السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ترددت كثيرًا قبل كتابة هذه المشكلة التي عانيت منها لفترة طويلة، عملاً بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا"، ولكن شعوري بالضياع والتيه والندم والكآبة دفعني إلى أن أتوجه إليكم، عملاً بقول الله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".. ولعلمي أنكم تعملون في هذه الصفحة بإخلاص وسرية تامة لحل مشاكل الناس.. أسأل الله تعالى أن يعينني على سرد التفاصيل، ويلهمكم الصبر على قراءتها، فهي مشكلة معقدة وعميقة جدًّا لا بد لي من أن أذكرها بشيء من التفصيل.
أنا شاب ملتزم مؤمن من عائلة محافظة، في فترة مراهقتي لم أجد من يتحدث إليّ بصراحة عن الأمور الجنسية لا من قريب ولا من بعيد؛ فوقعت ضحية العادة السرية، ثم تحدث لي والدي عن حرمة هذا الأمر عندما لاحظ عليّ تبدلاً وإضرابًا وميلاً إلى الوحدة، ولكن حديثه كان سطحيًّا هجوميًّا يفتقر إلى رقة الأسلوب، ولم يتجاوز الدقائق العشر.. ولم يكن كافيًا لإقلاعي عن هذا الأمر الذي غدوت أزاوله سرًّا كل أسبوع تقريبًا.
في المرحلة الجامعية انتقلت إلى معصية جديدة، وهي مشاهدة الأفلام الإباحية، فقد كنت أبقى بمفردي في البيت لفترات طويلة أقلب بين المحطات الأوروبية؛ نظرًا لانشغال أهلي عني، فلم أكن أجد منهم متابعة أو إصغاء لمشاكلي، مما منعني من أن أناقش معهم أي أمر من هذا النوع، حتى إنني لم أكن أجرؤ على الحوار الصريح مع والدي، وإقناعه بأن ما أتى به إلينا من محطات فضائية أوروبية هو حرام شرعًا حتى لا أخبره بما أفعله في غيابه، فقد كان شديد الثقة بي وبالتزامي ولم أكن أريد أن أخسر ثقته أو ثقة والدتي.
كنت أتعذب وأبكي بين يدي الله فور انتهائي من المعصية، وأتوب فورًا وأتوقف عن الأمر لمدة شهر أو يزيد، أكثر فيه من الصلاة والأعمال الصالحة حتى إني قد حفظت ما يزيد عن نصف القرآن، وواظبت على حضور مجالس العلم والذكر، وانتسبت إلى الكثير من المعاهد العلمية، فدرست اللغة الإنجليزية وقمت بالكثير من النشاطات الرياضية لأشغل وقتي ولكن الشيطان كان لي بالمرصاد؛ فلا ألبث أن أعود إلى نفس المعصية، ثم أتوب، ثم أعود من جديد، وهكذا...
كنت مذبذبًا ضعيف الإرادة، ولكني لم أخبر أحدًا بما أفعله، واحتفظت بالذنب بيني وبين ربي.
بعد تخرجي في الجامعة جاءني عقد عمل في شركة عالمية في إحدى دول الخليج العربي.. تحمست كثيرًا لفكرة السفر ورأيت أنها قد تكون نجدة إلهية لخلاصي من واقع الذنب الأليم الذي عشته في بلدي.
كانت الشركة مليئة بالموظفين والموظفات الأجانب، وكان شعور الغربة قاسيًا جدًّا بالنسبة لي، خاصة أنني ذو طبيعة حساسة ولم أختبر هذا الشعور من قبل.
كنت محاطًا بأناس همهم شهواتهم وملذاتهم وبفتيات من جنسيات مختلفة، ولكني قاومت كل ذلك مركزًا على عملي وقيمي الملتزمة التي تربيت عليها.. حرصت أشد الحرص على ألا أعود لمشاهدة الأفلام الإباحية، ونجحت في هذا بفضل الله، ولم آتِ بالمحطات الشيطانية إلى منزلي، وأصبحت أدير حياتي بشكل أفضل، فتحسنت ثقتي بنفسي كثيرًا، وخفت مزاولتي للعادة السرية، وصرت أخطط لحياتي بشكل إيجابي؛ فخفت مشاعر الضياع التي كنت أشعر بها آنذاك.
