إلى محرر صفحة الاستشارات في هذا الموقع لك مني السلام، أنا امرأة كانت متفائلة بالإنسان العربي المسلم لكني للأسف أصبت بالكآبة؛ وذلك لما أقرأه عن المرأة العربية المسلمة التي جعلت من جسدها متاعًا رخيصا –للأسف- كجسد المرأة الأوروبية، ولما أراه من "فيديو كلب" على شاشة التليفزيون، والتي أصبحت المرأة المسلمة العربية تنافس غيرها في عرض أكثر جسدها!! وللأسف الأب اليوم هو الذي يشجعها ويفتخر بها ويلازمها في كل عرض تعرضه، وهو رافع رأسه عاليًا، وكذلك الأخ!! والذي صدمني أكثر ما قرأته على الإنترنت ومن خلال صفحتكم"استشارات مجانين"، إنه للأسف –والذي جعل قلبي يبكي حرقة-أن المراهقات والمراهقين أصبحوا يمارسون الجنس؛ وكأنه شيء عادي ويعلنونه على الشاشات والإنترنت!! أين الأهل؟ أين الضمير؟ أين الدين؟
أرجوكم أرشدوني كيف أتخلص من كآبتي وخيبة أملي بأكثر المسلمين؟ لأن رأسي يكاد ينفجر ودمعتي لا تفارقني في ليلتي أسفًا على الذي يحدث للمسلمين من ضياع.
شكرا لكم..
10/9/2024
رد المستشار
أختي العزيزة. امسحي دموعك، واسمحي لي أحرر لك المسألة، وأحددها.. لأن الأمر يكاد يختلط عليك، وعلى بعض زوار صفحتنا، وحسنًا فعلت بإرسال هذا السؤال لأرد ـمن خلال إجابتي عليه- على ما يدور في أذهان البعض.
رسالتك فيها خلط كبير وواضح أربأ بك وبذوي الغيرة والحماس، والالتزام عنه:
فأنت تخلطين ما يشيع في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي ـوالإليكتروني مؤخرًاـ بما تطالعينه على صفحتنا هنا، وشتان الفارق يا أختاه بين غانية تتمايل كاسية عارية في أغنية "فيديو كليب" كما تصفين، وأخرى ترسل لنا تصف مشكلة بينها وبين زوجها في أمر الجماع، أو تحكي لنا عن قلقها بشأن تأخر زواجها.. إلخ.
الصنف الأول: مائلات مميلات ندعو لهن ولنا بالهداية، أما الصنف الثاني: فشباب حائر مسترشد يسأل عن حكم الدين، ورأي العالم المؤمن، وهو يلتمس العلاج لمشكلة وقع فيها، أو خطأ صدر عنه، وهو حين يفعل هذا يقوم به لأن ضميره ما يزال حيًا، ومعيار الصواب والخطأ مازال كامنًا بداخله، ولو كان فوقه ركام من جهل أو غفلة أو تقصير.
فهل يصح مع هذا الحال أن يقال: أن المراهقات والمراهقين هكذا جملة -وبتعميم مندفع- أصبحوا يمارسون الجنس، وكأنه شيء عادي.. إلخ كلامك.
لو كان الأمر كما تتصورين، أو تُصورين وتصفين لما ظهر "الزواج العرفي" وانتشر فهو نوع من التحايل "الساذج" و"المراوغ" ولكنه يتم لأن في النفوس والضمائر بقية من دين، ولأن الشباب لا يستطيع "داخليًا" أن يمارس الجنس "هكذا"، وكأنه "شيء عادي" كما تقولين، فيلجأ إلى هذه الطريق الملتوية والخطيرة.
فإذا كنا نستقبل في صفحتنا هذه أصحاب المشكلات، والتجارب المؤلمة.. فهل تصلح هذه الصفحة بهذا الوضع لنطلق من خلالها حكمًا على "المسلمين"، ونصرخ أين الدين؟ أين الضمير؟ أين الأهل؟
إن مثلك في ذلك كمن زار عيادة طبيب في مدينة من المدن، وخرج منها ليقول إن كل سكان هذه المدينة مرضى، لأن كل من شاهدهم كانوا مرضى بالفعل ولكن "أين"؟! اختلط عليه الأمر.
