أسرة استشارات مجانين، سلام الله عليكم وبركاته،
ما دعاني للكتابة إليكم هو موضوع: الزواج الثاني- حوار ساخن في الحقيقة لا أريد أن أعلق كثيرا؛ فما قد قيل فيه يغني عن تعليقي، ولكني أشعر بأني أدور حول نفسي في نفس الموضوع؛ فقد كُتب علي أن أكون دائما في المرتبة الثانية، وربما الثالثة من اهتمام من أتعامل معهم.. أرجو المعذرة؛ فأنا لا أعرف تحديدا ما الذي يمكن أن يقال، وما لا يقال. أسأل تحديدا وبوضوح شديد: ماذا أفعل وأنا يطلب مني أن أكون حليلة لرجل متزوج من أولى إلي أن يتأكد من أني أنا التي يريدها ويتزوجها لتصبح الزوجة الثانية؟ لا أدري إذا كان السؤال مفهوما وواضحا أم لا؟! ولكني لا أدري كيف يتم صياغته كما تم عرضه علي.
نسيت أن أعرف بنفسي؛ فاسمي كما هو مدون، أما سني فقد أتممت عامي السادس والعشرين، اليوم منتسبة لكلية الإعلام مركز التعليم المفتوح، وحاليا لا أعمل. هذا من الناحية الاجتماعية يبقى المستوى الاجتماعي فهو متوسط الحال والحمد لله.
بالنسبة لحالي كأنثى يقولون بأني محبوبة ومرغوبة، أو كما يطلقون شخصية مغناطيسية تجذب ولا تنجذب إلا للقليل، أو كالفراشة لا تنجذب إلا للنور لتستنير وتصطلي! أما عن هذا الزوج فقد كان رئيسي في العمل، أو بالأحرى هو صاحب العمل الذي كنت أعمل به، برغم صغر سنه فهو يبلغ الواحد والثلاثين من العمر شاب في مقتبل عمره، تزوج منذ 8 سنوات تقريبا من قريبة له، ولديه منها ولدان في عمر الزهور، بدأ يتقرب إلي منذ سنتين تقريبا قبل تركي للعمل، في بادئ الأمر صرح لي بأن هناك عاطفة تربطه بي، وأن شيئا غريبا قد حدث له ولحياته منذ أن بدأ يتقرب إلي بحكم العمل الذي يربطني به.
للعلم ظللت أعمل معهم هو وأخيه؛ فهما شريكان في العمل، ولكل اختصاصه، وطبيعة عملي كانت من اختصاص أخيه، أما هو فلا؛ فلم أكن أعرف عنه إلا القليل، وما كان يربطني به إلا تحية الصباح التي كان يلقيها علي يوميا، وظل هذا لمدة 4 سنوات تقريبا، إلا أن اشترك معي في اختصاصي وهو الكمبيوتر والإنترنت لمدة سنة تقريبا، وهو يحاول أن يتقرب إلي، ويختلس الوقت والنظرات، ويراقبني، ويراقب تصرفاتي وعلاقاتي بمن حولي، ويرى أن كل من حولي يحاولون ودي، ويتعجب كثيرا لهذا ويقول لي: "حتى الأطفال، حتى الكبار، حتى العمال.. إيه فيه إيه؟!".
المهم لا أريد أن أسترسل كثيرا؛ فلا داعي للتفاصيل؛ فقد تكون تفاصيل مكررة. المهم ظل معي إلى أن عودني عليه، وجعلني أتعاطف معه، لا لأنه معذب في حياته، أو ما إلى ذلك، لا لم يقل لي: إنه معذب، وإنه تعيس في حياته، ولأنه ببساطة لا يقدر، ولا يستطيع أن يقول مثل هذه العبارات؛ لأن مكان العمل يوجد به شقة الزوجية بالنسبة له ولأخيه أيضا، وأمه كانت تسكن بجوارنا وهكذا؛ فكنا كموظفين نرى كل شيء أمامنا، ونعرفها، وتعرفنا، وكم هي شخصية لذيذة ومحترمة، كل ما قاله أنه يحتاج الحب؛ فرحلته مع الحياة العملية لم تمكنه من أن يشعر بأحاسيس الحب والدفء والانتظار والاشتياق، وكل هذه المترجمات في دنيا النبضات إذا جاز التعبير؛ فكل ما يحتاجه الحب الحب الحب؛ فقد تزوج ما رشحتها له أمه، وظل طوال مرحلة الجامعة وتكوين نفسه اجتماعيا واقتصاديا لا يعترف بأن هناك ما يسمى حبا، ولا يعترف بما يقال في الأغاني عن الحب والأشواق والذكرى والحنين؛ فقد كان لا يفرق بين عمرو دياب ومصطفى قمر -على حد قوله- إلى أن تحركت مشاعره نحوي؛ فقد جعله إحساسه بي يشعر بالحزن والشجن، ودخل مدرسة كاظم الساهر وهو يتعلم الحزن من حب حبيبته، وكيف يجعله هذا الحزن يتصرف مثل الصبيان ليقلب تاريخه رأسا على عقب، هو الإنسان الناضج -كما يقول ويدعي- الذي جعل من نفسه رأسماليا ورجل أعمال معترفا به، الذي لم يكن عنده وقت ليضيعه.