ولكن من ناحية أخرى كان شعور الغربة يعصف بي يومًا بعد يوم، وغريزة الشباب التي تأججت بفعل الظروف التي كنت فيها تؤرقني وتحرمني النوم أحيانًا كثيرة، حيث إني كنت قد اعتدت على مشاهدة الأفلام الإباحية عند تأجج الشهوة عندي، فلما حرمت نفسي من ذلك، وحيث إني كنت -وما زلت- أعيش وحدي بدأت نفسي الأمارة بالسوء بالبحث عن البديل، حتى فكرت بأن أدخل الإنترنت بغرض التحرر مما ينتابني من مشاعر كئيبة في تلك الفترة.. وكان ذلك قبل 4 سنوات من الآن.
كانت قناعاتي بالإنترنت أنها فضاء وهمي وعلاقات افتراضية كاذبة مصيرها الفشل، وكنت وما زلت من أشد المعارضين لفكرة الزواج أو الصداقة بين الجنسين على الإنترنت، فاقتصر استخدامي للإنترنت على التسلية دون السماح لنفسي بالاستمرار بأي علاقة مع أي فتاة، فكنت أدخل غرفًا متنوعة للدردشة وأتحدث إلى فتيات من جنسيات مختلفة (فلغتي الإنجليزية ممتازة)، ثم ينتهي الأمر بأن أجد فتاة تتكلم معي فأعطيها عنوانًا للياهو أو الـ(MSN Messenger)، كنت أنشأته خصيصًا لهذه الغاية، ولكن وبعد انتهاء وقت طويل من المحادثة كان ينتابني ندم شديد وكآبة عظيمة لا تقل شأنًا عن الألم الذي كنت أشعر به بعد مشاهدة الأفلام الإباحية.
ولكن ندمي وكآبتي لم يدفعاني إلى التخلص من الشات والدردشة على الإنترنت، وإنما كنت بدلاً من ذلك أنهي العلاقة بيني وبين الفتاة التي أتحدث إليها بأساليب قاطعة، منها حذف اسم الفتاة من قائمة الأصدقاء في الماسنجر، أو إغلاق الماسنجر بتغيير كلمة السر، بحيث يصعب عليّ تذكرها، كنت أشعر أني بهذا الشكل أعاقب نفسي على ما أفعله، ولكن لا ألبث بعد أيام قليلة أن أنشئ اسم مستخدم جديد وأتعرف على فتاة جديدة، ثم أندم فأنهي العلاقة بشكل قاطع، ثم أبدأ من جديد.
أمضيت ما يزيد عن ثلاث سنوات على هذا الحال، تعرفت خلالها على ما يزيد على 50 فتاة عربية وأجنبية، كنت أشعر بلذة ومتعة شديدتين عند التحدث مع الفتيات، ولكني سرعان ما أنهي العلاقة نادمًا لأبدأ من جديد.
ومن ناحية أخرى لم أكن مدمنًا لهذا الأمر بمعنى الكلمة، فقد كنت أيضًا أواظب على مجالس العلم، وتابعت بفضل الله حفظ القرآن، وكانت لي نشاطات في مجال الدعوة إلى الله، فقد شرّفني الله بإسلام شخص أجنبي على يدي، فكنت أبكي عندما أرى منه التزامًا يفوق التزامي، وتعطشًا إلى العلم والمعرفة جعلني أحزن حسرة على نفسي.
كنت أشعر أنني كنت جسرًا قد عبر فوقه إلى الجنة، ومصير هذا الجسر هو أن يُلقى في النار! ثم وسّع الله عليّ في رزقي وأكرمني برفقة صالحة ولا أحد يعلم ما أفعله سرًّا من ذنوب، فكان ذلك مما يزيدني كآبة وكراهية لنفسي، فالله يكرمني من فضله وعطائه.. وأنا أبادله بالذنوب والمعاصي.
كان من مصادر كآبتي أيضًا إحساسي بالذنب الكبير أمام الله لتلاعبي بمشاعر الفتيات.. فكان كثير منهن يرغبن بإقامة علاقة جدية أو زواج، وكنت أستمر معهن بأحاديث عاطفية (وجنسية أيضًا) لا ترضي الله عز وجل، خاصة أن لي أخوات لا أرغب لهن فيما أفعل بالآخرين، وكنت أستخدم معلومات كاذبة وأروي قصصًا من الخيال ناسجًا لنفسي عالمًا افتراضيًّا مبنيًّا على الكذب والتلاعب بعواطف الآخرين، ثم أنسحب بشكل قاطع عندما يبلغ الندم أوجه، علمًا بأني لم أكن أستخدم المايك أو الكاميرا أبدًا في هذا الأمر.