وقد تقولين: حسنًا.. فهمنا هذه، ولكن ألا يلفت النظر غزارة الأسئلة الجنسية، وكأن الحياة كلها جنسًا، والمشاكل كلها في الجنس؟ وأعتقد أن كثرة الأسئلة في الموضوعات الجنسية يأتي من عدة أسباب:
1ـ وجود هذا الجانب في الحياة، وحياء الناس أن يتحدثوا فيه علنًا، حتى لو كان هناك مشكلة.
2ـ الجهل الشديد لدى أغلبنا بحكم غياب العلم الصحيح، والفقه السليم، وربما تحت مبرر الحياء، رغم إنه "لا حياء لطلب العلم في الدين"، وقد كانت هذه المسائل شائعة في كتب الفقه حتى قرنين من الزمان، وما زالت موجودة لمن يراجع التراث الفقهي.
3ـ الخصوصية والسرية التي يتيحها الإنترنت بما يجعل الناس "يأخذون راحتهم" أكثر مما يحدث على الهاتف، أو غيره عند سؤال العلماء، والمتابع لحلقات الشيخ يوسف القرضاوي في القنوات المختلفة سيجد مثل هذه الأسئلة يتكرر كثيرًا.
4ـ توافر المتخصصين في القضايا المختلفة: اقتصادياً، واجتماعيًا، وسياسيًا بما يمكن معه أن يلجأ أصحاب التساؤلات إليهم في العلن للاستعلام عن حاجتهم، أما "القضايا الحساسة" فتلزمها وسيلة "مستورة"، والإنترنت يحقق هذا على وجه طيب.
وأدعوك إلى أن تتأملي معى: أليس لجوء الناس إلى توجيه هذه الأسئلة عبر تلك الوسيلة (الإنترنت) يعكس درجة من الحياء تمنع من المجاهرة، وإن حافظت على "البوح" المباح.. المستور.
هل شاهدت يا أختي برامج المشكلات في القنوات الغربية؟! هل شاهدت كيف يناقشون أدق تفاصيل حياتهم الخاصة "على الهواء"، وفي وجود "أطراف المشكلة" حاضرين وحاضرات لا يتحرجن من الوصف والسرد!! شتان يا أختاه، ما زال عندنا الكثير من الحياء المحمود، ونحن نبحث عن صيغة للتخلص من الخجل المذموم الذي كان يختلط بالحياء عادة.
إذن ليس كل المسلمين أصبحوا على "الفيديو كليب"، وليست كل النساء المسلمات يتسابقن على تعرية أجسادهن، وليس كل الآباء يفرحون بهذا، أو يشجعون ذاك. كما إنه ليست كل مشاكل المسلمين جنسية، وليس كل موقعنا هو هذه الصفحة.
إنما هي عيادة يرتادها المريض والمسترشد، وصاحب الشكوى، والمتألم، كما يرتادها الفضولي، ومحبو الاستطلاع، ولهؤلاء نقول: إياكم، والإدراك القاصر الخاطئ.
* هل معنى هذا: أن أمتنا سليمة تمامًا، وعلى ما يرام، لا بالطبع، أمتنا مريضة، وهذا بعض أمراضها.. والذين يجرح رق النسيم خدودهم، أو يخدش الحرير ناعم أناملهم ينبغي ألا يدخلوا غرف العمليات فيرون الدماء تندفع من الجروح، ومبضع الجراح يعمل في الأنسجة تقطيعاً، وتعديلاً.
يا أختي هذه هي الأمراض، وتلك هي المستشفيات، وأمتنا ـمثل غيرهاـ فيها أمراض، وتحتاج إلى تطبيب حاذق لتعقد المرض، وطول زمانه حتى كاد يكون مزمنًا.