لا أدعي أنني في حقيقة الأمر لم أقتنع كثيرا بهذه الكلمات الجوفاء؛ فقد كنت أشعر أنه مصاب بحالة ملل أو أنه ليس لديه ما يفعله بعدما استقر ماديا واجتماعيا، ولا يبقى إلا الحب كي ينقذه من هذه الحالة التي يريد أن يعيشها، ولكني أنا الأخرى مصابة بهذه الحالة التي أريد أن أعيشها. ومشكلتي تكمن في إحساسي بأنني أريد وأحتاج من هو محتاج إلي، قبلت بهذه العلاقة التي كنت فعلا بحاجة إلى أن أدخلها؛ فأنا بحاجة إليه، ربما لست إليه هو بعينه، ولكنه الحب والحنين والأمان والدفء الذي أظل في البحث عنه إلى أن تاه مني، لا أريد أن أدخل في فرعيات لا تجدي كثيرا.
أرجو المعذرة.. كل ما أود أن أقوله لأعرف ماذا يمكن أن أفعل حياله؟ ماذا يمكن أن أفعل حيال نفسي وأهلي وحياتي ومستقبلي؟ هو يحبني.. هكذا يدعي، وهذا ما جعلني أندمج معه، وأتقرب منه؛ ليشعر كلانا بالآخر؛ فقد شعر معي بما يحتاج أن يشعر بلحظات الحب والاشتياق التي يصبو إليها، ظللنا هكذا، وقد كان جادا في الارتباط بي، إلى أن جاء ما جعلني أترك العمل لظروف خارجة عن إرادتي أو بالأحرى لغبائي وحمقي؛ فقد كنت في هذه الفترة فرحة بنفسي ولود الناس وتظاهرهم بحبي والتفافهم حولي؛ ولهذا كنت أتصرف بتهور واندفاعية وأقول لنفسي: فليتقرب مني من شاء، ماذا عساي أن أفعل؟ حتى جاء ما لم أكن أحسب له حسابا وحاول أن يتقرب إلي خطيب صديقتي التي كنا على صلة وطيدة بها في الخمس سنوات التي عملت بها في هذه الشركة فقد كنا متحابين وقد كانت تفهمني كثيرا، وكل ما عندي من أسرار، وما يدور بعقلي ونفسي، وهي أيضا كانت تحبني كثيرا، وتحدث خطيبها عني أكثر، إلى أن ارتبط هو أيضا بي، وجعلني في محور اهتماماته، ولحبي لصديقتي أردت أن أنصحها بأن تتقرب إلى خطيبها، وتبعدني أنا عن حياتهما، تفهمت في بادئ الأمر الموقف، وما ينبغي أن تفعله هي تجاهه في أن تسترده إليها، وتحتفظ به لنفسها بعيدا عن أي مداخلات من أحد، ولكنها أرادت أن تواجهني به كي تشعر أنه ليس هناك مشكلة يصعب حلها، وأن الأمر تحت سيطرتها، ولكن خيب ظنها عندما أعلمته أني سأحدثه وأغلق التليفون، ولم تستطع أن تصل إليه لمدة يومين، هذا ما جعلها تنهار وتشعر أنها مهزومة، وأنها مخدوعة، وهذا ما جعلها تحقد علي وتقرر الابتعاد عني، ولنظل زملاء عمل كل ما يربطنا تحية الصباح إن ألقيت.