أطول علاقة أقمتها مع فتاة كانت أقل من سنة، وعلاقات كثيرة لأشهر وربما أيام ثم أنسحب نادمًا.. بكيت كثيرًا بين يدي الله.. حاولت شغل كل ثانية من وقتي وتسخير الإنترنت لما يفيدني في ديني ودنياي، وكانت لي إنجازات طيبة في مجال الدعوة عن طريق الإنترنت، وتطوير الذات، ولكنني لا ألبث أن أعود إلى عادتي القديمة، وهكذا...
كان حالي في غربتي مذبذبًا تمامًا، كما كنت في بلدي فأسأل الله أن يهديني سواء السبيل.
في الفترة الأولى من سفري كنت أقوم بالدردشة بعد ساعات العمل في المكتب، وكان مديري يظن أنني أسهر على العمل فأمر لي بزيادة راتب، وكان ذلك مما أشعرني بالخجل، خاصة عندما كان يمدحني أمام زملائي.. فأتيت بالإنترنت إلى البيت لأُبقي الشركة بعيدًا عن مغامراتي.
فكرت كثيرًا أن ألغي اشتراكي بالإنترنت، ولكني أستفيد منه في كثير من الأمور، منها محادثة أهلي وأقربائي، وأخشى أن البديل موجود وهو مكان العمل ومقاهي الإنترنت المزروعة بكثافة حول منزلي.
أدركت أن الحل يجب أن ينبثق من داخلي، ولكن كيف؟! طرقت أبواب الحلال وحاولت الزواج، ولكني لم أوفق إلى الآن في إيجاد الفتاة التي تقبل بي، على الرغم من أني قد بذلت محاولات جادة بهذا الخصوص (عن طريق الأهل طبعًا)، ولكن صعوبة الموضوع تكمن في الغربة وقصر فترة الإجازة عند محاولة الزواج.
أحيانًا يبادرني تساؤل: ماذا ينبغي أن أقول للفتاة التي أنوي الزواج بها إذا سألتني إن كان لي علاقات سابقة؟! هل أقول إنني كنت شيطانًا من عالم الإنس أتلاعب بمشاعر الفتيات ثم أنسحب نادمًا؟! أم هل أكذب مجددًا وأنكر علاقاتي على الإنترنت؟! هل أنا مريض نفسي؟! هل أنا منافق؟!
كثير من أصدقائي يظنون أني ملاك أمشي على الأرض.. فيقدموني لصلاة الجماعة.. ويتقبلون نصائحي.. ويعجبون بأسلوبي في الدعوة والكلام، حتى إنني أنصحهم أن يبتعدوا عن الشات والإنترنت، وأنا أول المبتلين بهذا الذنب، فكان ذلك يعزز شعور الكآبة لديّ أكثر وأكثر، حتى إني قد فكرت في الانتحار لولا أن إيماني برحمة الله منعني من ذلك!!
لا أخفيكم أنني قصرت في عملي نتيجة هذا الأمر، وأصبت بإحباط وملل شديد ورغبة عارمة في التغيير، وكان رؤسائي في العمل معجبين جدًّا بما حققته للشركة من إنجازات في الماضي، فكانوا يعذرونني عن ضعف الأداء في الحاضر، ولكن تطوري في العمل بات بطيئًا جدًّا، فحاولت وأحاول تغيير عملي لأسمح لنفسي بأن أبدأ من جديد، ولا أدري إن كان تفكيري سليمًا؟!
عذرًا للإطالة.. وأريد أن أختم هذه الكلمات.. بنصيحة مباشرة إلى جميع أخواتي في الله اللاتي يرتدن الإنترنت بقصد إقامة علاقات مع شباب بأن يحذرن من الوقوع في هذا الفخ الإلكتروني الوهمي، ولا يكن فريسة سهلة.. فالشباب من أمثالي كثر، ومعظمهم لا يشعرون بأي ندم أو ألم على أفعالهم كما أشعر الآن، فقد قضيت معظم فترة شبابي مذبذبًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وإني لأخشى أن أبعث يوم القيامة كذلك.
أرجوكم أن تساعدوني في حل مشكلتي، وأقسم أن لدي النية الصادقة أن أنتهي مما أنا عليه، وما سببته لنفسي من هم وغم وضيق، وأخشى أن يتوفاني الله قبل توبة نصوح.. فوالله إني أشعر بهمة عالية، ورغبة كبيرة في أن أتخلص مما أنا عليه.
أسأل الله أن يمدني بالعمر لأقرأ ردكم، عله يكون سببًا في هدايتي.
أخوكم في الله.
9/9/2024