السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لا أعرف هل أصبح الإنسان في هذا الزمن القاسي يكرم ويحترم بقدر المال الذي لديه، أم (على أساس) من أي بلد هو أو لأي عائلة ينتمي؟.
أكتب لكم مشكلتي وقد أغرقت لوحة المفاتيح بدموعي من الألم والشعور بـالظلم والوحدة وبضياع العمر.
أنا فتاة تخطيت العشرين، يتقدم لي طلاب كثيرون، ولكن عندما يذهبون للسؤال عني وعن أهلي -كما هي العادة- يفشل موضوع الزواج؛ وذلك لأن أبي رجل فقير وطيب ومتواضع العقل والتفكير، وكذلك لأنه يطلق عليه لقب غير محبب بين الناس، مع أننا فتيات مؤدبات والكل يشهد لنا بذلك، ومع أن هناك أطباء وممثلين أسماء عائلاتهم التي ينتمون لها هي بنفس الاسم الذي يلقب به أبي، والناس يعرفون هذا.
وأبي ووالده -أي جدي- شردا من بلادهما رغما عنهما، و"الظروف" شاءت أن يحط بهما المسير في فلسطين، وقد كان أبي -وما زال- وحيدا، أي أنه مقطوع من شجرة، توفي والداه وهو صغير ورباه الناس الذين كانوا يشفقون عليه، وهم من أطلقوا عليه هذا اللقب الذي أضاعني وأضاع أخواتي.
المهم أن كل من يتقدم لخطبتي أنا أو أي واحدة من أخواتي لا يعود بعد أن يسأل عنا وعن أبي ومن أي بلد نحن وما هو أصلنا وفصلنا، ويقول كيف نناسب هذا الرجل، رغم أنه يعلم أننا فتيات مؤدبات ومتعلمات أيضا، المهم أنه لا يعود للزواج من عائلتنا بعد أن يسأل عنا.
وأنا قد وصلت لهذا العمر وأريد أن أتزوج وأريد العفة، مثلي مثل كل الفتيات في سني، وصدقوني كل الفتيات اللاتي أعرفهن وتزوجن، صدقوني لسن أكثر أدبا ولا علما ولا جمالا، والكل يشهد بأدبنا وديننا، ولكن عند المصاهرة يبتعدون مسافة سنين عنا.
فما هو الحل برأيكم؟ هل نبيع بيتنا ونرحل منه إلى مكان آخر؟ مع العلم أن أبي رافض تماما لفكرة البيع؛ فهو لا يدرك مدى المعاناة التي نعانيها؛ لأن أبي له وضع خاص غير الذي قلته؛ فهو لا يسمع جيدا ولا يتحدث جيدا، أي أنه رجل "على البركة"، وعقله كما يقال بالعامية "على قده"، ويعاملني أنا وأمي وأخواتي معاملة قاسية.
علما بأن أمي وحدها -يا سيدي- هي التي تتحمل المسؤولية، وأنا أساعدها بما أقدر عليه، وأيضا تحمل همي وهم أخواتي من الخوف من عدم الزواج للسبب الذي ذكرته وهو اللقب، وأنا خائفة على عمري من الضياع، فماذا أفعل بالله عليكم؟
أرشدوني فلقد تعبت كثيرا وأصبحت أدعو على نفسي بالموت كي أستريح؛ فأشيروا علي.. ماذا أفعل؟ فمشكلتي هذه مشكلة واقعية وحقيقية حتى لا تظنوا أنها من الخيال. وأرجو أن تسرعوا بالرد على مشكلتي.. أرجوكم، وجزاكم الله كل خير.
وأعتذر إن حملت رسالتي بعض الأخطاء، فلقد كتبتها وأنا في العمل، وأيضا أعاني من مشاكل أخرى لا يعلم بها أحد، وسأبعث لكم بها ولكنني لا أريد الإطالة، مع العلم بأن مشاكلي هذه خاصة بي ولا أحد يعلم بها لا من داخل المنزل ولا من خارجه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
12/9/2024
رد المستشار
الأخت السائلة، كنت أحيانا أتوقف أمام قوله سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ).. والقرآن يدعوه فسوقا بعد الإيمان؛ لأن العرب في جاهليتهم درجوا على التنابز بالألقاب، ومعاملة الإنسان من خلال اسم عائلته أو مكانة أبيه وأجداده، أو حجم عشيرته وممتلكاته!!