ولكني لم أصدق ما قررته تجاهي، بهذه السهولة يمكنها أن تضحي بي وبصداقتي؟! بهذه السهولة يكمن لها أن تبيعني ولأجل من؟! وقد قررت أن تنفصل عن خطيبها؛ لأنه إنسان لا يمكن إعطاؤه الأمان؛ فهو خطيب ينظر إلى غيرها، ما بالها إن تزوجا؟ ولكن ماذا عني وأنا لم أخُن عهد الصداقة الذي بيننا؛ فقد كنت أمينة معها ومعه أيضا؛ فماذا يمكن لي أن أفعله غير ما فعلت؟
المهم بعدما عرفت قرارها مكثت بالبيت مدة 4 أيام لم أنزل فيها العمل بحجة إجازة مرضية إلى أن قطعت الإجازة لمكالمة تليفونية أو استدعاء تليفوني منه، دخلت الشركة لأرى كل من هناك وقد تغير من ناحيتي، وأنا أجهل السبب، ولا أدري ما الذي حدث في مدة غيابي، ووجدتها حزينة شاحبة الوجه، وعندما طلبت أن أتحدث معها وجدتها تلبي طلبي، ولكن عندما شرعنا في الحديث انهارت وأجهشت في البكاء، ولا تريد أن تتحدث أو أن تشير من قريب أو بعيد إلى هذا الموضوع، وهذا الصخب الذي أحدثته جعله يدري هو وأخوه وكل من بالعمل، وأصبح الموضوع مذاعا على مسامع القائم والجالس، وحضر أخوه الأكبر وهو رئيسي المباشر ومن أنتمي لتخصصه، وسأل: ما الذي يحدث؟ واجتمعنا جميعا بمكتبه ليصغي إلى ما حدث وهي تروي له القصة لتصنع من نفسها الضحية وأنا الساحرة الشريرة ولكن لم يكن معي العصا السحرية التي يمكن أن أطوع كل شيء لي ولمصلحتي.
المهم أسفر هذا الاجتماع عن أخذي إجازة مفتوحة إلى أن ينظر في الأمر، أما هو فقد كان مأخوذا بما يحدث وما حدث، وعلى هذا تركت العمل نهائيا، ولم أنتظر هذه الإجازة التي حددها، فجعلتها إجازة مفتوحة، كم كنت أود أن أترك هذا المكان الذي ارتبطت به كثيرا بصورة تلائم ما كنت عليه خلال الخمس سنوات، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه؛ فقد كان ما لم يكن أبدا أتمناه، ولم يحسن ختامي في هذا المكان.
المهم أخذت أسبوعا لا أكلم أحدا، مأخوذة، مصدومة بما حدث، إلى أن قررت أن أحدثه بالتليفون، ووجدته لا يزال مأخوذا بما قيل عني وما حدث، ويتهمني بأني السبب فيما حدث، وبأني قد تجاوزت كل الحدود والسدود، وما كان في علاقتي به هو أيضا، ما كان مني تجاه كل من حولي؛ فهو لا يعني شيئا لي؛ فأنا لا أحب، ولا أعرف أن أحب، وشكرني على الوقت الذي قضيناه سويا. هذا ما كان منه. وبطبيعة الحال لم أعرف ولا أستطيع الرد عليه؛ فمن طبيعتي عندما أصدم لا أعرف أن أرد أو أواجه ما يصدمني أو يعنفني؛ فقد نشأت على الخوف والجبن؛ فهذا يرجع إلى ظروف نشأتي ليس لي حيلة.. فما حيلتي؟
أنهيت المكالمة وأنا داخلي رفض شديد لما اتهمني به، وحاولت أن أكلمه ثانيا كي أنفي وأبعد عني هذه الاتهامات، ولكني فشلت، وحاولت مرارا وتكرارا، وظللنا على هذه الحالة في محاولة للاقتراب والابتعاد أنا من ناحيتي وهو من ناحيته، ظللنا هكذا لمدة 3 أشهر تقريبا، إلى أن رأيته مصادفة في الطريق الذي اعتاد أن ينتظرني به؛ فقد ذهبت إليه تلبية للحنين الذي كان يقودني إلى مكان الانتظار، وأنا في طريقي كنت أبحث عنه أتلفت يمنة ويسرة، أماما وخلفا؛ علني أراه، وصدق ظني ورأيته ورآني، وركبت معه السيارة، وتحدثنا، وكان أيضا لديه الحنين الذي لدي، ولكنه بعد أن أفصح بما لديه من شوق ووحشة نهرني، وقال: لا تحاولي أن تتصلي بي، أنا سوف أتصل بك عندما أهدأ نفسيا تجاهك، وأنهينا اللقاء على ألا أحاول الاتصال به، وفعلا لم أحاول الاتصال به لمدة طويلة، إلى أن هاجمني الحنين إليه، فحاولت أن أتصل به، ولكني لم أستطع أن أرد عليه، وعرف أنني أنا التي لم ترد على الهاتف، فاتصل بي هو وقال: إنه اتصل بي لأنه قد وعدني أنه سيحدثني، وهكذا أخذنا في الشد والجذب إلى أن تلاقينا لقاء حميما يعبر عن الوحشة والحنين (في أحد الفنادق، وكان اللقاء مع مراعاة أني آنسة طبعا).
