس القهري: وساوس الحب والرغبة!
وسواس الحب في بلاد الجزائر
ظلم وغدر ووسواس الحب
وسواس الحب بحذافيره!
حيث يكون مضمون الأفكار الوسواسية حبا، ويرجح هذا الرأي تشخيص د.وائل أبو هندي لسطورك السابقة في استشارتك كحالة وسواس قهري؛ فأنت تشعرين بالمهانة أحيانا من طريقة رده عليك واستجدائك للحب؛ أي أنك ترفضين الفكرة إلا أنك لا تقاومينها كما هو مفروض في الفكرة الوسواسية بل أنت مستسلمة لها تماما (للحب والحاجة إليه وأنه نصيبك)، ورغم سيطرتها على تفكيرك فإنك لا تدركين أنها فكرة من داخلك ليس لها ما يثبتها خارجيا (لم يبادر هو بالاتصال طوال 6 سنوات، ولم تريه إلا مرتين، ويصدك طوال الوقت؛ أي غياب تام لمبررات الحب)؛ فأنت لديك بعض الشروط الأساسية للحكم على سلوك ما بأنه وسواس، وهي كما يلي:
- رفض الظاهرة القهرية ولو جزئيًّا من جانب المريض.
- الرغبة والإصرار على مقاومة الظاهرة القهرية ولو من حين لآخر.
- إلحاح الظاهرة القهرية فكرة كانت أو فعلا على وعي المريض.
- إيقان المريض بأنها إنما تنبع من داخل كينونته النفسية وليست بفعل مؤثِّـر خارجي.
ويبعد تشخيص الوسواس قولك بأن كل ما ذكرته سابقا من أعراض الوسواس القهري اختفت تماما، وهنا نقف لنقول بأنك تعانين من اضطراب في الشخصية لا من مرض نفسي، وهو تشخيص أميل إليه؛ حيث أدى حصولك على اهتمام الطبيب إلى زوال الأعراض دون تناول الدواء؛ فالوساوس لا تزول بمجرد التعبير عنها إلا إذا كنت تقصدين ما يقع ضمن الأفكار العارضة التي قد تطرأ على أي شخص في وقت ما، ولكنها لا تستوفي شروط الفكرة الوسواسية، وتكون وسيلة فقط للتنفيس عن المشاعر أو التعبير عن حاجة.
تدور مؤخرا قراءتي والحالات المراجعة لي حول حالات الحب الملتاع أو الحب المؤلم كما هو الحال معك، حب من طرف واحد، حب بلا أمل، حب تعيس اختاري ما شئت من الأسماء لتصفي مشاعرك ولكن أقول لك في النهاية أن هذا ليس حبا إطلاقا!!! فالحب مشاعر رائعة محلقة كفاها رقيا أن وصف رب العالمين علاقته ببعض عباده بأنها حب فهو يحب الصابرين ويحب المحسنين، فرب العالمين يحب فالحب إذن أرقى مما نصفه في أيامنا هذه بأنه حب.
يعاني ضحايا الحب الملتاع -حسب خبرتي- مما يلي، وانظري كم تنطبق على حالك:
درجة من عسر المزاج العام وشيء من القلق، لا تريدين البحث عن عمل، ولا تنسجمين مع والدك دون أسباب واضحة، ولا بد أن هناك أسبابا، وتخشين أن تنتظري العريس المناسب لما قد يسببه الانتظار من إزعاج؛ لذا ترين أن التمسك بهذا الشخص بديل أفضل للتخلص من الاجتهاد في الاختيار وتجنب القلق.
تدن واضح في مفهوم الذات غير مبرر (من بين مريضاتي من هي محاضرة جامعية) يقبل كل إساءة من المحبوب، ويرى أنه يضيف له ويتمسك به كي ينعم بجزء من قوته لتعويض الشعور بنقص الثقة؛ فتقولين بأنه يحافظ عليك أكثر من نفسك ولم يحاول استغلالك، تبررين رفضه لك بأنه تميز ورقي منه، من قال بأنه راغب في الحصول عليك من البداية؟!.
تشوه معرفي، وسيطرة بعض الأفكار اللامنطقية مثل انتفاء البدائل، وضرورة الوصول إلى الحل المثالي، وأن الحب هو الحل السحري للمشاكل، وتعبر عن هذه الفكرة وتدعمها قصص الأطفال حين حلت جميع مشكلات سندريلا عندما أحبها الأمير، ولم تتعرض القصة للجانب الواقعي من الفروق الفكرية والاجتماعية بينها وهي التي عاشت كخادمة، ومن عاش حياة مرفهة!!
هل تتداخل هذه الأعراض مع الوسواس القهري؟ ربما لو نظرنا للوسواس القهري على أنه نطاق اضطرابات واسع وليس اضطرابا محددا.
تشعرين يا ابنتي بحاجة للحنان والدعم تدفعك للتفكير بطلبه أحيانا من أي شخص يصادف وجوده جانبك، والأصل أن حاجة الإنسان للحب لا يشبعها إلا من كان مناسبا ومكافئا وراغبا فيه؛ فحاجة الحب تتكون من شقين؛ هما الحاجة لأن تحب ولأن تكون موضوعا للحب، واختلال الميزان في أي جهة يمنع الإشباع. تتجاهلين ما اكتسبتِه من خبرات في حياتك، وتوقفينها على حكم إحساس مراهقة في الرابعة عشرة بهرت بشخص تعرفت عليه. لا تلوي عنق الأحداث كي تنسجم مع رغباتك؛ فانفصاله عن حبيبته دليل آخر على عدم نضج التجارب الأولى لا على أنه نصيبك أنت. في اندفاعك تجاه الارتباط به تنسين قول عز من قائل (وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ) من قال بأنه خير لك؟ من قال بأن اتصاله بك ليس سوى دليل من رب العالمين كي تنصرفي عنه حين أقدم ثم انقلب بحجة تأثير الاستخارة، وتذكري (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
أقدر حجم معاناتك بين أفكارك ومشاعرك، وكم وددت لو كنت مني قريبة، ولكن قدر الله وما شاء فعل، اقرئي:
أحزان كل مغترب.. يحدث لفرائسنا السهلة
أحزان كل مغترب.. عبيد وأحرار مشاركتان
أنصحك بالإسراع لأقرب مختص نفساني كي توقفي استنزاف مشاعرك واستهلاك أعصابك بلا مبرر؛ فكلك كما تعلمين أمانة لديك ستسألين عن التفريط فيها، فرج الله كربك وشرح صدرك للحق، وتابعيني بأخبارك كي أطمئن عليك.