السلام عليكم
كنت ناجحًا في دراستي حتى نهاية التعليم الثانوي ثم فشلت فشلاً كبيرًا في الجامعة لأسباب أمنية واجتماعية، وقد أثر ذلك فيّ، مما تسبب في تركي للجامعة، وخضت الحياة العملية وعملت ونجحت جدًا إلا أنني - وفي كثير من أحلامي - تتراءى لي صور فشلي الجامعي ككابوس مزعج.
فما الحل؟
ولكم كل الشكر والسلام عليكم.
13/9/2024
رد المستشار
أخي العزيز: أهلاً بك، وبمشكلتك التي تلح على ذهنك في الثلاثينيات من العمر، ثم تعود إلى الإلحاح في الأربعينيات بحكم التطور النفساني: ففي الثلاثينيات يقارن كل منا نفسه بأترابه، وفي الأربعينيات يبدأ في النظر إلى الخلف، وتقييم مسيرته الماضية، والتحسر على الأخطاء.
وسواءً كنت في الثلاثينيات أم الأربعينيات فيبدو أن المشكلة تكمن في إصرارك الذهني والنفساني على شكل ونموذج محدد للنجاح، وطريق واحد لتحقيق الذات يمر عبر بوابة الجامعة، وكأن الجامعي هو الناجح وحده. وهذه فكرة غير منطقية، وغير صحيحة على الإطلاق، وتحتاج أولاً إلى تصحيحها؛ لتقضي على أحلامك المزعجة، وكوابيس الصورة السالبة التي تقلقك.
ورغم أنك "ناجح جدًا" كما وصفت إلا أنك تغض الطرف عن هذا الواقع الإيجابي لتعيش في هواجس خيال مزعج، وكأن هذا الخيال ومكوناته أكثر واقعية من واقعك الحقيقي؟!!
لذلك فأنت تحتاج ذهنيًا إلى مواجهة هواجسك وإحساسك بالفشل، فتناقشه موضوعيًا بشكل هادئ، وبصوت عال، وتسأل نفسك: هل أنا فاشل لأنني لم أدخل الجامعة؟! وهل كل من دخلوا الجامعة نجحوا؟! وتحتاج إلى أن تسأل نفسك-أيضا- عن جذور هذا التفكير المختل منطقيًا؟! وهل يكمن في غيرة تستشعرها نحو أحد بعينه؟ أم هي انسياق مع ما شاع من أفكار وموروثات؟ أم أن السبب يكمن في شعور بالندم والحنق ضد من تسببوا في خروجك من الجامعة اجتماعيًا وأمنيًا؟!! وباستمرار هذا التأمل الذاتي البصير والمتعمق ستصل إلى جذور شعورك بالفشل وأسبابه، وسيمكنك الرد على أسئلتك، واقتلاع هذه المشاعر والأفكار من جذورك عندما تستحضر أسباب ونواحي نجاحك في الحياة العملية، وتستشعر نعمة هذا النجاح، وبقية نعم الله سبحانه عليك، وتستحضر طعم هذه النعم، وتحمد الله عليها.
إن الأعمال الصالحة كثيرة، وكذلك فرص الحياة ومزاياها، وتصورنا أن السعادة تكمن في عمل معين أو فرصة معينة قصور وتبديد لطاقة الفعل والإبداع بداخلنا، ولو استسلم الناس لهذه المشاعر السلبية لما عرفنا الكثير من العظماء الذين تعثروا في السبل التي يرتادها جموع الناس؛ بينما كانت لهم سبلهم الخاصة، وطريقتهم المتميزة في النجاح والإبداع، وكم من جامعي حولك نجح في الجامعة ـ وتخرج فيها ـ بينما فشل في مدرسة الحياة عاملاً ومتفاعلاً، أبًا وزوجًا وصديقًا... إن التعليم الجامعي مجرد واحد من مصادر المعرفة والتكسب، وربما يكون الآن من أقل هذه المصادر فاعلية. فإذا كنت لا تشكو نقصًا في المعرفة أو الكسب؛ ولكن تنظر إلى المسألة من زاوية الوجاهة الاجتماعية فقط؛ فيمكنك ـ على كل حال ـ أن تدرس برامج لتحصل على هذا "التميمة الاجتماعية" المسماة بالشهادة الجامعية، أما إن كان الأمر غير هذا فاشغل نفسك بتحقيق نجاحات أكثر في حياتك الأسرية والعملية والاجتماعية..
وتذكر أن:
ـ الحياة فشل ونجاح،فمن عاش أحدهما فقط بقيت حياته ناقصة.
ـ التفاضل بين الناس لا يكون بالمؤهل الدراسي فحسب، وهو عند الله بالتقوى والعمل الصالح.
ـ التجربة المؤلمة يمكن أن تتحول إلى دفعة إيجابية إذا درسناها، واستوعبنا دروسها، ولم نكررها.
ـ قد يكون فشل البعض مرة سببًا للنجاح مرات فكن من هؤلاء.
والله يوفقك.
واقرأ أيضًا:
الفشل والنجاح: معادلة الحياة!
أشعر بالفشل بعد تحقيق هدفي!
أشعر بالفشل ولا يراني الناس كذلك!
الشعور بالفشل: نصائح لا جدل!
الفشل الحقيقي