أصدق القول بأني لم أكن بحاجة لأفعل ما فعلت إلا أن أثبت له أني فعلا بحاجة إليه، وعلي استعداد أن أفعل أي شيء من أجله؛ فهو فقط ما أريد؛ وهو ما أحب، وما أبغي هو لا أريد غيره، ولا أحب سواه، وأني حقا لا أريد منه شيئا، لا أريد منه حتى أن يحبني، فقط كل ما أريده هو أن يتأكد أني أحبه، ولم أخدعه، هذا كل ما دعاني لأفعل ما فعلت، وأدنس نفسي بهذه العلاقة.
وبعدها لم أره لمدة 4 شهور؛ بحجة أنه سيختبرني، ويرى إن كنت سأحاول أن أفعل له مشاكل، أو أني سأحاول أن أخبر عن علاقتنا أحدا، وما قد دعاه لأن يفعل مثل هذا التصرف هو أني قد حاولت في الفترة التي سبقت هذا اللقاء أن أتصل به عن طريق أخيه عندما وجدت هاتفه مغلقا طول الوقت، فجعلني هذا لا أعرف ماذا أفعل؟ وكيف أصل إليه؟ فقد كلفت صديقتي بأن تتحدث مع أخيه، وتسأل عنه، وكانت هذه المحاولة طامة كبرى؛ إذ إنني أحاول أن أصنع المشاكل، وأحاول بهذا الصنيع أن أعلم أخاه بما بيننا. وظل ثانيا في اتهامي وإلقاء التهم والتعنيف؛ فهذا ما جعله يقرر الابتعاد عني في نفس يوم اللقاء الذي قربنا لتأكده من أنني أنا فعلا التي صنعت هذه الصنيع. وعلى هذا قرر أن يختبرني في عدم محاولتي الاتصال به من قريب أو بعيد ليتصل هو بي، وبعدما طالت المدة لتصبح 4 شهور اتصل بي مجددا، في الحقيقة لم أفاجأ بهذه المحاولات؛ فقد كان يناديني الحنين إليه بشدة في نفس الأسبوع الذي حاول الاتصال بي فيه، ولكني لم أرد عليه؛ فقد استقر عندي الحنين قليلا، ولا أحاول أن أجدده أو أشعله، وتحدثت إلى نفسي أنت تاني؟ ماذا تريد؟ ولم أجب عليه، وأرسل لي مدعيا أنسيتي رقمي؟ لا لم أنس رقمك، ولكني أحاول أن أنسى رقمي أنا؛ فقد كنت رقما في غرفة في فندق قد قلت له هذا، وهذا ما جعله يعنفني ويتهمني بالجنون والوهم الذي دائما أعيش فيه في أنه لا يحبني ولا يعرفني إلا لهذا الغرض، واستطاع أن يقربني إليه ثانيا بالسؤال الدائم عني؛ فقد أصبت بعد هذه المكالمة بنزلة شعبية؛ وهو ما جعله يسأل عني، ويحدثني عن صحتي، لا شيء آخر؛ فلم نتحدث عما كان منه ومني؛ وهو ما جعلنا نقترب ثانيا؛ فالحنين كان طاغيا على كلينا، وقد كان اللقاء الأول بعد الانقطاع الذي دام 4 أشهر، وتوالت اللقاءات إلى أن تجدد اللقاء الرقمي الذي يجعلني رقما في فندق مرة ثانية مع نفس الاحتفاظ والمراعاة، وبعدها تمت القطيعة التي فرضتها على نفسي؛ لأني بعدها أشعر بالخزي من ربي، وتعذيب الضمير؛ فأنا لا أحتاج إلى هذا الدنس؛ فلمَ أفعل ما أفعله؟ ما الذي يجبرني لأن أفعل؟ لا أعرف لا أدري، ويلاه ما حيلتي؟