فهل نجلس بجوار المريض نندب، ونلطم الخدود ونشق الجيوب حزنًا على ما ألمَّ به، وإشفاقًا عليه من مضاعفات مرضه، إن هذا لا يفيده، فضلاً عن أنه يصيبنا بالكآبة، والصداع إلى جانب خيبة الأمل، والإحباط.
الأفضل أن نشعل شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام، وهذا ما نحاول أن نفعله في هذه الصفحة، وبعد عون الله فإن تجاوبكم معنا يؤنس وحشتنا ويسدد خطوتنا في هذه السبيل المليئة بالألغام، ويساعدنا على التسلل من بينها لنصل إلى الهدف بإذن الله، وهدفنا أن يتعلم المسلمون أمور دينهم، وأن يعرفوا ـ في وجه التشكيك والتشويه ـ عظمة رسولهم، وأحكام شريعتهم.
وقد يقتضي الأمر تفصيلاً في بعض الأحيان فنفصل، وقد يسعنا الإجمال فنجمل، ونحن ـوالله- تحمر وجوهنا خجلاً، ونحن نرد على أسئلتكم "الساخنة" كتابة وطباعة وتحريرًا ومراجعة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، لكن هذا لم يمنعه من أن يعلم المسلمين أدق أمور حياتهم، والعلماء ورثة الأنبياء، وقد اخترنا التخصص في هذا الجانب "الحساس" و "الشائك" عسى الله أن يعين ويتقبل.
أختي العزيزة.. منذ أيام تجمع لدي حصاد يومين من الأسئلة فوجدت 90% منها أسئلة جنسية عن العلاقات بين الزوجين فرحت بخاطري، وخرجت من قلبي إلى لساني كلمة: "يا الله".. أين كنا يا إخوان؟!
أين كان الملتزمون بالدين حين تركوا حياة الناس في علاقاتهم، ونكاحهم، ومراهقتهم، ومشاعرهم؟! وانشغلوا بجانب العبادة أو بجانب مواجهة الظالمين، أو غيرها من الجوانب، وكأنها هي وحدها الحياة. لمن تركوا هذه الساحة.. ساحة حياة الناس بتفاصيلها الهامة لديهم؟!!
إذا لم يكن الإسلام حاضرًا ليرد على تساؤلات الناس في كل مناشطهم وقضاياهم فما وظيفته إذن؟! ولماذا نزل أصلاً؟!
وإذا لم نتصدى نحن، وغيرنا من الملتزمين للتسلل من بين هذه الألغام، وتعليم أنفسنا، والناس حكم الله وشرعه من وحي نزل من السماء، وأكده العلم، ودعمته التجارب فمن سيفعل هذا يا تُرى؟!
لن ينزل من السماء أو يخرج من الأرض من يقوم بهذه المهمة، ولكن سيقوم بها أصحاب الشهوات، وأتباع الهوى، وشذاذ الآفاق، والجهال بالدين أو العلم، أو بهما معًا.
أختي العزيزة:
معك أبكي على الأمة، "ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؟" لكنني لا أترك الدموع في عيني تحجب رؤية الأمور على حقيقتها، وتشخيص الأمراض، والمساعدة في العلاج.
وقد تعلمت أن العمل الإيجابي ـولو قل- هو النافع الباقي، وهو الخير عند الله، وهو الوقاية الحقيقية من الكآبة، وخيبة الأمل، أما الكلام الكبير والشعارات الرنانة فيستطيعها كل أحد.
يا أختي: نريد رأسك يفكر معنا ـ طيلة الوقت ـ ماذا نفعل في واقع مضطرب، ومستقبل يحمل لنا من الفرص والتحديات ما يستحق الاستعداد والترتيب. شكرًا على حماسك، وكوني معنًا دومًا، وإذا كان لديك خبرة ساهمي معنا في حل مشكلات بني جلدتنا، جزاك الله خيراً. دمت سالمة.. والسلام.