فإذا كنا قد عدنا إلى جاهلية ما قبل الإسلام فلا أظنك تحبين الارتباط بمن يحمل في صدره بعض آثار الجاهلية، ولعلك تعرفين أن الزواج ليس عفة فقط، ولكنه علاقة مركبة لا ينهض بأعبائها إلا كرام الناس، وقليل ما هم في هذا الزمان، ولعل الذي تشتكين منه يكون بمثابة اختبار تلقائي سيتخطاه الجدير بك ممن لا يتوقفون أمام المظاهر والشكليات، ومثل هذا الإنسان جدير بالانتظار والاحترام.
ليس مطلوبا منك أو من أخواتك سوى مضاعفة الجهد لإثبات الذات والظهور بين الناس على حقيقتكن الطيبة التي تتحدثين عنها، من خلال الاحتكاك والعمل والأنشطة الاجتماعية من لقاءات ومناسبات في الأفراح وغيرها، وأخطر ما يمكن أن يحدث هو الانعزال، وأن يكون هو رد فعلكن على موقف البيئة المحيطة بكن!!
الهروب هنا ليس حلا، بل سيزيد الأمر أكثر، والهجوم هو أفضل وسائل الدفاع، وأعني بالهجوم هنا: مبادرات الاتصال والمشاركة في الحياة العملية والاجتماعية حتى تكون شخصية الواحدة منكن معروفة، وسلوكياتها الملتزمة مشتهرة بين الناس؛ فيسقط اللقب والوصف المشين -تدريجيا- وتتغير الصورة الذهنية السائدة عنكن.
وقد يكون تغير البيئة المحيطة بالرحيل عنها حلا مساعدا على بدء صفحة جديدة، ولكن لا أظن مجرد الانتقال سينهي المشكلة وحده؛ لأن اللقب والوصف -الذي لم تذكريه لنا- سيظل يلاحقكن في كل مكان منتجا نفس الموقف الانطباعي.
وألفت انتباهك بعد هذا وذاك إلى التدقيق في اختيار شريك الحياة، فكما يبدو من كلماتك أن والدك بسيط العقل والحال، وليس لك إخوة ذكور، وفي مجتمع تقليدي مثل مجتمعك فإن زوج الابنة إما أن يكون إضافة رائعة تعضد الأسرة، أو وبالا قاسيا عليها.
وأحسب أنه يلزمكن الاستقواء بمن حولكن من أهل الخير والصلاح، سواء من الجيران أو الأقارب البعيدين -إن وجدوا- أو غير ذلك من الشخصيات العامة مثل إمام المسجد أو غيره.
وكنا قد تحدثنا قبل ذلك عن فكرة الآباء البدلاء، والأمهات البديلات، موضحين أن غياب الأب أو الأم ماديا أو معنويا لا يعني نهاية الحياة، خاصة في المجتمعات التقليدية، حيث ما زالت الروابط الإنسانية والاجتماعية قوية بما يسمح باصطفاء أب بديل أو عدة آباء يكونون بمثابة الرعاة لشؤون الأسرة في حركتها العامة، ويكونون بمثابة أجهزة إعلامية متحركة تبث الدعاية المضادة للسمعة السيئة الناتجة عن مسألة اللقب هذه أو غيرها.
دعواتي لك ولأخواتك ولوالدتك بكل خير، وتمنياتي الخالصة أن تستطيعي الحركة بإيجابية لتظهر حقيقتك أمام الناس جميعا وتحصلي على المكان والمكانة التي تستحقين، ووقتها سيكون الزواج خطوة تسبقها خطوات، وتتويجا لجهود مباركة أدعو الله أن يوفقك أنت وأخواتك ووالدتك للقيام بها.
ونحن في انتظارك ، وانتظار ردك علينا بالأخبار السارة إن شاء الله.