وبعد هذه القطيعة تقابلنا، وقال: ماذا أفعل لأجعلك لا تنفرين مني؟ بعد هذا اللقاء فأنت تتمتعين بالإشباع الذاتي، وأخذ يحدثني أنني لو فعلت مثل هذا الأمر فربما لا أجده يوما؛ فالقطيعة التي استمرت 4 شهور ستتجدد، وربما أكثر وأكثر، وهكذا، وبعدها أخذ يحدثني بشيء من المنطقية بأنه لا يستطيع أن يحدثني في أمر الزواج، وكيف سنتزوج، وما يجب فعله لنتزوج ما دام أنه لا يتأكد ولا يثق بي في أمر هذه العلاقة؛ فهو يعاني مع زوجته من برود المشاعر في اللقاء الحميم الذي يجمعهما، لا يجد معها الحب ولا مشاعر الرغبة الجنسية التي تشعره بالاقتراب واللذة الصادقة العميقة، وهذا ما يجعله ينفر منها، أو إذا تم اللقاء فكلاهما ينفر من الآخر؛ فمن الممكن أن يكونا على خلاف في الصباح ولا يتحدثان سويا، وفي المساء يحدث بينهما لقاء، وهذا ما يعجبه؛ فهو يريد الحب في اللقاء، يريد أن يتعانقا أكثر بعد اللقاء، يرتبط كلاهما بالآخر بعد هذه العملية، لا أن ينفر كل من الآخر. والآن هو يرى فيما يراه في زوجته يراني، وقد أنفر منه بعد هذا اللقاء، ولكني في الحقيقة لا أنفر منه؛ لأنني لا أحب هذا اللقاء، أو لا أحب أن أمارسه؛ بل العكس أنا أرى نفسي لظروف يطول شرحها أحب هذه العلاقة، وأحب أن أمارسها، ولكني لا أحب أن أقع فيما حرمه الله، كم أخشاه كثيرا، ولكن بعدما أفعل ما أخشاه تأخذ نفسي في التعذيب؛ فأعذب نفسي بنفسي، وصوت ضميري الذي ينخفض كثيرا عندما أشرع في مثل هذا الصنيع.
والآن لا أدري ماذا أفعل؟ وكيف بي أن أستمر؟ وهل هو حقا محق فيما يدعي فهو يخاف من أن تتكرر معه نفس الصورة.. فما الداعي إذن في الزواج ثانيا؟ هو يريد أن يشعر بالوحشة والشوق والالتصاق وكل هذه المعاني، وأنا لا أعرف هل هو حقا جاد في الاستمرار معي أم أنه سيستمر معي لبعض الوقت ليشعر بكل هذه الأحاسيس ثم يتركني، يترك الزهرة بعد أن يذبل أريجها، ولو لم يتركني، واستمر معي وشرع فعلا بالزواج بي فهل سأكون محقة وجديرة باختياري أم أني سأخسر كل شيء؟ وهل هو محق في الزواج بأخرى تشعره بقبلات الحب الساكنة؟ لا أعرف تحديدا أرجو الإفادة،
والمعذرة لإطالتي، ولكن هناك أمور تحتاج إلى تفاصيل ليكون الأمر جليا، لتكون الإفادة إن شاء الله.
ولكم تحيتي، والسلام.
27/8/2024
رد المستشار
رسالتك سافرت معي في أقطار الأرض من هولندا على ساحل بحر الشمال إلى "ريو دي جانيرو" على المحيط في الجنوب، ومؤخرا إلى بيروت على ضفاف المتوسط، وإجابتي ستأتي إليك معتصرة لخبرات كثيرة، وتجارب متعددة؛ فعذرا على التأخير.
والحقيقة أيضا أن سطورك الصادقة حملت أوجاعا خاصة بك، ولكنها شائعة في الظروف الحالية، فإذا بك تسلطين الضوء على حياة فئة واسعة من الفتيات اللائي يتحلين بالصمت، ويتخلين عن البوح لسبب أو لآخر.. جرعة الصدق في رسالتك عالية جدًّا يا أختي.
وقائع حياة فتاة متوسطة الحال، خرجت للعمل والتعامل مع الناس؛ فإذا بها تكتشف بعد حين أن أحدهم كان يراقبها من قريب، ويرى من حولها يلتفون وينجذبون إليها، ويختلس الوقت والنظرات هو أيضا، ويحتاج إلى الحب والدفء والانتظار والاشتياق، ويرى الفتاة متوسطة الحال يمكن أن تعطي هذا كله؛ فهي أدخلته مدرسة "كاظم الساهر"، وصدقيني يا آنستي الكريمة إنني -قبل رسالتك- لم أكن أعرف شيئاً كثيراً عن "كاظم" وأغانيه حتى قلت في نفسي: لماذا لا أجلس أشاهد جزءا من حفله الأخير بالقاهرة على الهواء مباشرة؛ حتى لا أكتب عما لا أعرف، والحق أنني وجدت شيئا جديرا بالدراسة على الأقل إن لم يكن أيضا مثيرا للدهشة والإعجاب عند البعض طبعا.
ولقد أخرج كاظم بالألحان وبالأداء العراقي الحساس، وبالشجن المخزون في ذاكرة أهلنا من بلاد الرافدين -أصلحها الله وردها إلينا سالمة غانمة متألقة معطاءة- أخرج كاظم "كلمات" نزار قباني من بين دفتي كتاب وسطور مرصوصة إلى صدور تفتقد الحب، وأذهان متعطشة إلى لغة سهلة وفصيحة بدلا من الغناء المعتوه أو أغاني التعبير بالجسد المنتشرة!! لا أدري من حسن حظك إذن أم من غير ذلك أن تكوني في ذهن مديرك السابق بالعمل المرأة التي كتبها "نزار"، ويغنيها "كاظم"!!
ومجرد أن تتقمصي أنت هذا الدور فإنها مغامرة مغرية تحتاجها فتاة في مثل أوضاعك؛ بل لا أبالغ في أنه دور تطمح الكثيرات إلى القيام به، وبخاصة في عصر "تمكين المرأة!!". هو نوع من التوافق إذن بين ما يتغنى به "الساهر"، وما يسير على الأرض من برامج ووقائع تزداد فيها مساحة حركة المرأة، ولنا في مسألة "تمكين المرأة" رأي لا يتسع المقام لذكره هنا، والنساء يحببن "كاظم"؛ لأنه ربما يروق لهن هذا النوع من الحب الذي تشعر فيه المرأة بأن الرجل يحتاجها كما تحتاجه هي.
فالبداية كانت مقدمة من النوع الثقيل بالرغبة المشتركة التي يحملها كل منكما للآخر، رغبته هو في الحب على طريقة "نزار"، ورغبتك أنت في أن تكوني "حافية القدمين" أو "بلقيس" أو تلك المرأة التي تتبادل مع أحدهم هذا النوع من المشاعر، ثم دخلت في تلك القصة الغريبة بين صديقتك السابقة وخطيبها، وطوال قصتك أراك تتحلين بنوع من البراءة الشائكة؛ فما معنى أن تفرح فتاة بنفسها وبود الناس وتظاهرهم بحبها والالتفاف حولها؟؟
أعلم أن الكثيرات -فيما يبدو- يتبعن نفس الأسلوب؛ فيفرحن بهذا تعويضا عن حنان مفتقد أو استمتاعا بما يشعره أحدنا حين يكون محط أنظار الناس أو محور كلامهم، ولكن هذا الوضع "الغامض" يتحول إلى كارثة أحيانا -إن لم يكن غالبا- حين يختلط الأمر على أحد المريدين فيظن تلطفك وحيادك تجاه اقترابه نوعا من الترحيب بأن يقترب أكثر!! ثم أنت تذهبين بنفس البراءة إلى صديقتك لنصحها بأن تتقرب إلى خطيبها، وأيضا تبعدك عن حياتهما؛ فهل هذا كان هو الاختيار الأوفق لتلافي اندفاع خطيبها نحوك؟؟
وحبيبك يراك وسط الزحام تتجاوبين معه، ثم يسمع عنك أنك أفسدت علاقة صديقتك بخطيبها، فيظنك من صائدات قلوب الرجال، فيقول في نفسه: ولم لا أحصل على المزيد؟ وأنت لا تبخلين ولا تتوقفين بل تدخلين معه إلى مساحات ملغومة تجاوبا مع "الحنين"، وإثباتا لحسن نواياك تجاهه!
وشكرا لك وله على مراعاة أنك "آنسة" بعدم فض البكارة الجسدية، ولكن ماذا عن روحك يا آنستي؟؟
ويصدمني أنك "مصدومة" و"مندهشة" طوال الوقت من ردود أفعال من حولك وتصرفاتهم تجاهك، ومن تساؤلاتك البريئة عن مستقبل علاقتكما!!
ولا توجد أي مشكلة في قصتك كلها إذا كنت تعيشين في هونولولو أو جزر الباهاما، ولكنك يا آنستي عربية مسلمة.. مشوشة بامتياز.. مثل كثيرات، والحصاد أنك تحبين الجنس -مثل كل البشر- ولكنك تكرهين الحرام، بينما وضعت نفسك في دائرته؛ تلبية لنداء الحنين.. فبأي طريق تريدين المواصلة:
طريق الدين الذي تنتمين إليه، والضمير الذي يعذبك؟
أم طريق الحنين الذي يجرفك للغرفة في فندق؟
كنت سأفهمك أكثر إن فعلت مثلما تفعل الفتاة التي تنقطع بينها وبين الزواج السبل، فترتبط عرفيا بشهود ومهر، وإيجاب وقبول؛ فتحفظ ماء وجهها، وتحافظ أيضا على بكارتها باتفاق، حتى تكتمل العلاقة بزواج معلن أو تنفض بطلاق دون أن تخسر فيها صورتها أمام حبيبها أو احترامها لذاتها.
أنت لم تفعلي هذا.. ومثل كثيرات اعتبرت أن جسدك هو ملكية خاصة بك، وأن الزنا شأن فردي لا دخل فيه لأحد.. بينما الزواج هو الشأن الذي يحتاج وجود أهلك، وبهذا الفهم الخاطئ صار الزنا أيسر من الزواج!!
ويمكننا أن نظل نتكلم دون انقطاع، ولكن لا أريد الإطالة، وفعلا لم أفهم ما تريدين بالضبط؟
ورغم أنك تسألين: ماذا أفعل؟ إلا أنني أحتاج أن أعرف ما تهدفين إليه أصلا؛ فهل تريدين مجرد الحفاظ على علاقتك بهذا الرجل؟ أم تسألين عن مستقبل علاقتكما في ظل ما جرى ويجري؟ أم ماذا؟
قصتك نموذجية يا أختي، وأحب أن نبسط فيها الحديث أكثر، فتابعينا بالمزيد لنفهم معا ونفكر سويا، ومعنا القراء، ولنرى أين نقف اليوم كمجتمع، وما العمل؟
أتفهم مشاعرك وأعرف عن الحنين ولا أتهم براءتك، ولكن هذا كله لا يعفيك من اللوم ولا من وخز الضمير، ولا من انفجارات ألغام العشق المشبوب الذي يغفل في غمرة المشاعر أنه إنما يجري في سياق مجتمع، وأن أطرافه لهم دين وضمير ولديهم أشياء أخرى يهتمون بها ويراعونها غير اعتبارات الاحتياج للحب والاهتمام والتواصل الجسدي.
سأنتظر متابعتك والمشاركات، ومرحبا باتصالك إن أردت أن تقابلي أحدا من الفريق وكنت من سكان مصر.رسالتك سافرت معي في أقطار الأرض من هولندا على ساحل بحر الشمال إلى "ريو دي جانيرو" على المحيط في الجنوب، ومؤخرا إلى بيروت على ضفاف المتوسط، وإجابتي ستأتي إليك معتصرة لخبرات كثيرة، وتجارب متعددة؛ فعذرا على التأخير.